انتصار حماس يجسد النظرية الايرانية بالنسبة لاسرائيل والشرق الاوسط

حجم الخط
0

انتصار حماس يجسد النظرية الايرانية بالنسبة لاسرائيل والشرق الاوسط

الجهات الأمنية في اسرائيل منقسمة بين تشاؤم الجيش وتفاؤل المخابراتانتصار حماس يجسد النظرية الايرانية بالنسبة لاسرائيل والشرق الاوسط في الجيش يُسمون ذلك حدثا استراتيجيا تشكيليا . بالعبرية البسيطة هذه تعتبر هزة ارضية. انجازات حماس في انتخابات السلطة تقلب كل قواعد اللعبة رأسا علي عقب. من الآن فصاعدا سيضطر كل لاعب في الساحة الشرق اوسطية الي تغيير أدائه. هذا الأمر اسوأ بكثير مما كنا نُقدره ، اعترف أمس مصدر أمني كبير عندما بدأت نتائج الانتخابات بالتوارد والوضوح. يتبين أن التقديرات الأكثر تشاؤما في اسرائيل حتي، التي أصدرتها شعبة الاستخبارات العسكرية أمان ، لم تتوقع مثل هذا الانهيار لحركة فتح.من اليوم نعود في الواقع الي خط الصفر، الي ايام ما قبل اوسلو. في الوقت الراهن عند نقطة البداية ليس لدولة اسرائيل شريك في المفاوضات. هناك اتجاهان آخذان في التعزز: اتجاه الجمود في المفاوضات، واتجاه الخطوات أحادية الجانب.بالرغم من الاستطلاعات التي تظهر في هذه الصفحات والتي تشير الي ميل محدد في الجمهور الاسرائيلي للتفاوض مع حماس، فان الاستراتيجية الاسرائيلية القائمة اليوم معاكسة لذلك. اسرائيل مقيدة بالخطوة ـ تلك التي قادتها بنفسها في مواجهة اوروبا وامريكا ـ التي تحظر التفاوض مع حماس إثر كونها تنظيما ارهابيا. المرحلة القادمة ستكون محاولة اسرائيلية لاقناع الاوروبيين والامريكيين أنه لا مجال لتحقيق خريطة الطريق في الظروف الناشئة. اسرائيل ستتمترس في الخطوات أحادية الجانب وفي الحدود التي تحددها لنفسها.الاستنتاج الطبيعي من الجمود ومن الخطوات أحادية الجانب، هو التدهور الأمني الذي لا مفر منه. التنبؤات التشاؤمية التي سادت في جهاز الأمن عشية الانتخابات ـ عندما قدروا أن حماس ستدخل الي حكومة وحدة أو تشكل ثلث البرلمان الفلسطيني ـ هي اليوم أكثر تشاؤما بكثير. ذلك لأنه قد دخلت الي ساحتنا، وبصورة كبيرة، أطراف اسلامية خارجية مرتبطة بايران وليس حماس فقط.شخصيات مركزية في وزارة الدفاع والجيش تُعرّف انتصار حماس بمصطلحات الجبهة الثانية . اذا كانوا يتحدثون حتي الآن عن جناح واحد صارخ للارهاب الاسلامي المتطرف، الذي يهدد اسرائيل من الحدود الشمالية، فبعد انتخابات السلطة أصبحوا يتحدثون عن اقامة الجناح الثاني من هذا التهديد في الضفة وغزة.هذا في الواقع تجسيد للحلم الايراني: تشكيل حركة كماشة من الحركات الاسلامية المتطرفة المحيطة باسرائيل من كل جوانبها. كل واحد من الجناحين مكون من تنظيم اسلامي هو جزء من مؤسسة محلية قائمة ويمتلك قوة عسكرية مستقلة تخدم أهداف النظام الايراني. في الشمال لدينا حزب الله، وفي الضفة وغزة ستكون حماس. في كلتا الحالتين يتعلق الأمر بحركتين اسلاميتين متطرفتين ـ واحدة شيعية والاخري سنّية ـ مع ارتباط بالحركات الاسلامية العالمية. قاعدة سيطرة كل واحدة من هذه الحركات هي في الواقع كونها جزءاً من المؤسسة المحلية القائمة: حزب الله وحماس انتُخبا للبرلمانات في بلديهما من خلال انتخابات ديمقراطية.في جهاز الدفاع توجد أطراف عليا تري بزيارة الرئيس الايراني لسورية في الاسبوع الماضي نقطة مركزية في نشوء الجبهة الثانية المذكورة. جدول اعمال الرئيس الايراني تضمن خلال زيارته لقاءات مع كل الاشخاص ذوي العلاقة لتشكيل حركة الكماشة: بدءا من نصر الله، مرورا بقادة حماس والجهاد، وانتهاء بممثلي باقي أطراف المعارضة الفلسطينية. الحلم الايراني في الجلوس بواسطة حماس في قلب المؤسسة الفلسطينية وادارة السياسة الخارجية الايرانية من هناك في مواجهة اسرائيل والغرب، آخذ في التجسد.زيارة الممثل الإيرانيتنظيم حزب الله يسمي في الوثائق الايرانية الرسمية: الطابور اللبناني من الحرس الثوري . الآن أصبحت مهمتهم تحويل حماس ايضا الي ذراع لذلك الطابور. حتي الآن تجسد التدخل الايراني فيما يحدث في الضفة وغزة بالأساس بدعم التنظيمات الارهابية المحلية: الجهاد الاسلامي، أتباع التنظيم الخارجين من فتح وغيرهم. الآن يحاول الايرانيون تجنيد حماس لصالحهم ايضا. هم يريدون السيطرة علي المركز وليس التملص نحو الداخل من خلال البوابة الخلفية.مصطلح الطابور اللبناني للحرس الثوري ليس مجرد مصطلح سياسي ـ لفظي. هو مفهوم ملموس جدا. مرة كل ثلاثة ـ اربعة اشهر يأتي الي الحدود مع اسرائيل ممثل ايراني رسمي مصحوب باللبنانيين. هو يقوم بزيارة للمواقع والمنشآت العسكرية التابعة لحزب الله ويفحص المخازن والسجلات المليئة والجاهزة. ايام زيارة ذلك الايراني معروفة جيدا للجانب الاسرائيلي. هم يعرفون جيدا أن كل زيارة كهذه هي حدث يستعد له أتباع حزب الله المنفعلين طوال عدة ايام.مقاتلو حزب الله لا يتدربون فقط في ايران، وانما يحصلون منها علي رواتبهم. هم يجلسون مع ضباط الحرس الثوري في لبنان حول خطط عملياتية ويحللون الأحداث ويستعينون بهم في جمع المعلومات الاستخبارية. اذا نجح الايرانيون في فرض انفسهم علي المجريات السياسية في السلطة وتحويل حماس الي نموذج لتأثيرهم القائم علي حزب الله ـ فهم لن يأتوا لزيارة رام الله كما يفعلون مع الحدود الشمالية. ولكنهم من الآن يأتون الي القطاع عبر معبر رفح وجهات ارهابية فلسطينية كبيرة مقيمة في لبنان وسورية.هذه النظرة الأخروية في جهاز الدفاع توصل الي استنتاج واحد فقط: المجابهة القادمة مسألة لا مفر منها. الجولة القادمة لن تكون فقط في مواجهة حماس والجهاد الاسلامي، وانما في مواجهة السلطة كلها، ذلك لأن حماس ستؤثر علي جدول اعمالها. المغزي: مجابهة في مواجهة المجتمع الفلسطيني وجولة اخري من انتفاضة كاملة.هذا لن يحدث غدا، ولا بعد شهر أو نصف سنة، يقول مسؤولون كبار في جهاز الدفاع. المسألة عبارة عن عملية جوهرية تنظر فيها كل الأطراف المشاركة واحدا في الآخر بارتياب، وتتصرف بحذر. في البداية سينتظرون اقامة حكومة فلسطينية ويرون كيف يتشكل نظام القوي في السلطة، وبعد ذلك سينتظرون الانتخابات في اسرائيل لاقامة حكومة ويدرسون ردود الفعل العالمية. وتيرة التدهور تعتمد جدا علي الاستقبال الذي ستبديه دول العالم لوجود حماس في السلطة الفلسطينية وعلي سلوك اسرائيل في مواجهة الحكومة الفلسطينية الجديدة. هكذا مثلا، قد يؤدي طلب حماس من أبو مازن بأن يُجسد التزامه بنزع سلاح حماس فورا وإلا فانها ستُجمد أي تقدم في المفاوضات ـ الي تسريع عملية التدهور نحو المجابهة المسلحة.في اسرائيل اكتشفوا مؤخرا فقط بأن أبو مازن نجح في زيارته الأخيرة للولايات المتحدة في بيع الامريكيين قضية مشاركة حماس في الانتخابات بواسطة وعده بنزع سلاح هذا التنظيم. في اسرائيل ساد الاعتقاد حتي الآونة الأخيرة بأن الامريكيين قد تحوّلوا الي أنصار لمشاركة حماس في الانتخابات بعد أن أقنعهم أبو مازن أن حماس ستصبح أكثر اعتدالا عندما تتحول الي جزء من المؤسسة الرسمية. بند نزع سلاح حماس كان سريا.الآن، يتساءلون في اسرائيل عن الموقف الامريكي والاوروبي من السلطة عندما تُطرح قضية نزع سلاح حماس علي جدول الاعمال مجددا. في وزارتي الخارجية والدفاع يخشون من أن يؤدي الشروع بحوار رسمي بين الاوروبيين والامريكيين وحماس ـ قبل أن يُنزع سلاحها وأن تعلن عن تنازلها عن الارهاب ـ الي ردة فعل الدومينو . أي، أن تُنسي كل التعهدات وأن يكون هناك اعتراف دولي واقعي بالسلطة الفلسطينية تدريجيا، والتي تكون حماس في قلبها كقوة مركزية من دون أن تنزع سلاحها وأن تتخلي عن أهدافها. هذه قد تكون ضربة سياسية قاسمة لاسرائيل. في الوقت الحالي يتابعون عندنا باهتمام كبير الممثلين الاوروبيين الذين بدأوا يتلمسون بصورة غير رسمية ما يحدث عند حماس. التوجه الاوروبي نحو حركة حماس غامض: صحيح أنهم يعتبرون ذراعها العسكرية تنظيما ارهابيا، إلا أن الذراع السياسية ليست مشمولة في قائمة الارهاب.الإبهام يتجسد في الاتصالات ايضا: رسميا لا يلتقي الاوروبيون مع قيادة حماس. ومع ذلك هم يسمحون بلقاءات بين ممثلي الاتحاد الاوروبي ومستويات تنفيذية لحماس ـ رؤساء البلديات مثلا. في اسرائيل يعرفون ايضا أن دبلوماسيين اوروبيين، وإن كانوا ذوي مستوي منخفض، يلتقون مع قيادة حماس. الرسائل التي ترد من تلك اللقاءات مشجعة بالنسبة لاسرائيل في الوقت الحالي. الاوروبيون يُمررون من خلالها رسائل حازمة جدا لأتباع حماس بروحية الأمور التي صرح بها خافيير سولانا: اذا لم تنزع حماس سلاحها ولم توقف الارهاب فسيوقف الاوروبيون المساعدة الاقتصادية للسلطة. هل سيلتزم الاوروبيون بتعهدهم هذا، أم أنهم سيجدون الذرائع للتنصل منه؟ هذا ما سنعرفه مع مرور الوقت.الأمر الصحيح حاليا هو أن الاوروبيين قلقون جدا من وجود حماس كقوة سياسية جديدة، اصولية ـ سنّية، في الحوض الشرقي من البحر المتوسط. الأمر يتعلق بظاهرة غير مسبوقة قد تلقي بأشعتها علي المصالح الاوروبية في الدول العربية المعتدلة في المنطقة وعلي حركة الاخوان المسلمين في مصر والحركة الاسلامية في اسرائيل والحركات الاسلامية في اوروبا. فنحن في نهاية المطاف نعيش في حي صغير واحد.والروس؟ هم يمتلكون نهجا مثيرا جدا للاهتمام تجاه التنظيمات الارهابية. التنظيم الارهابي بالنسبة لهم هو التنظيم الذي يهدد مصالحهم. حماس لا تهددهم، ولذلك هي ليست تنظيما ارهابيا بالنسبة لهم. وعليه، عارضوا في السابق إدخال حماس، بما في ذلك ذراعها العسكرية، في قائمة الارهاب. صحيح أن الروس يؤيدون نزع سلاح حماس، ولكنهم يعارضون استخدام القوة ضدها. مثلما يقوم الروس باجراء الاتصالات مع حزب الله، من المعتقد أنهم سيكونون أصحاب بيت لدي حماس ايضا.الادارة الامريكية حازمة جدا بصدد حماس وتعتبرها تنظيما ارهابيا بكل معني الكلمة، وتحظر أي اتصالات معها. حتي انتخابات السلطة أبدت الادارة الامريكية موقفا واضحا جدا ضد حماس حتي تساعد أبو مازن. ولكن في مرحلة ما بعد الانتخابات ـ توجد للامريكيين ايضا اعتبارات شمولية ترتبط بعمليات الدمقرطة التي يقودونها في العراق وافغانستان والسلطة الفلسطينية. وهذه الاعتبارات أنشأت عندهم رغبة في اعطاء فرصة للوليد الجديد الذي ابتدعوه في السلطة الفلسطينية. وعليه، ستصبح المسميات الحازمة أكثر ليونة ورخاوة. منذ اليوم بدأنا نسمع الخارجية الامريكية وهي تتحدث عن: اختبار أبو مازن لن يكون بنزع سلاح حماس غدا صباحا، وانما سيكون بالتزام حماس كجسم منتخب بالقواعد البرلمانية. أحد هذه القواعد حسب الرؤية الامريكية، يقول انه لا توجد للاحزاب ميليشيات مستقلة، أي أنه اذا انفصلت حماس الي جسمين اثنين: سياسي وآخر عسكري، فقد يكون ذلك مرضيا للامريكيين في ظروف معينة، لأنه في ظل هذا الوضع ستكون عبارة عن حزب من دون ذراع عسكرية. الامكانية الاخري: أن تطالب حماس بتجنيد أتباعها كما هم في اجهزة الأمن الفلسطينية. هذا الحل ايضا قد يكون مرضيا للامريكيين.رُسل وزارة الخارجية يتلمسون اليوم في العواصم الاوروبية والامريكية المواقف والاتجاهات من اجل معرفة كيفية التعامل مع حماس هناك بعد الانتخابات وأي خطوات مضادة يمكن اتخاذها من اجل الحؤول دون ظاهرة الدومينو .مستعدون لمرونة تكتيكيةليست كل الجهات الأمنية في اسرائيل شريكة في التقديرات الأخروية الطابع. في نقاشات مشتركة بين الشاباك وشعبة الاستخبارات العسكرية، يقول أتباع الشاباك لنظرائهم: لا تثيروا الرعب. بل علي العكس، دخول حماس الي الجهاز السياسي هو حسب رؤية الشاباك عملية تنطوي علي تغيرات ايجابية. ذلك لأن المسألة تتعلق بتنظيم سياسي طاهر اليدين وبراغماتي، سيكون في اطار وجوده ضمن المؤسسة الفلسطينية خاضعا لضغوطات ستؤدي الي موازنته وكبحه. أتباع حماس يريدون النجاح، ولذلك يتوجب عليهم الاعتدال. مثل هذه الاصوات لا تتردد في الشاباك فقط.الشعور بأن حماس تمر في عملية متواصلة ـ وإن كانت بطيئة وتدريجية وحذرة ـ من الانتقال من قطب عسكري ارهابي الي قطب سياسي فاعل ومثير للآمال في اوساط الباحثين في الجهات المختلفة من المؤسسة الأمنية في اسرائيل. حسب اعتقادهم، قادة حماس يلتزمون أولا بقاعدتهم الشعبية، وهي الشارع الفلسطيني. والشارع الفلسطيني يطالب بالاعتدال.في مؤتمر هرتسليا عبر رئيس هيئة الاركان، دان حلوتس، عن الرأي المركزي في جهاز الدفاع والأمن ومفاده: اذا تحولت حماس الي طرف مؤثر في السلطة، فان المجابهة القادمة مسألة لا بد منها. من خلف هذه العبارة توجد رؤية لا تثق بوجود احتمالية بأن تصبح حماس أكثر اعتدالا في أهدافها الأساسية ـ وعليه، لا مكان للتسوية. كل تفكير حول التفاوض مع حماس هو بمثابة وهم يعطي الفلسطينيين دفعة جديدة لمطالبة اسرائيل بالتنازلات. حماس ـ في حملتها الانتخابية ايضا ـ تحدثت عن أن سنوات اوسلو العشر لم تفعل شيئا لدفع القضية الفلسطينية الي الأمام، أما سنوات الحرب الخمس في المناطق فقد نجحت في تحقيق الكثير. من هنا يتوجب علي الناخب الفلسطيني أن يفهم أن خمس سنوات اخري من الكفاح ستُخرج اسرائيل من الضفة كلها، وخمس سنوات اخري ستُخرجها من القدس.حماس، مثل حزب الله، هي جسم مع نفس طويل، وأهداف واضحة. لتحقيق هذه الأهداف يوجد لديها استعداد لاضفاء مرونة تكتيكية واسعة جدا علي مواقفها: عمليات التهدئة والهدنة وما الي ذلك. ولكن تخفيض مستوي بروزها هو مجرد تكتيك. حماس ستستخدم سلاح الارهاب بصورة مخططة ومدروسة ومضبوطة بالضبط مثل حزب الله ـ وفقا للحاجة السياسية الناشئة في تلك الآونة. التقدير في اسرائيل هو أن العمليات الارهابية التي تقوم بها حماس ستتمركز بالأساس في الـ 64 مستوطنة اسرائيلية المعزولة في الضفة. هذه ستكون اعمالا مدروسة ضد أهداف يتم اختيارها بحرص وفقا للنظرية الايرانية: ضرب الهدف بتركيز يعطي رد الفعل السياسي الأكثر قوة.اليكس فيشمانالمراسل العسكري للصحيفة(يديعوت احرونوت) 27/1/2006

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية