اليمن: ليس بالأقوال وحدها تبدأ مسيرة الاصلاح
ناجي جميلاليمن: ليس بالأقوال وحدها تبدأ مسيرة الاصلاح التعديل الوزاري غير المتوقع الذي حدث في بداية هذ الأسبوع لا يختلف عن تعديلات سابقة كان ما جناه الوطن منها ان كان هذا الوطن لا يزال في بال احد لا يساوي توقعات المواطنين الذين يئسوا من حدوث فجر جديد ومن رؤية ضوء في نهاية النفق المعتم ومن وصول عناصرالي سدة السلطة وقلبها علي الشعب ومصالحه. التوزير الجديد لم يثر اهتمام احد لأن الوزراء في اليمن لا يملكون سلطة اتخاذ القرار في مسائل تعتبر في دول اخري من صلاحيات المدراء او مدراء العموم. الوزير في بلادنا السعيدة يحقق مكاسب شخصية هائلة اولها يصل اليه بدون ان يطلبه فهو يبدأ وزارته بخمسين مليون ريال من الرئاسة للارتقاء بحالته المادية وبمسكنه وبسيارتين من الرئاسة لا يعيدهما الي وزارته عندما يترك منصبه ولذلك لا عجب ان كانت الرئاسة اكبر مستورد للسيارات في بلد معظم سياراته يدخل عن طريق التهريب. اليمنيون يرددون بيتا من الشعر للشاعر المخضرم ابراهيم الحضراني اطال الله عمره يصور واقع الحال يقول فيه: كل فجر مر فجر كاذب فمتي يأتي الذي لا يكذب. حياتنا كذب في كذب من الصباح الباكر وحتي المساء واذا ما حدث شيء كالتعديل الوزاري الأخير فإن التطبيل له لا يتوقف فهو يصور وكأنه الدواء الشافي لكل العلل التي لم تكن تعترف بها السلطة من قبل ولا تشير اليها الا بمناسبة حدوث مثل هذا التغيير لتبرير حدوثه فقط وليس لاقناع الناس بأن هناك تغييرا حقيقيا في الأدوات والأهداف، وأن هناك برنامجا او خطة زمنية واجبة التنفيذ تنقل البلد من وضعها الحالي الي وضع افضل أما قبل ذلك فكل شيء كان عال العال ومن قال بعكسه فهو من كوكب آخر لا يعيش المنجزات التنموية الشاملة التي رفعت دخل المواطن بنسب يحسدنا عليها المتربصون بنا من الأعداء الفقراء في الداخل والخارج، ويعيش في غرف مغلقة لا تسمح له بادراك هذه المنجزات مما حدا بالرئيس ان يخص المعارضة التي يحبها كثيرا بنصيحة مخلصة وابوية هي حبوا الوطن ويبخل بها علي اهل الحكم والبيت لأن هؤلاء هم الوطن وهم المواطنون.في التعديل الحكومي الأخير سمعنا رئيسنا يقول ان الوزراء الجدد من التكنوقراط والكلمة لا ريب جذابة في بلد تسوده سطوة القبيلة والعشيرة والأسرة وتغليب مصالحها التي لم تعد ضيقة او صغيرة لأنها تري بالعين المجردة ويسمع الناس عنها وان بالغوا احيانا لكن هذا لا ينفي ان هناك ثروات تتضخم في الداخل والخارج مصدرها المال العام تقدر بمئات الملايين وبالمليارات من الدولارات وبعضها ثمن تراب وطني. الم يكن الوزراء السابقون من نفس العينة؟ الم يغادروا السلطة وهم مكللون بالاتهامات والقيل والقال عن ثرواتهم غير المشروعة؟ الا يشاهد الناس قصورهم الفخمة وسياراتهم الفارهة؟ الم تسمع اجهزة التنصت في المقايل والتاكسيات والمكاتب مقولة لم تتغير منذ ثلاثة عقود تقريبا هي ان الوزير السابق كان اقل طمعا بالمال العام مقارنة بالخلف؟ أي ان كل وزير جديد اكثر شراهة للمال العام من سلفه. لقد عاد اليمنيون يرددون عبارة الشاعر محمد الشرفي عن الحال الدائم الذي لم يتغير التي سمعوها منه قبل اكثر من اربعة عقود في الاذاعة ديمة وقلبنا بابها والديمة باللهجة اليمنية هي المطبخ وهذا استفتاء شعبي بأنه لا جديد تحت الشمس وأن التكنوقراط ليسوا سوي قراطون للمال العام ومن لم يقرط فليس منا. اليمن تعج بالحكايات التي يشيب لها الرأس. ثم أي تكنوقراطية في تعيين وزير للاعلام امتلأت الصحف أخيرا بالحديث عن انجازاته الفريدة عندما كان يتولي نفس المنصب قبل خمسة عشر عاما ومنها انه أول وزير اعلام في العالم كله يسجن العاملين في وزارته داخل الوزارة ويكبل ارجلهم بالقيود ويزعم ان استبيانا اجرته وزارته اظهر ان المشاهدين لتلفزيون واق الواق يحبون النشرة الاخبارية الطويلة التي كانت ولا تزال اخبارا رئاسية، هل أتي به ليعيد نفس السيرة ويمنع هذا العدد من صحيفة القدس العربي من البيع في اليمن بسبب هذا المقال ويطبق سياسة مكارثية ضد الصحف المعارضة؟ في عهد الديمقراطية! والتعددية! والتداول السلمي للسلطه! والمعارضة التي تود السلطة ان تنام في احضانها ولا تغادر مخدعها قد تعود الأمور الي سابق عهدها في عهد الوزير الجديد القديم والمية كما يقول اخواننا في مصر تكذب الغطاس. أن الرأي الأكثر رواجا في صنعاء انه تعين لأن وزارة الاعلام جاهزة الآن لتفصيل قانون حكومي جديد للصحافة يحل محل قانون عام 1995 الذي لم يطبق الا الجانبان الرقابي والعقابي فيه كالجلد بحكم محكمة والضرب في الظلام بدون حكم محكمة بعد سنة فقط علي حرب 1994 التي كان أحد اهدافها الالتفاف علي مساحة الحرية الصحافية وحدها في الفترة الذهبية للصحافة التي لم يطل بها المقام وليس الاعلامية كلها لأن السلطة لا تزال في عصر السماوات المفتوحة تسير الاعلام المسموع والمرئي وتتحكم حتي بالصور التي تبث وبمدتها الزمنية. لقد تنبه المشاهدون في عيد الوحدة الفائت في حضرموت الي ان التليفزيون لم يظهر الا مؤخرة رأس الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني الدكتور ياسين سعيد نعمان احد صناع الوحدة وهو يصافح رئيس الجمهورية مهنئا بالمناسبة بينما تبحبح في اسعاد قلوب المشاهدين ببث صور كاملة لغيره من المشاركين. أخشي ما يخشاه الناس ان يندموا علي عهد الوزير العواضي كما تحسروا علي الفترة الذهبية للحرية الصحافية غير المسبوقة في المنطقة العربية كلها التي بدأت مع الوحدة عام 1990 وانتهت مع الانتصار العسكري في السابع من يوليو (تموز) عام 1994. الرئيس لم ينس وهو يلتقي بالوزراء الجدد أن يذكر الناس بما ليس في بالهم ولكنهم يعيشونه ويلمسونه فبعد ابراء الذمة بأن الوزارة تكنوقراطية بما يفهم منه انها محايدة وغير خاضعة لأي مزاج أو هوي خارج المصلحة العامة والقوانين النافذة وأنها مستقلة في تصريف اعمالها ولا قيود عليها ولا تدخل في شؤونها وأنها خاضعة لرئيس الوزراء وحده، أضاف انه تم اختيار الوزراء بمنأي عن الاعتبارات المناطقيه والقبلية وهذا ما يريده الناس بالفعل ولكن… ولكن هنا تفتح الباب للشيطان مثل كلمة لو. لماذا تخصص حقيبة وزارية لأسرة معينة في كل تشكيل حكومي مع أن افراد هذه الأسرة يقلون عن الألف نسمه ولماذا يوجد في الوزارة أربعة وزراء من اسر متصاهره وهذا هو ما يجعل الألسن تردد بأنك اذا اردت ان تفتح لك أبواب الصعود الي القمة فما عليك الا أن تصاهر واحدة من هذه الأسر الخمس، وهذا يحدث في اليمن الجمهوري الذي يستمد شرعية ثورته من شعبية احد اهدافها وهي التخلص من الحكم الأسري حكم اسرة بيت حميد الدين. يمن الوحدة والعشرين مليون نسمة به كفاءات لا دور لها ومعطلة لأسباب تقدرها الأجهزة الأمنية وحدها وتستعير بعض الصحف الجريئة اسما لهذه الوضعية من برنامج تلفزيوني لبناني هو خليك في البيت لوصف وضع مؤسف لكفاءات عديدة اغلبها جنوبية آثرت عدم الاصطفاف في موكب الزيف وبيع الضمير وبعضها ضحية حرب عام 1994 ويحدث هذا كله فيما يسمي في اليمن بأزهي العصور وليس في عهد المملكة المتوكلية اليمنية التي كان التعليم فيها محدودا والحكم الأسري مشروعا دينيا أو علي الأقل مذهبيا والدستور ممنوعا والوطن مجزأ. وما يجعل صدي الحديث المكرر عن الابتعاد عن التأثيرات المناطقية والأسرية والقبلية معدوما والثقة في الحد الأدني من التغيير مفقودا والأمل في ان يكون الغد مختلفا عن الماضي باهتا بغض النظر عما تدبجه صحيفة الثورة الحكومية وكل الاعلام الرسمي من افتتاحيات ومبالغات بأن في القادم الفرج والحل. الناس ينتظرون الفرج بفارغ الصبرولن ييأسوا وسيساعدهم علي استمرار جذوة الأمل مشتعلة ما يجري في العالم كله من تغيير يحاسب فيه الفاسدون ويحاكمون وكينيا ليســـــت بعيدة جغرافيا عن اليمن وحقيقة لولا ضعف الولاء الوطني الذي يتسبب في انتشاره الفساد والمحسوبية لما تم تهريب 23 من المسجونين من العناصر القيادية في القاعدة ومنفذي الهجمات علي المدمرة الأمريكية كول وناقلة النفط الفرنسية ليمبورغ. ألم يكن من الأنسب للمصلحة الوطنية اجراء تغيير جذري في وزارة الداخلية أو علي الأقل تحين الوقـــت المناسب لترقية وزيرها الي نائب رئيس وزراء وفقط بعد ان يفلح في القبض علي الفارين؟ الا يثير ذلك الحـــيرة في اليمــــن وخارجها؟ وزير الدفاع الأمريكي وصف الهروب بأنه عار وهل اردنا ان نقول له طز نحــــن لا نعتبر ما حدث عارا ولنتذكر انه تمــــت اقالة محافظي محافظتي مأرب وشبوه في كانون الاول (ديسمبر) الماضي بعد اختطاف خمسة من السائحين الألمان في نفس يوم اطلاق سراح خمسة ســــياح ايطاليين تفاءل الرئيس بأنهم سيكونون آخر من يخطفون ولكن خاب امله في نفس اللحظة التي اعلن فيها ذلك الوعد.وتحدث الرئيس في الاجتماع الوزاري عن مشكلة المشاكل في اليمن وهي الفساد المتغول الذي اسقم البلاد وافسد العباد مطالبا الحكومة بـ اجتثاثه . الكلام جميل والفعل معدوم لسبب بسيط هو ان الكلام وحتي الوعظ في المساجد لا يكفيان طالما ان طهارة اليد والمصلحة العامة ليستا ديدن الكبير قبل الصغير وان القانون واجهزة الرقابه في اجازة مفتوحة والبرلمان لا دور قويا له ولا يتحرك الا اذا حركه احد من فوق والحديث عن الدستور فقد مذاقه ولا يعدو ان يكون حديثا للمناسبات. الفساد في اليمن حديث الناس اليومي وليس من الأسرار ويسمح هامش الحرية الصحافية الذي سيجهز عليه الوزير الجديد قريبا بكشف رأس جبل الثلج فقط وليس كل الجبل ولكن لا صدي او رد فعل ايجابي اتخذ للتحقيق في أي قضية فساد ومعاقبة المفسدين. وهذا سبب اليأس المخزون لدي الناس من عدم جدوي الحديث عن اجتثاث الفساد حتي ولو كان المتحدث رئيس الجمهورية. اليمنيون لا يريدون اكثر من القدوة الحسنة التي طال غيابها ولم يملوا من انتظارها ويريدون الا يكون الفساد هو الجواز الي المناصب ومن خلي منه ينبذ. والفساد في اليمن متعدد الأوجه فهو مالي واداري وقبلي واسري ومناطقي وحكومي وبرلماني وأمني وعسكري وقضائي ودبلوماسي ومعظم اعضاء الجسد الاداري وهيكل السلطة ليسوا براء منه وليس في ذلك ادني مبالغة والتقارير الدولية وما يدور في المقابل (الغرف المغلقه) في طول البلاد وعرضها لا يقا ل جزافا و من العدم. محاربة الفساد كالجهاد الأكبر يبدأ اولا بمجاهدة النفس واهوائها الأمارة بالسوء ويتطلب القدوة وتطبيق مبدأ ابدأ بنفسك ولن نتطرف في المطالبة بتطبيق مبدأ من أين لك هذا الذي ستسيل الدماء غزيرة اذا طبق. وفي الحقيقة هذا هو جوهر ما قاله الرئيس في توجيهاته للوزارة المعدلة عندما شدد علي اصلاح النفس قبل أن يأتي الاصلاح او يفرض من الخارج. نعم اذا صلحت احوالنا سنحظي بالاحترام الحقيقي ولن يصف وزير امريكي يعتبر وجود قوات بلاده المحتلة لبلد عربي عزيز هو اكبر عار هروب معتقلين خطيرين من سجوننا بأنه عار وسيسهل ذلك انضمامنا الي مجلس التعاون الخليجي الذي يبدو كالسراب طالما اننا لم نضع اقدامنا علي الأرض لاحداث التصحيح والاصلاح.ہ محلل سياسي يمني8