الوعد والمنعطف: مقتدي الصدر، الراديكالية الشيعية والاحتلال الأمريكي للعراق (2)

حجم الخط
0

الوعد والمنعطف: مقتدي الصدر، الراديكالية الشيعية والاحتلال الأمريكي للعراق (2)

الصدريون بالغوا في دورهم.. وتراجعهم عن وعد المقاومة سيكلفهم كرامتهم.. وربما انشقاقا دمويااستراتيجية مزدوجة للتيار.. معارض شكليا للجعفري ومشارك معه.. وسيارات زعمائه تستخدم في التصفياتالوعد والمنعطف: مقتدي الصدر، الراديكالية الشيعية والاحتلال الأمريكي للعراق (2) فاضل الربيعيفي هذه الدراسة الجديدة يعرض الباحث والمفكر العراقي فاضل الربيعي تصوره لمستقبل التيار الصدري في العراق، ويتناول الأسس والمنطلقات الفقهية والفكرية والسياسية التي قام عليها بعد التاسع من نيسان (إبريل) 2003. وإذ يلاحظ الباحث أن هذا التيار يجمع بين مقاومة الاحتلال ومواصلة سياسات تصفية حزب البعث في الآن ذاته؛ فإنه يتكهن بإمكانية حدوث انقسام خطير قد يدمر الأسس التي قام عليها. كما أن عجزه عن حسم التناقض الجوهري ضد الاحتلال، قــــد يفضي به إلي التحالف مع القوي والجماعات التي ارتطم بها في سياق تطوره. القدس العربي شرط الديمقراطية وشرط الاستبداد ما تقوله هذه الأسئلة وسواها، يمكن تأطيره في الفكرة العمومية التالية المؤسسة لمنطلقات وأدوات ومنهج البحث، والتي تتضمن بعض النقاط الخاصة بشروط التحول إلي قوة ديمقراطية: أولا ( قوة الديناميكيات الداخلية):إن تنمية وتطوير أي تيار جماهيري تحرري، خصوصا في أوقات الأزمات الكبري كالاحتلال الأجنبي، والهيجانات الشعبية والأزمات السياسية الوطنية، وكما بينت سائر التجارب التاريخية، ليست رهنا بالأفراد أو القادة الكاريزميين الذين يملكون جاذبيات شخصية ساطعة، أو رهنا (بالشعارات الصاخبة والثورية التي يصعب مقاومة إغراءها؛ بل بدرجة أكبر من ذلك، بقدرة التيار نفسه بفضل ديناميكياته الداخلية (تركيبته والعناصر والطبقات الاجتماعية المؤلفة لنسيجه الداخلي) وبفضل درجة استعداد قادته الميدانيين، الذين يتحكمون قبل قادتهم السياسيين أو الدينيين، في مجريات الأحداث وفي تحديد مساراتها الأخيرة؛ علي تفهم واستيعاب طبيعة المرحلة وحاجاتها والدفع بالتحول الجذري إلي أقصي وأبعد نقطة ممكنة. إن ما يميز تيار الصدر، عن سائر الجماعات الشيعية الأخري المسلحة والسياسية، أنه وبدرجة غير مسبوقة من التلازم، ربط مستقبله كليا بالوعود التي قطعها علي نفسه، تماما كما يربط مغامر شاب جسده إلي قاطرة جبارة مراهنا علي سحبها بقوة عضلاته، ولكنه بات بعد قليل من الرهان، عاجزا عن إيقاف الرهان والانسحاب منه وفي الآن ذاته، عاجزا عن تقديم الدليل الحقيقي علي أنه قادر، بقوة عضلاته ومن دون دعم آخرين متحمسين لرهانه، علي سحب القاطرة الجبارة خارج الميدان. بفضل هذه الوعود الشاقة وتحت شرطها، سيبدو من الصعب علي الصدريين التنصل من التزاماتهم أو النكوص عن مهمة مقاومة الاحتلال من دون تسديد أثمان مكلفة. لكل ذلك، وبسببه، وربما بفضله إذا شئتم، تلازم وعد مقاومة الاحتلال ومواجهته، وهو وعد جاهر به الصدريون صراحة في الأيام الأولي التي أعقبت التاسع من نيسان (ابريل) المشؤوم، مع مستقبل هذا التيار ومصيره وربما المستقبل الشخصي لكل فرد فيه؛ وإلي الدرجة التي بات فيها متعذرا، بطريقة يستحيل تخطيها، تصور أن الصدريين يمكن أن يحتفظوا باحترامهم ومكانتهم في المجتمع العراقي، حتي في حال تخليهم عن وعد الاستمرار في المقاومة. والحال هذه، لم يعد ممكنا، في الواقع الراهن ولأسباب متراكبة ومعقدة بعض الشيء، تخيل أي أهمية وطنية لهذا التيار، أو أي إمكانية لتحوله إلي قوة منتجة لقيم الديمقراطية، من دون مواصلة الوعد بالمقاومة والتحرير إلي النهاية. واحدة من الأسباب الخفية التي نادرا ما يجاهر بها العراقيون، ويعدونها أهم سبب وراء نظرتهم الشكاكة بتيار الصدر وباستحالة تحوله إلي تيار ديمقراطي، أنه مؤلف من قوي اجتماعية متنافرة ومتناقضة بشكل صارخ في المصالح والأفكار وحتي في الأهداف النهائية، بعضها قوي مهمشة (لصوص، عاطلون عن العمل، جماعات فالتة من أي رقابة، عصابات شبه منظمة للسلب والنهب، محتالون، عصابات تزوير ) وبعضها الآخر قوي حية دينية وسياسية (جامعيون، رجال دين شباب، حرفيون، موظفون، فلاحون، عمال بناء، ربات بيوت) وهذا حقيقي تماما. ولكن العراقيين، إجمالا، يضربون صفحا عن هذا الجانب من التكوين الاجتماعي للتيار (أي الجماعات المهمشة) ويغلبون في نظراتهم ومواقفهم فكرة سديدة أخري تقول، إن هؤلاء سيجدون أنفسهم في قلب معركة كبري تعيد صقل خياراتهم الحياتية أو تغيرها نهائيا . إن وجود هذا العنصر الضاغط في التكوين الاجتماعي للتيار، يمكن أن يلعب دورا حاسما في تقرير طبيعة التحول.ثانيا: وعي اللحظة الوطنية التاريخيةإن الشرط الأهم في تحول تيار شعبي ما إلي قوة منتجة لقيم الديمقراطية، سيظل رهنا بشرط إدراك طبيعة الدور الذي انتدب نفسه للعبه؛ أي بشرط وعي اللحظة الوطنية التاريخية التي يجد التيار نفسه في قلبها.ولئن كان الشرط الأول بالنسبة لتيار الصدر، ومن أجل استكمال تحوله كقوة ديمقراطية، يتعلق بقوة العامل الذاتي، وفي النهاية قوة تركيبته الاجتماعية و تماسكها وقدرتها علي تحقيق الحد الأدني من الانسجام والتوافق علي لعب دور محدد في لحظة تاريخية محددة؛ فإن العامل الثاني سوف يتعلق، وبصورة مباشرة، بوعي التيار لدوره السياسي بوصفه كتلة اجتماعية، سوف تصارع لا من أجل تقرير مصائر جماعات من السكان (مذهب، عرق، طائفة) بل من أجل تقرير شكل وطبيعة الهوية الوطنية الجامعة. وهو صراع يتكشف اليوم، مع إقرار الدستور الاستعماري، كنزاع تاريخي علي الهوية الجامعة للعراقيين، بين إرادة الخارج وإرادة الداخل. وهذا الأمر يتطلب بكل تأكيد تبني التيار الشعبي، الجماهيري، ومن دون تردد، لخيارات جديدة وحقيقية تساعده علي تمييز نفسه عن سائر الجماعات المنافسة. وفي هذا السياق يتوجب القول صراحة، ان الأقدار ليست وحدها تماما، مسؤولة عن مصير التيار الصدري، أو إنها هي التي سوف تكتب علي الصدريين اليوم، ما كتبته بالأمس علي أقرانهم من رجال الدين ( الكبار إبان ثورة 1920 الشيرازي، الخالصي، شريعة الله الأصفهاني، الجزائري) وبحيث يكون مستقبلهم مسروجا بالفعل إلي القاطرة الجبارة للثورة الشعبية علي الاحتلال، والتي راهنوا علي سحبها بقوة جماهيرهم الهامشية الساخطة؛ بل ان الوقائع علي الأرض مع تصاعد مقاومة عراقية وطنية، نشطة وفتية في الجنوب والشمال والوسط، هي التي سوف ترسم ولنقل تتحكم، في وضع الرتوش الأخيرة علي وجه مستقبلهم أيضا . وهذا حقيقي تماما ؛ فالصدريون ومهما بالغوا في الدور الذي يلعبونه، لا يستطيعون تقرير لا مصير تيارهم ولا مصير الثورة علي الاحتلال؛ بل إن من سيقرر ذلك في خاتمة المطاف، إنما هو جملة من العوامل المتشابكة أهمها علي الإطلاق صمود المقاومة واستمرارها. ما تقوله هذه الحقيقة ببساطة، هو التالي: بما أن الصدريين قطعوا وعدا علي أنفسهم قد يكون ثقيلا ؛ فإنهم سيدفعون في حال تراجعهم عن وعد الاستمرار في مقاومة الاحتلال، إما كرامتهم كجماعة أو دماءهم كأفراد. وقد لا يكون من قبيل التكهن القول ان التيار سيكون عرضة لانشقاق دموي في حال تراجعه ونكوصه عن وعده. إن تحول التيار الصدري إلي قوة شعبية ذات طابع ديمقراطي، منتجة لقيم الحرية والعدالة والمساواة، طِبقا لما ينادي به من شعارات وأفكار وفتاوي، سيرتبط تلقائيا بقدرة قادته الميدانيين والسياسيين علي حسم التناقض مع الاحتلال أولا وقبل أي خطوة أخري، وذلك من خلال التصميم علي الاستمرار في مواجهة الغزو ونتائجه بلا تردد. ومن ثم، وقبل أي خطوة أخري، عبر الالتزام الجماعي الصريح بردع كل وأي محاولة، يمكن أن تصدر عن جماعات أو أفراد مهووسين من داخل التيار، أو أصبحوا اليوم جزء عضويا منه لحرف سياساته وتكتيكاته باتجاه إشاعة عمليات الثأر الجنونية( من البعثيين خصوصا). أو لنقل من خلال الالتزام الصريح أيضا والذي لا يقبل التلاعب، بالوقف الفوري لأي شكل من أشكال التصعيد في سياسة تصفية الحسابات الشخصية، ضد جماعات أو أفراد من السكان المحليون، يوجهون في مناسبات مختلفة، نقدا لتصرفات بعض أعضاء هذا التيار. وبكل تأكيد، ولكي يغدو التحول ممكنا ؛ لا بد من درجة انضباط عالية و من توجيه دقيق، يمنع ويعيق أي محاولة للدفع بالتيار الصدري خارج نطاق الالتزام بوعوده تلك.ثالثا: العامل الخارجيوأخيرا، وهذا هو الأمر الأكثر أهمية؛ فإن شرط التحول إلي قوة ديمقراطية حقيقية يتطلب، في حالات كثيرة، قدرة ردع ذاتية، سياسية بالدرجة الأولي، علي منع أو إعاقة أي محاولة من الخارج لاستغلال التيار أو توظيف سياساته لصالح قوي وجهات أخري. إن التاريخ يبين وعلي أكمل وجه، كيف أن قوي خارجية عاتية، تمكنت بما تملكه من نفوذ مالي أو قوة عسكرية أو حتي سلطة روحية وثقافية؛ من التلاعب بمصائر ثورات جماهيرية وتيارات شعبية كبري، وان الديناميكيات الداخلية (التكوين الاجتماعي) ووعي اللحظة التاريخية، قد لا تكونان العامل الحاسم في تقرير مستقبل الحركة أو التيار أو الثورة الشعبية؛ بل ان قوة الخارج يمكن أن تكون عاملا مقررا أيضا . وفي حالة تيار الصدر؛ ثمة دلائل علي أن العامل الإيراني كان يلعب دورا مؤثرا، بصورة لا توصف، في إطلاق وتحديد السياسات. ويُلاحظ في هذا الصدد، النفوذ الاستثنائي، الفقهي والسياسي للمرجع الديني الإيراني الحائري، علي تلميذه الشيخ الصدر وإلي الدرجة التي بات فيها أي موقف ضعيف، من هذه المسألة الداخلية أو تلك، قابلا لأن يُنسب في الشارع العراقي بسهولة إلي العامل الخارجي، وعلي وجه التحديد إلي نفوذ الحائري نفسه. بكلام آخر؛ لعبت مرجعيات الخارج ( قم ومشهد ) الدور نفسه الذي كان يجب أن تلعبه مرجعيات الداخل ( النجف ) لولا الخصومة المستعرة بين هؤلاء والصدريين. ولذلك فإن تصحيح هذا الخلل البنيوي يستدعي من قادة التيار ومن الشيخ الصدر نفسه، تقديم موقف صريح من النفوذ الإيراني في العراق، مثلما يتطلب مواجهة مكشوفة مع المحاولات الإيرانية المحمومة لاستغلال التيار والتلاعب بمستقبله. إن النفوذ الإيراني المتعاظم في العراق، بصورة لا مثيل لها في تاريخ العلاقات بين البلدين الجارين، مصمم في بعض أوجهه وبدرجة عالية من وضوح المقاصد، من اجل استغلال قوة التيار الصدري باتجاهين:اتجاه داخلي؛ عبر تصعيد سياسة الثأر من حزب البعث وتنشيط عمليات الإعدام خارج القانون التي تقوم بها عصابات فيلق بدر بالتنسيق مع المخابرات الإيرانية، ومن خلال عمليات التصفية الجسدية البشعة لمنتسبي الجيش العراقي السابق، وخصوصا الضباط الكبار في بغداد والبصرة، بدعوي اشتراكهم في الحرب مع إيران سنوات 1980ـ 1988. ولدي الكثير من الجهات الحكومية والحزبية اليوم قوائم بأسماء الضباط الذين جري اختطافهم من منازلهم في البصرة، حيث نقلوا سرا إلي إيران وجرت محاكمتهم هناك صوريا وتم تنفيذ أحكام الإعدام بهم. واتجاه خارجي؛ وذلك من خلال تشجيع الصدريين علي تنظيم مواجهات مُسيطر عليها، محدودة وفي أضيق نطاق ممكن، مع الأمريكيين والبريطانيين في مناطق البصرة والناصرية، بهدف خلق معادلات جديدة تساعد في تحسين شروط تفاوض الإيرانيين علي البرنامج النووي مع الولايات المتحدة وأوروبا، أي أن الإيرانيين قاموا عمليا بنقل الجزء العنيف من معركتهم حول البرنامج النووي إلي مسرح آخر وباستخدام أدوات أخري، وفي الآن ذاته، بتجريد التيار من دوافعه الخاصة للمقاومة أو جرفها وتحويلها إلي بواعث ودوافع من نوع مختلف. هذا الاستغلال البشع هو الذي سوف يعجل بتحول الصدريين إلي أداة رجعية ظلامية، وإلي أداة قمع واستبداد رهيبة في يد إيران، و ذلك ما دللت عليه سلسلة من التصرفات الوحشية ضد البعثيين بشكل خاص.لكل هذا، وفي حال فشل التيار أو اخفق في إنجاز وتحقيق الشروط اللازمة لتحوله، كحزمة واحدة مترابطة؛ فإنه سيكون في مواجهة محتومة مع قدره المأسوي، ويتحول ربما من دون رغبة أبطاله أو إرادتهم وسيطرتهم وحتي تطلعاتهم؛ إلي قوة استبدادية منتجة للقمع والقهر، شأنها شأن الفريق الآخر من الشيعية السياسية الذي انقسم عليه (انشق عنه) وعارضه بشكل جريء. وبالتالي فسوف ينقلب إلي أداة ترويع للمجتمع مثله مثل فيلق بدر 1 الذي أشاع جوا إرهابيا في العراق لا مثيل له حتي في عصور الظلام؟ إن بعض مظاهر هذا التحول المضاد و المحتمل والتي برزت مؤخرا، بالفعل، و بصورة لافتة للانتباه، تبين بوضوح نمط التحديات الراهنة وطبيعة المنعطف الذي سيواجه الصدريين. لقد جاء إعلان الخامس والعشرين من تشرين الأول ( أكتوبر) 2005 المفاجئ، بانضواء التيار الصدري تحت خيمة الائتلاف الشيعي لخوض الانتخابات (الخامس عشر من كانون الثاني (يناير) 2006، ثم تراجعه عن الإعلان ) لا ليثير المخاوف من وجود تراجع خطير في وعود الصدريين وحسب؛ وإنما ليؤجج كذلك المخاوف القديمة والراسبة من وجود بوادر علي انقلاب مضاد، من نوعٍ ما، يمكن أن تعجل في عودة الصدريين إلي بيت الطاعة الاستبدادي الذي مقتوه، أي عودتهم إلي التحالف وحتي الاندماج مع خصومهم من الجماعات الرجعية والظلامية التي انفصلوا عنها. والأمر المؤكد في هذا النطاق، أن النفوذ الإيراني داخل الشيعية السياسية الجديدة، الراهنة (لا التاريخية) قد بلغ ذروته، مع اجتذاب التيار الصدري إلي تحالف مع القوي الشيعية الداعمة للاحتلال والمتواطئة معه (المجلس الأعلي للثورة بقيادة عبد العزيز الحكيم، حزب الدعوة بقيادة الجعفري، البيت الشيعي بقيادة أحمد الجلبي، وحزب الفضيلة) بالإضافة إلي جماعات صغيرة وهامشية أخري مثل حزب الله العراقي، وهو منظمة ُيعتقد علي نطاق واسع في أوساط الشيعة، أن مؤسسيها عاشوا حياتهم مطاردين في منطقة الأهوار2 وارتبطوا منذ سنوات بالمخابرات الإيرانية بشكل مكشوف. إن إيران، لتبدو اليوم وكأنها أفلحت، وبأقل الكلف، في إعادة التيار الصدري إلي بيت الطاعة وفي تطويق نتائج أهم وأكبر تحول تاريخي حدث في البني التنظيمية للشيعية السياسية في العراق. ومن هذا المنظور؛ فإن إيران (الخمينية الثانية، أو النيو ـ خمينية) وتماما كما فعلت الأسرة القاجارية من قبل مع المجتهدين العراقيين، تكون قد قطعت الطريق علي الدور الوطني للشيعة كطرف في قوي التحرر، وساهمت بشكل مباشر وبأكثر الأساليب انحطاطا، في تدمير الأسس التي نهض فوقها أهم تحول في الفكر السياسي الشيعي المعاصر في العراق، والذي قدم من خلال التجربة السياسية البسيطة والعمل الميداني البطولي للصدريين، حلولا سياسية عملية هامة لمسألة العلاقة بين الدين والهوية الوطنية. وعبر هذا النجاح اللامع ومن خلاله، يمكن للإيرانيين أن يفرضوا من الآن فصاعدا، نهجا سياسيا جديدا علي الصدريين، ربما يغير كليا وجه وطبيعة تطلعاتهم وأدوارهم، وقد يفضي بهم إلي التحالف مع الاحتلال بدل مقاومته. فهل من المحتمل أن نري الصدريين، في وقتٍ قريب، وهم يتبخترون في الشوارع علي وقع طبول سياسات إيران التي تُقرع في العراق؟ثمة في هذا النطاق، شبه من نوع ما في المظاهر الدالة علي التحول المضاد، مع ما يماثلها من مظاهر برزت خلال السنتين السابقتين من الاحتلال، وإنْ بصورٍ أقل ضجيجا وإثارة؛ فالصدريون متورطون الآن، كما تورطوا في فترات مختلفة، في أعمال إعدام خارج إطار القانون راح ضحيتها المئات من البعثيين؛ فضلا عن التورط في فضيحة إنشاء سجون ومعتقلات ومراكز تعذيب خاصة بهم3 ممولة بالكامل بأموال إيرانية. كما يمكن رؤية مظاهر التحول المُضاد، في سلسلة من الأعمال والتصرفات التي يصعب نكرانها أو التغاضي عن آثارها المدمرة، ومنها ما يتصل مباشرة بتنامي النزوع إلي التطبيق المتزمت لتعاليم الإسلام، أو لفرض معتقدات مذهبية بعينها، أو من خلال تصاعد محاولات إرغام السكان المحليون (كما في بعض مناطق بغداد والجنوب) علي الالتزام المتزمت بالشعائر والطقوس الخاصة بالشيعة؛ وهي إجمالا، تصرفات كانت حتي الآن تُنسب إلي فيلق بدر ومليشيات حزب الله العراقي وبعض الجماعات المحافظة، حيث يُرغم السكان المحليين علي ممارسة الشعائر الخاصة بالمناسبات الشيعية، مثل الاشتراك في مسيرات جماعية إلي المراقد المقدسة بشكل مستمر ومن دون ضوابط شرعية وعلي مدار العام. والمثير أن الشيعية السياسية الراهنة، المنقسمة والمنشطرة علي نفسها شكليا، تمتلك قابلية علي التوحد أو الالتقاء في إطار التنافس السياسي علي الشارع الشيعي وخصوصا أثناء المناسبات الدينية؛ وهناك كما هو معلوم عدد لا يحصي من المناسبات الشيعية الخاصة التي لفقها رجال الدين، مستغلين مشاعر الناس البسطاء الذين يُطلب إليهم عادة ، التجمهر والخروج في مسيرات مليونية كما حدث فوق جسر الأئمة، حيث انتهت واحدة من أكبر التظاهرات (المليونية) إلي فاجعة مروعة، ذهب ضحيتها الآلاف من الأبرياء4. وفي هذا النطاق أيضا، شهدت مناسبات العاشر من محرم (عاشوراء) علي امتداد السنتين الماضيتين، ما يبدو نوعا من التدخل العنيف ضد المجتمعات المحلية، التي لا تبدي ما يكفي من التجاوب مع التعليمات، حيث فرض الصدريون، في بعض الحالات وفي مناطق بعينها من بغداد، علي العمال والأجراء الصغار والباعة المتجولين وأصحاب الورش الصغيرة والدكاكين، تقاليد الاستماع إلي أشرطة تسجيل تروي قصة استشهاد الإمام الحسين حتي أثناء ممارستهم لمهنهم ووظائفهم؛ وهذا أمر غير مألوف في الثقافة الشعبية، وينمي مخاوف من تعاظم سلطة رجال الدين في مجتمع متنوع الثقافات. كما لا ُيخفي سلوك بعض الصدريين إزاء النساء وباعة الكحول وحتي الحلاقين5 وهو أمر مثير حقا، لأنه يختلط بتصرفات مماثلة من جانب أعضاء منظمة فيلق بدر، الذين روعوا المجتمع العراقي بأسره بجرائمهم وحولوا حياته إلي جحيم لا يطاق. كان الاعتداء علي دكاكين الحلاقين ومهاجمتهم أثناء تأديتهم لأعمالهم، أو تهديدهم بواسطة رسائل الموت بدعاوي مخالفتهم لأحكام الشريعة الإسلامية والتقاليد، التي لا تجيز حلاقة أو إزالة شعر الوجه واللحي بواسطة الخيط؛ سلوكا نمطيا مشينا يتسق ويتلاءم مع أعمال مشابهة، من بينها مهاجمة الفئات الشعبية والفقراء والقطاعات المحرومة من المجتمع وحتي الطلاب في الجامعات، من خلال إهانة المدرسين وإجبارهم علي وقف الدروس الجامعية من اجل الاستماع إلي خطب تافهة وسطحية الأفكار في الغالب، يلقيها شيوخ صغار يحيط بهم حراس شرسون، و ُتختم بدعوة الطلاب في الحرم الجامعي إلي ممارسة شعائر اللطم والبكاء علي الحسين داخل الحرم الجامعي، بدلا من مواصلة الدروس والمحاضرات، أو من خلال إرغام هذه القطاعات علي تسييس معتقدها الديني، والضغط عليها وحتي ابتزازها من خلال دعوتها إلي إشهار هويتها الطائفية (مثلا : عند التقدم إلي الوظائف الحكومية يُطلب من المتقدم التعريف بمذهبه والحصول علي تزكية من حزب ديني أو يطلب إليه في حالات أخري الانتساب إلي حزب) أو من خلال فرض القيود والاجتهادات غير الشرعية من وجهة النظر الفقهية، كما هو الحال مع مثال إباحة قتل الحلاقين الذين لا يلتزمون الحلاقة الشرعية. إن حكاية مطاردة الحلاقين (استمع الكاتب إلي شهادات بعضهم) تبدو مجرد صورة نمطية واحدة من سلوك عام طبع بطابعه نفوذ رجال الدين في العراق، الذين وجدوا أنفسهم وهم يستولون علي السلطة، أحرارا بصورة لا توصف، في تقرير مصائر التاريخ والسياسات والثقافة والمجتمع؛ فبعد عقود من النضال المطلبي المتوج ببعض المكاسب المهنية فيما يتصل بالأجور والعطل، أصبحت فئات اجتماعية كثيرة، ومن دون مبرر قانوني أو أخلاقي عرضة للقتل أو الحرمان من الوظيفة. وهذه أمور شاذة بكل المقاييس يمارسها فيلق بدر وبعض المليشيات الشيعية الفالتة من أي رقابة. وإجمالا، ثمة دلائل متزايدة علي أن بعض مظاهر التحول المُضاد إلي قوة رجعية واستبدادية، قد وجدت طريقها للتعبير عن نفسها كقوة كامنة في قلب التيار الصدري، وهي قادرة في ظروف بعينها، علي حرف مسار تطوره التاريخي وتشويه مضمونه الوطني؛ ومن ذلك شيوع ظاهرة السجون الخاصة بالصدريين، وهي بيوت سرية أضحت سجونا خاصة بالبعثيين ومراكز لتعذيبهم ويديرها أفراد يرتبطون بعلاقات مالية مع إيران، وقد تسني للكاتب الاطلاع علي صور فوتوغرافية مروعة يظهر فيها شبان تعرضوا لأشكال مخيفة من التعذيب انتهت بموتهم. إن حالات ومظاهر من السلوك الوحشي لبعض أعضاء هذا التيار، إزاء البعثيين وجماهيرهم وأسرهم، تتجلي علي أكمل وجه في استخدام الشعارات الكريهة المناهضة لحزب البعث بمناسبة أو دونها، والتي أضحت مع مرور الوقت وعجز التيار عن إيقاف زحفها أو انسياقه خلفها، إلي مصدر مباشر من مصادر العنف في البلاد. لقد أدت هذه التصرفات المشينة إلي انتهاكات لا أخلاقية ولا إنسانية، وإلي وقوع جرائم مخزية لا تقل بشاعة عن عمليات تصفية أسر وعائلات بأكملها، قام بها مجرمو فيلق بدر في إطار القانون المريع المسمي(اجتثاث البعث ). ويستطيع الكاتب ـ في هذا السياق ـ تقديم أدلة وشهادات حقيقية وإحصائيات دقيقة، عن عمليات إعدام مخيفة وجماعية جرت بحق ضباط سابقين في الجيش العراقي (المنحل) في البصرة، حيث تم، وعلي دفعات وفي فترات مختلفة، خطف ضباط شاركوا في الحرب العراقية ـ الإيرانية، وجري نقلهم سرا إلي طهران حيث حوكموا ونفذ بهم حكم الإعدام هناك. ولعل في تصريح جلال الطالباني الرئيس المؤقت، أثناء استقباله في المنطقة الخضراء لعدد من الضباط السابقين (مطلع تشرين الأول ـ اكتوبر ـ 2005) ما يكفي للتدليل علي أن ظاهرة إعدام العسكريين، والضباط الطيارين بشكل خاص، قد تخطت نطاق الأعمال العشوائية وأضحت عملا ُممنهجا تقوم به إيران، وبمساعدة مباشرة من منظمة فيلق بدر الإرهابية وحتي من أفراد ينتمون إلي التيار الصدري. لقد عرض الطالباني وهو يستمع إلي شكاوي الضباط في مكتبه، الحماية الشخصية لهم داعيا إياهم إلي الإسراع في الانتقال إلي كردستان الآمنة . ولا يُخفي علي أحد، أن دعوة الطالباني هذه، لا تصدر عن حرص حقيقي علي أرواح هؤلاء؛ بل عن استغلال مشين لظروف البلاد، يضمن من خلاله الأكراد الحصول مجانا علي كنز من كنوز الدولة العراقية المنحلة، استعدادا ليوم موعود يصبح فيه إنشاء دولة كردية ممكنا، وبحيث يساعد طيارون وعسكريون من الجيش العراقي القديم فــــي بناء قـــواتها المسلحة. هذه التصرفات وسواها مما يصعب حصره في نطاق هذا البحث، تؤكد علي حقيقة أن التيار الصدري أضحي اليوم أمام مفترق طرق (وأمام منعطف لا سابق له). وذلك ما يجعل السؤال، مرة تلو الأخري ملحا وراهنا. استراتيجيات متناقضةإن أخطر ما يواجه التيارات الثورية والحركات الوطنية أثناء الاحتلال الأجنبي، مساهمتها، من حيث لا ترغب، في خلق رؤية زائفة للواقع. بيد أن ما هو أخطر من ذلك، أن تتحول هذه الرؤية إلي استراتيجية ثابتة يصعب تفكيكها. والحال هذه، فقد كانت واحدة من أكثر أخطاء التيار الصدري فداحة، أنه خلق بالفعل رؤية متناقضة، وزائفة إلي حد بعيد، للواقع الذي كان يواجهه وللمهام التي شخصت أمام أعضائه في كل لحظة من لحظات مقاومة الاحتلال. إن طريقة تلقي الأفراد في التيار الصدري للإرشادات والتعليمات الدينية أو السياسية، لا تتضمن تقريبا، أو لا تسمح، بوصول أي تحذير صريح من مخاطر النزوع إلي التورط في ما يدعي استراتيجية اجتثاث حزب البعث أو استراتيجيات تطبيق الإسلام علي حدٍ سواء؛ وهما استراتيجيتان تنتهجهما أيضا وبصورة منتظمة تقريبا وحرفيا، جماعات مخاصمة للتيار مثل مليشيا فيلق بدر الإجرامية المرتبطة بالاحتلال، والمليشيا التابعة للبيت الشيعي الذي يقوده أحمد الجلبي. لقد وجد التيار الصدري نفسه، في الكثير من الحالات، وكأنه يستعير من خصومه ومنافسيه، سياساتهم التي يقف بعناد ضدها. وهذا وضع فريد في تناقضه. في هذا الإطار تتردد معلومات مؤكدة عن قيام الجلبي نفسه، بالتنسيق مع الصدريين أو مع َمنْ تسلل إلي داخل التيار، علي صعيد ما ُيعتبر تنفيذا فوريا لقوائم الموت6، وهي قوائم أُعدت وألحقت بقانون اجتثاث البعث. بذلك يكون الصدريون قد غطسوا بالفعل في المغطس الذي ُأعد لهم، وانساقوا خلف سياسات خصومهم. وقد تسني لي شخصيا (الكاتب) الإطلاع علي حالات كان فيها وزراء من التيار الصدري7 يضعون، تحت تصرف من يزعمون أنهم أعضاء في التيار، سياراتهم الحكومية غير الخاضعة للتفتيش أو الوقوف عند حواجز الجيش والشرطة، من أجل تنفيذ عمليات قتل إجرامية ضد البعثيين. ومن غير شك؛ فإن المشاركة غير المُعلنة والمُتَسَتر عليها للتيار الصدري في حكومة الجعفري (وزيري النقل والصحة) ودخوله انتخابات الجمعية الوطنية، وحصوله علي مقعدين أو أكثر، ومن دون أي إعلان رسمي بهذه المشاركة حتي اللحظة؛ هي دلائل ساطعة علي نمط الازدواجية المدمرة في استراتيجية التيار، وعلي طبيعة الرؤية الزائفة للواقع، فهو معارض لحكومة الجعفري شكليا، ومشارك فيها فعليا. هذا التشوش في المواقف السياسية، يلازمه نقص فادح في الأساليب التنظيمية، و يفاقم منه ضعف وهشاشة الروابط بين أفراد التيار، وسيادة العفوية التي تبلغ درجة السذاجة السياسية في أحيان كثيرة؛ وهذه تشكل إجمالا، بيئة ملائمة يمكن أن تترعرع فيها كل المظاهر اللازمة للتحول إلي قوة رجعية منتجة للقهر و الاستبداد ومناهضة قيم الديمقراطية. من البديهي الافتراض، في هذا المقام، أن تحول قوي ديمقراطية وشعبية كبري، وخلال أحداث تاريخية مشهودة، إلي قوي رجعية أو استبدادية وظلامية معادية لأبسط التطلعات، ليس أمرا خياليا أو مجرد تصور في غير محله، أو أنه ظاهرة خاصة بالعالم الثالث و الشرق المسلم. كما أن الأمر لا يتعلق بظاهرة خاصة بالجماعات الدينية دون غيرها من الجماعات؛ ذلك أن تاريخ الثورات الجماهيرية الكبري، الفرنسية والصينية والروسية والإيرانية، يبين بوضوح كاف إمكانية حدوث مثل هذا التحول المُضاد أو الانقلاب المأسوي في مصائر الثورات. لقد انتهت تجارب ثورات وحركات جماهيرية وديمقراطية عظيمة من قبل، إلي بزوغ منظمات إرهابية أو منظمات رجعية، أو إلي نشوء أنظمة استبدادية مخيفة ( كما هو الحال مع النموذج الإيراني اليوم حيث انتهت أعظم ثورة جماهيرية في القرن العشرين إلي إنشاء نظام رجعي استبدادي في إيران المعاصرة ).كما تحول قادة لامعين وتاريخيين، إلي منتجين للعنف والقهر في مجتمعات كانت تعلق عليهم الآمال في نشر العدالة والتغيير، وذلك حين أخفقت الثورات التي شاركوا في قيادتها وتوجيهها، لا في حل التناقض بين الثورة والدولة وحسب؛ بل حين ترنح القادة أنفسهم عند أعتاب التحول إلي قادة ملهمين للمجتمع..لكل ذلك، تبدو مثل هذه الأسئلة المفعمة بالمخاوف والآمال علي حدٍ سواء، مطروحة لغرض تحليلي وليس لأي غرض آخر؛ وهي مصممة بشكل تام من أجل فحص وتشريح المشكلات التي تواجه أكثر القوي الشعبية أهمية في العراق، وليس لغرض الإساءة إلي رموزها أو شخوصها، والكاتب، وهو يطرح هذه الأسئلة يخامره شعور حقيقي بأن َمنْ سيصغون إلي أسئلته بروية وتعقل، سوف يشاطرونه في النهاية الإحساس نفسه بالخوف والأمل. إن لمن النادر اليوم، أن يري المرء، في تحليلات المراقبين السياسيين وكتاب التعليقات في الصحف ووسائل الإعلام، أي نوع من المكاشفة الصريحة مع تيار الصدر. ولذلك؛ فإن النقاش في هذا البحث سوف ينصب، ومن دون أي تلاعب بالوقائع، علي الفكرة ذاتها وعلي السؤال المركزي الملح ذاته:هل يرتبط مستقبل تيار الصدر، كليا ونهائيا، بقدرته علي حسم التناقض مع الاحتلال؟ وهل ينبغي القول صراحة، ودون حرج أن حل هذا التناقض بسرعة و بشكل جذري، هو الذي سوف يقرر، في النهاية، الاتجاه الذي سوف يسير إليه التيار بثقة؛ وأنه يستلزم درجة رفيعة من الوعي علي مستوي استيعاب طبيعة المعركة الكبري والتاريخية الجارية علي ارض العراق؛ فإما أن يتحول الصدريون إلي قوة شعبية ديمقراطية تساهم في خلق توازنات سياسية وأخلاقية جديدة في المجتمع العراقي، وإما أن يرتد تيارهم فيتحول إلي قوة رجعية منتجة للقمع والاستبداد وإلي أداة ترويع للمجتمع بأسره؟ ذلك هو التحدي وهذا هو المنعطف.هوامش1. تأسس فيلق بدر من بقايا حزب الدعوة الفارين إلي منطقة الأهواز (جنوب ) عام 1979 ـ 1980مع ظهور أول معسكر للفارين علي الحدود. وتخرجت أول دورة عسكرية باشراف إيراني كامل حيث تم تشكيل قوات الشهيد الصدر الأول (مؤسس الحزب) ثم أعقبها تشكيل فوج موسي الكاظم وفوج بهشتي وفوج دستغيب (كلمة إيرانية ). عام 1985 انضم عدد كبير من الأسري العراقيين من الجيش أثناء الحرب العراقية- الإيرانية إلي الألوية المشكلة، و جري خلال الدورة الأولي تسجيل أسماء نحو 165 مقاتلا بقيادة الحاج أحمد الزيدي. خلال معارك 1980ـ 1988 بين العراقيين والإيرانيين شارك فيلق بدر في سلسلة هجمات منظمة ضد القوات العراقية، وبلغ تعداده في ذلك الوقت 10 آلاف مقاتل.2. تأسس حزب الله العراقي في أيار (مايو) 2003 في مدينة العمارة التي يتحدر منها زعيم الحزب، المعروف عند المعارضين السابقين باسم (أمير الأهواز). كان أمير الأهواز ضابط صف في الجيش العراقي اسمه عبد الكريم ماهود، هاربا من الخدمة ويمارس اعماله مستفيدا من ميزة المنطقة الجغرافية، التي تسمح له بالانتقال علي إيران بسهولة. كان عبد الكريم ماهود (الذي أصبح فيما بعد عضوا في مجلس الحكم المؤقت بقيادة الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر) لصا محترفا وقد اتهم، أثناء خروجه من مجلس الحكم، بارتكاب جرائم قتل وتصفيات جسدية لخصومه. إلي جانب هذا الحزب ظهرت مجموعات صغيرة أخري بقيادة إيرانية مباشرة مثل حركة ثأر الله (التي تفرغت لارتكاب جرائم قتل بحق الضباط العراقيين المشاركين في الحرب مع إيران).3. يستطيع الكاتب، وهو مفعم بالأسي، تأكيد الأنباء التي تتردد علي نطاق واسع عن وجود سجون سرية للصدريين، وهو إذ يمتنع – احتراما وتقديرا للدور البطولي للصدريين ضد الاحتلال- عن الإشارة إلي أسماء وعناوين بعينها حصل عليها عبر شهادات موثقة، فإنه يتطلع بإخلاص إلي تدخل الشيخ الصدر شخصيا من أجل وضع حد لهذه الانتهاكات.4. تعد حادثة جسر الأئمة بكل ملابساتها وظروفها المحزنة، دليلا من بين أدلة كثيرة علي وجود استغلال مريع لمشاعر السكان والتلاعب بمصائرهم من جانب الأحزاب الدينية، التي قادها تنافسها المحموم، إلي تحشيد جماهير هائلة يوم الأربعاء 31 آب ( أغسطس) 2005 فوق الجسر الفاصل بين الكاظمية والأعظمية (نحو مليون ونصف مليون إنسان) إحياء لذكري الإمام موسي الكاظم المتوفي عام 799 م. تجاوز عدد القتلي الذين سقطوا في النهر جراء التدافع، ألف شخص بين طفل وامرأة ورجل مسن، كما سقط نحو خمسمائة آخرين جرحي بعضهم إصابته خطرة. هذا الحادث المروع أيقظ عند العراقيين عموما الإحساس بحقيقة أنهم باتوا تحت رحمة تنافسات رجال الدين المهووسين بالنفوذ. للمزيد أنظر (صحيفة الاتجاه الآخر، العدد 235 ).5. إن تعرض النساء للمضايقات وكذلك مطاردة باعة الكحول، أضحي سلوكا نمطيا في أوساط المليشيات المسلحة وحتي عند الجهات الحكومية والإدارية، كما هو الحال مع محافظ الحلة، الذي اشتهر بتصريحاته القائلة إن إدخال سيارة مفخخة إلي المدينة أهون لديه من إدخال قنينة بيرة. وبصدد مضايقات الحلاقين الشائعة يروي أحد الحلاقين الهاربين إلي بلد مجاور، للكاتب الذي يحتفظ باسمه وبصورة عن شهادته لأسباب خاصة، كيف أنه تلقي لثلاث مرات متتالية رسائل تهديد تطالبه بترك مهنته أو مواجهة الموت. الرسائل مصدرها مليشيات دينية تطالب بالامتناع عن إزالة شعر الوجنتين والأذن لدواعٍ دينية وطقوسية. ومع تكرار هذه الرسائل شاعت أنباء عن صلة فيلق بدر والصدريين بها. ويأمل الكاتب من الشيخ الصدر نفي صلة تياره بها بأسرع وقت لمنع اختلاط الأمور.6. يقود أحمد الجلبي فعليا عمليات تصفية حزب البعث بالتنسيق مع هادي العامري (رئيس لجنة النزاهة، وقائد فيلق بدر في الآن ذاته) وهناك معلومات لا حصر لها عن كميات من المال دفعت لبعض أفراد تيار الصدر من أجل تنفيذ عمليات إعدام خارج القانون. وتتداول مختلف الأوساط اليوم في العراق قصصا مخيفة عن قوائم بالقتل أعدها أحمد الجلبي، علما بأن إحدي هذه القوائم نشرها الجلبي في صحيفة المؤتمر صيف عام 2002 وضمت نحوا من ألف اسم من بينهم كتاب وصحفيون ورجال سياسة.7. علي الرغم من إعلانه المتكرر أنه لن يشارك في ما يسمي العملية السياسية؛ فقد كشفت الأحداث عن وجود وزيرين، علي الأقل، ينتسبان إلي التيار الصدري ضمن تشكيلة حكومة الجعفري وعن وجود نواب في الجمعية الوطنية؛ وهذا يعني بلا مراء أن التيار شارك في انتخابات كانون الثاني (يناير) الماضي 2004 من دون إعلان رسمي.7

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية