الهندي يُقدس الحياة بكل صورها

في مقدمته لترجمته لكتاب «الروح الهندية» لتشارلز ألكسندر إيستمان المُلقّب بـ»أوهييايسا» الصادر عن دار بردية للنشر والتوزيع في القاهرة، يقول الحسين خضيري، إن الهندي الأحمر يُولي وقارا عظيما لحقائق الوجود، وها هو تقديسه للموت يتجلى وهو يُدثر الموتى بأجمل الثياب والزينات الشخصية، واضعا موتاه على سقالة من الأعمدة، أو ما بين أغصان الأشجار، بعيدا عن متناول الحيوانات التي قد تعبث بجثث الموتى، توقيرا وإجلالا لما صاروا إليه.
في الروح الهندية ندخل بيت ومعبد الهندي بصحبة أوهييايسا الذي يضيء لنا مناطق كثيرة من حياة الهنود وطقوس عباداتهم ومعتقداتهم، وهنا نعرف أن الهندي الذي يتخذ من الرقم «أربعة» رقما سحريّا ومقدسا، يقدس الحياة بكل صورها، ويرى الحيوانات إخوَة له في الكون، ولهم الحق مثلما له في الحياة. لقد علّمته الطبيعة وفهِم عنها، وها هو يعلمنا أن على الأرض ما يستحق الحياة حقّا. أوهييايسا يورد في مقدمته مقولة للخطيب سينيكا يقول فيها: «نحن أيضا لدينا ديننا الذي وُهب لآبائنا الأقدمين وسلموه إلينا، نحن أطفالهم، والذي يعلمنا أن نشكر ونتحد وأن يحب بعضنا بعضا وألا نتشاجر بسبب الدين». هنا نعرف أن الديانة الهندية هي آخر شيء يمكن لغير الهندي أن يفهمه لعدة أسباب منها، أن الهندي لا يتحدث في المسائل العميقة طالما أنه يؤمن بها، ويتحدث عنها فقط وبشكل غير دقيق وباستخفاف حين يتوقف عن الإيمان بها، أيضا يؤكد المؤلف أن كتابه الصغير هذا لا يدّعي أنه مقال علمي، بل هو حقيقي قدر استطاعته بسبب طفولته التعليمية والأسلاف النموذجيين، لكن من الناحية الإنسانية وليس من الوجهة الإثنولوجية.
هو لا يريد أن يُكدس هنا عظاما جافة أكثر، بل يعنيه أن يكسوها لحما ودما، وبقدر ما كُتب عن إيمانهم وعبادتهم القديمة، بواسطة الغرباء الذين عاملوها كمسألة فضول، فعليْه أن يؤكد جودتها الكونية ودعواها الشخصية. هنا يتحدث أوهييايسا عن حياة الهنود الاجتماعية والدينية، كاشفا عن بعض الطقوس والمعتقدات التي ربما لا يعرفها كثيرون عنهم، وإن عرفوها لم يستوعبوها بشكل يليق بها، كما يرى أن الرجل الهندي طبيعي ولذا نراه رومانسيّا يرتدي حجب السحاب الرقيقة هناك على حافة عالم مرئي، حيث جده الأعظم الشمس تنير معسكره الناري، وهو الذي يمتطي ريح الشمال العنيف الذي ينفث روحه على هواء الجنوب العطِر.
أوهييايسا يرى هنا أن هذا التواصل الفريد مع غير المرئي هو أسمى تعبير عن حياتهم الدينية، خاصة أن الهندي يميل إلى التأمل وإلى العزلة الدينية وفي هذا التجلي المقدس، أو تلك النشوة، يجد الهندي الصوفي سعادته الأسمى، وقوته الدافعة للوجود.
في الروح الهندية نعرف أن الهندي الأصلي يحفظ روحه حرة من قيد الكبرياء والجشع والحسد، ويُنفّذ المرسوم الإلهي كما آمن به بعمق، ويظل ملتزما بمشاركة إخوته الأقل حظّا في ثمار مهارته ونجاحاته. لقد أثبت الهندي، بعد تجاربه في الحياة، أن الطعام جيد، لكن التخمة قاتلة، وأن الحب حسن، غير أن الشهوة مدمرة. غير أن الهندي الأحمر ينقسم إلى عقلين مزدوجين: عقل روحي وعقل مادي، الأول روح اهتمت بجوهر الأشياء، أما الأمور الشخصية والشؤون المرتبطة بالأنانية، في صورها المختلفة، فقد هبطت من العقل المادي.

في الروح الهندية نقرأ أيضا أن الحب بين الرجل والمرأة قائم على غريزة التزاوج، ولا يخلو من الرغبة والبحث عن الذات، لكنْ أن تجد صديقا وأن تكون صديقا حقيقيّا تحت وطأة أيٍّ من المِحن، فهذه علامة من علامات الرجولة، وأسمى أنواع الصداقة هي صداقة الشقيق الصديق، أو صديق الحياة والموت.

أوهييايسا يرى كذلك أنه في كل دين يوجد عنصر خارق للطبيعة، يتباين في تأثير نقائه على المتعبدين، والهندي مفكر نقي ومنطقي في الأمور داخل إطار فهمه، لكنه لم يرسم حقل الطبيعة الوسيع، ولم يعبّر عن أعاجيبها في نصوص علمية، ولا تدهشه العجائب مثلما يدهشه حيوان يجب أن يتكلم أو الشمس التي تظل واقفة. أوهييايسا يرى أن الهندي رجل دين وهو في رحم أمه، التي ما إن تحمل إلا وتلوذ بالصمت والعزلة وهما قاعدتا الحياة بالنسبة للأم الحامل. وفي الثامنة تحيل الأم الابن الذكر إلى والده ليتعلم المزيد من التمرس على التقشف، فيما تصير الفتاة إلى جدتها التي تعتبر أكثر رعاة الفتاة العذراء تبجيلا. أوهييايسا يثبت هنا أنه ليس ثمة طقوس دينية للزواج بين الهنود، بينما على الجانب الآخر تم تقديس العلاقة بين الرجل والمرأة لغموضها وقداستها، وهذا يرجع إلى إيمان الهنود بأن الاثنين اللذين يقعان في الحب يجب أن يتحدا سرّا قبل الاعتراف العلني باتحادهما، ويجب أن يتذوقا مجدهما مع الطبيعة. أوهييايسا، متحدثا عن المرأة الهندية، يقول ليس هناك شيء مفتعل في شخصيتها، وهناك افتقار قليل إلى الصراحة في شخصيتها إذ إن تدريبها المبكر والملائم وتحديد مهمتها وسلوكها الديني العميق وَهَبوها القوة والاتزان اللذين لا يتغلب عليهما مكروه مألوف.
في الروح الهندية نقرأ أيضا أن الحب بين الرجل والمرأة قائم على غريزة التزاوج، ولا يخلو من الرغبة والبحث عن الذات، لكنْ أن تجد صديقا وأن تكون صديقا حقيقيّا تحت وطأة أيٍّ من المِحن، فهذه علامة من علامات الرجولة، وأسمى أنواع الصداقة هي صداقة الشقيق الصديق، أو صديق الحياة والموت. ومتحدثا عن علاقة الهندي بالطب يقول «الروح الهندية» إن الهندي احتفظ بالطب لصيقا بعالم الروحانيات، لكن كثيرا ما أُسيء فهمه، وفي الواقع أن كل ما أبقاه الهندي مقدسا سماه طبّا على نحو عشوائي في الإحساس بالسحر والغموض، فيما امتلك الطبيب الهندي تأثيرا مغناطيسيّا شخصيّا وقوة نافذة، ودائما ما يبحث علاجه عن إعادة التوازن للمريض، عبر التأثيرات العقلية والروحية كنوع من العلاج النفسي البدائي. هنا نعرف أيضا أن الهندي الذي لم يستخدم في كل حروبه وفي الطب سوى غليونه الخاص، تعلم جوهر الأخلاق من امرأة غير مثقفة علمته أشياء بسيطة، لكنها عظيمة الأهمية، بمساعدة الطبيعة العزيزة ذاتها.
وفي طفولته تعلم الهندي معنى قوة الرجولة والجمال، وتعلم أن بلوغ الهدف يعتمد على الاعتدال الصارم في المأكل والعلاقة الجنسية، والصرامة والاستمرار معا. ولم يُسمح للهندي قط أن ينسى أنه لا يعيش لنفسه فحسب، لكن لعشيرته وقبيلته ولذا فقد تحكّم في نفسه مبكرا. هذا ومثلما نجح أوهييايسا في أن يُرينا عن كثب حياة الهندي، منذ كونه جنينا، مارّا بعبادته ومعتقداته، إلى أن يُحمل على خشبة الموتى، ناثرا أمامنا تفاصيل حياته وأفكاره وطقوسه الدينية، ومبادئه التي يجعلها منهاجا يسير على هُداه، كذلك أجاد المترجم الحسين خضيري في ترجمته التي جاءت سلسة ودقيقة، مؤكدة على بذله مجهودا كبيرا وهو ينقل النص إلى العربية، مهتمّا بالهوامش شارحا ومضيفا بعض المعلومات التي تجعل النص سهل التلقي.

كاتب مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية