«النهاردة يوم جميل»… صورة نمطية لسينما تنحاز للمرأة بسذاجة

الحياد هو آية التميز في السينما، التي تُحاول مناقشة قضايا اجتماعية بشكل جاد يُحقق المرجو والمُستهدف من رسالة أي فيلم، ولا مانع من أن يكون هناك انحياز موضوعي لفكرة ما، طالما وجدت المُعطيات التي تُبرر هذا الانحياز، لكن ثمة مُبالغة تُفسد أحياناً الخلطة السينمائية الداعمة للأفكار المُناصرة للمرأة على سبيل المثال، باعتبارها الطرف الأضعف في المواجهة مع الرجل، حسب الاعتقاد السائد.
في فيلم « النهاردة يوم جميل» المُنتج في عام 2021 طرحت المخرجة نيفين شلبي مفهوماً خاصاً جداً للعلاقات الزوجية، فلم تر في مكونات العلاقة وخلفياتها الإنسانية والعاطفية، غير القسوة وسوء التفاهم القائم باستمرار بين الزوجين، إذ لا أثر في رؤيتها السينمائية لأي استثناء من هذه المُعادلة الكيميائية بتركيباتها الساخطة والناقمة على الرجل، فالمخرجة وفقاً لسيناريو دينا السقا، والرؤية الذاتية لكاتب القصة علاء سليمان، حكمت بمبدأ التعميم على كل الشخصيات الذكورية في الفيلم ووصمتها بالقسوة أحياناً والشهوانية أحياناً أخرى، فضلاً عن الرغبة القوية في الاستبداد والعنف ضد المرأة من غير مُقدمات أو سياقات درامية يُفهم منها القصد، أو التفسير لفكرة التحامل الشديد على الرجال بصفه عامة، والأزواج بصفة خاصة، اللهم غير الظن بضلوع التمويل الخارجي في جريمة تشويه الرجل المصري، لاسيما أن الجهات الإنتاجية المعنية ترحب عادة بالأنماط الغريبة من المُشكلات الاجتماعية وتشجع على إنتاجها وترويجها. لقد اعتمدت المخرجة في تجربتها الأولى مع السينما الروائية الطويلة على حيثيات وتفاصيل رأتها كافيه لتعظيم الخلافات بين كل الأزواج، وكل الزوجات، مُستهدفة إرضاء المرأة نفسياً في المقام الأول، قبل حماسها للدفاع عن قضيتها الحقيقية والجوهرية، إذ لا غضاضة في أن تُدافع المرأة عن بني جنسها، إذا ما استشعرت وقوع ضرر فعلياً عليها، مع الالتزام بشروط الفن والإبداع والإقناع في ما تعرضه من مُشكلات وأزمات، حتى إن كانت المُشكلات والأزمات شخصية وانطباعية بالدرجة الأولى، ولا تُمثل القاعدة العريضة من النساء في المُجتمع المصري.
إن جُل الضعف في فيلم «النهاردة يوم جميل « ليس في نية المخرجة وأحكامها القطعية المُسبقة ضد الرجل بلا سندات قوية وتصديرها للمعنى الساخر كعنوان للمضمون.. وإنما يتجلى الضعف بوضوح في ذلك التهافت الدرامي والأداء التمثيلي المدرسي والإسراف في مشاهد غرف النوم لتأكيد فساد العلاقات الزوجية بين أكثر من زوجين، مع الإصرار على إثبات شهوانية كل الرجال مُجتمعين، وبحثهم الدائم عن المُغامرات العاطفية خارج عُش الزوجية التعيس، وفقاً للمعاني المُستنبطة من المشاهد الصريحة والجريئة. لم تستثن المخرجة نيفين شلبي الشخصيات الثانوية في فيلمها من قاعدة البلطجة والعدوان الجسدي والمعنوي ضد المرأة، سواء بالنظرات واللفتات، أو الإهمال العمد، فهي لم تكتف بالعنف الذي يُمارسه الأبطال الرئيسيين ضد زوجاتهم، بحملهن على إرضائهم عاطفياً، دون استعداد نفسي، وفي أوقات غير ملائمة باستخدام القوة المُفرطة معهن، كأحمد وفيق الذي دأب على أن يأخذ حقه الشرعي من زوجته هنا شيحه، رغماً عنها ما أدى إلى التفكير في قتله مراراً، قبل سعيها إلى رفع دعوى قضائية ضده تتهمه فيها باغتصابها وقهرها، وهو ما تم رفضه لعدم وجود سياق قانوني لهذا الاتهام الذي لم يُقره الشرع أو القانون. والغريب أن هذا التوضيح القانوني الذي جاء على لسان المحامي «كريم كوجاك» اعتبرته المخرجة غُبناً وظلماً واقعا على المرأة المصرية، وعواراً في قانون الأحوال الشخصية.
كذلك تعددت مشاهد الرغبة النهمة من جانب باسم سمرة موظف البنك تجاه المُتعاملات معه من الفتيات والسيدات، وتكررت مجاملاته لهن في مواضع كثيرة على حساب وظيفته كمُحاسب ومسؤول عن القروض. وقد بلغ استهتاره، حد تسهيل إجراءات الحصول على قرض مُقابل ليلة ساخنة قضاها مع إحدى الراقصات، انتهت بدخوله المُستشفى وبقائه في العناية المُركزة حتى وفاته.. هكذا كان ختام مسيرة الموظف الفاسد ورب العائلة الذي لا يقنع بزوجته الطيبة انتصار، ويتحين الفرصة للحصول على صيد سمين يُجدد شبابه ويُحقق له المُتعة المُفتقدة في بيت الزوجية.
وعلى جانب آخر ركزت نيفين في رؤيتها الإخراجية التراجيدية المُعتمة على معاناة نجلاء بدر، البطلة الثالثة للفيلم، جراء إهمال زوجها وخيانته لها مع زوجة صديقة، رغم ما يبدو بينهما من ود واحترام مُتبادل. لم يسلم أي من أبطال الفيلم وبطلاته من دخول المُستشفى، إثر صدمه نفسية أو مرض عُضال، ما يعني أن المُجتمع في مُعظمة مريض، ويستوجب العلاج على اختلاف حالاته وصور مرضه وأزماته، وهو إسقاط دال على وجود وجهة نظر لدى صُناع الفيلم بأن هناك أزمة أخلاقية وثقافية في تعامل الرجل المصري مع المرأة بصفه عامة، بمن في ذلك الزوجة، أو قد تكون الزوجة تحديداً أول المُضارين من صلف الرجل وخشونته وعدم لياقته، وهذا ما نصت عليه عبارة صريحة وردت في الحوار المُتضمن بالفيلم بشكل مباشر ودون مواربة أو حرج.
وربما لهذه الأسباب أو غيرها لم يتم عرض الفيلم بدور العرض السينمائية في القاهرة، واكتفى صُناعه بعرضه على منصة نتفليكس والذهاب به إلى مهرجانات السينما الفرانكفونية.

كاتب مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية