الناخب الفلسطيني يختار الخروج من طريق أوسلو المغلق

حجم الخط
0

الناخب الفلسطيني يختار الخروج من طريق أوسلو المغلق

جميل هلال وزكريا محمدالناخب الفلسطيني يختار الخروج من طريق أوسلو المغلق حتي لا يبدو إرادة الناخب الفلسطيني وكأنها مجرد عقاب لتنظيم أو ثواب لآخر، فإن علينا إدراك المغزي الأعمق للانتخابات التشريعية الفلسطينية. إننا نري أن مغزاها الأعمق يكمن في أن الناخب الفلسطيني قد صوت لصالح البحث عن طريق آخر، طريق جديد مختلف عن الطريق الذي سرنا فيه في السنوات العشر الأخيرة: أي طريق أوسلو وما تبعه من اتفاقات كشرم الشيخ وخارطة الطريق. لقد صوت الفلسطينيون للخروج من هذا الطريق المغلق والعبثي. وقد فعلوا ذلك بعد أن اكتشفوا أن من يقود الشأن الفلسطيني يتلكأ في الاستنتاج بأن هذا الطريق قد أغلق، وأن الأغلبية الساحقة من الشعب تري أنه طريق لم يعد ممكنا السير فيه. هذا هو الاستنتاج الحاسم للناخب الفلسطيني.بهذا فلم يكن الناخب الفلسطيني يعاقب تنظيما ويثيب آخر، وإن كان بالتأكيد قد عاقب عددا لا بأس به من الأفراد الفاسدين والمعتدين عليه وعلي قيم العدالة والمساواة، بل كان يريد للحركة الوطنية الفلسطينية أن تخرج من هذا الطريق المسدود وأن تبحث عن طريق آخر، وخيار مختلف. ومن الطبيعي أن يعتقد الناخب أن من ظل خارج أوسلو هو الأفضل للبحث عن هذا الخيار، ربما. لذا أعطي لحركة حماس أصواتا أكثر مما أعطي لحركة فتح . نحن نعتقد أن فهم هذه الحقيقة سيمكن الحركة الوطنية من الوصول إلي اتفاق، اتفاق يلبي إرادة الناخب، ويأخذ بعين الاعتبار حقائق الواقع الصلبة التي تقول أن اتفاق أوسلو قد انتهي منذ زمن بعيد. لقد أنهاه الإسرائيليون والأميركيون. لقد مات وشبع موتا، والإصرار علي الحديث عنه والتمسك به لن يقودنا إلي ما نريد، بل سيبقينا داخل النفق المظلم ذاته. لذا فإن علينا أن نري في الانتخابات التي حدثت الفرصة الملائمة للانسحاب من أوسلو، الذي انسحب منه الإسرائيليون والأميركيون وتركونا وحدنا نسبح بحمده.لقد انتهي أوسلو وخارطة الطريق إلي عبارة كاذبة تتردد كل يوم، عبارة عملية السلام . لقد كان هناك عملية لكن بدون سلام. فالإدارة الأميركية تريدنا أن نغرق في العملية وأن ننسي السلام بدولته الموعودة. أكثر من ذلك، يمكن القول لم يعد أصلا من عملية خلال السنوات الثلاث الماضية بعد أن اشترطت إسرائيل علي الجانب الفلسطيني حزمة من الشروط لكي تقبل بمجرد الجلوس معه علي مائدة المفاوضات. مع ذلك فما زال هناك من يعتقد أنه إذا فشلت المفاوضات فليس أمامنا سوي المزيد من المفاوضات . هذا المنطق هو منطق من ينزع خياراته كلها. وحين تنزع خياراتك فإن عدوك لن يكون مجبرا حتي علي مفاوضتك. وسوف تستجديه لمجرد أن يقبل الجلوس معك. وهذا ما يحصل أمام أعيننا كل يوم. فقد أمضت السلطة العامين الماضيين في استجداء إسرائيل بالعودة إلي طاولة المفاوضات.لقد صوت الناخب ضد نزع خياراته. صوت ضد استجداء المفاوضات، صوت ضد مفاوضات لا تنتهي ولا تصل إلي نتيجة. لم يصوت لحزب ضد آخر، لم يصوت لحركة حماس ضد فتح ، بل صوت للخروج من هذا المأزق، وعلينا أن لا أن نضيع في تحديد من المنتصر ومن المنهزم. ليس هناك من منتصر. فنحن كلنا غارقون في ظلمة نفق أوسلو. والشعب يريد أن نبحث معه عن طريق لخروج من هذا النفق.وتخطئ قيادة حماس خطأ فاحشا إذا لم تفهم هذا، ظانة أن الناخب الفلسطيني فوضها بنزع العلم الفلسطيني عن مبني المجلس التشريعي في رام الله ووضع علم حماس بدلا منه. كما يخطئ رئيس مكتبها السياسي إذا ظن أن التصويت كان تفويضا له بإدخال الشعب الفلسطـــيني، تابعا صغيرا، في محاور وأحلاف إقليمية لخدمة حكومات هذه الأحلاف. لقد قاتل الشعب الفلسطيني أربعـــين عاما لكي يحافظ علي استقلال قراره الوطني، وهو لم يصوت للتفريط به.إن الخروج النفق المعتم يقتضي الوصول إلي اتفاق جديد بين القوي السياسية يأخذ بعين الاعتبار رأي الشعب الذي عبر عنه في الانتخابات. وهذا يقضي أن يكف البعض عن مطالبة حماس بالانغماس في أوسلو ومتطلباته باسم الاتفاقات والشرعية الدولية، وأن يكف عن مطالبتها بالاعتراف بإسرائيل. فما هو مطلوب فعليا هو أن تضع المؤسسات الفلسطينية الوطنية جانبا هذا الاعتراف الذي بات عبئا مكبلا لنا، وأن يتم ذلك بطريقة لا تؤذينا. فالاعتراف يكون بين دولتين سيدتين لا بين منظمة ودولة. لقد اعترفت إسرائيل بمنظمة التحرير دون أن يترتب علي هذا اعترافها بحقوق الشعب الفلسطيني بما فيها حقه في دولة مستقلة وذات سيادة، تكون عاصمتها القدس، في حين اعترفت منظمة التحرير بدولة إسرائيل. علينا تصحيح هذا الخطأ، لا أن نورط فيه أطرافا جديدة كحركة حماس وغيرها. علي العكس، يجب حثها علي عدم الإقدام علي هذه الخطوة إذا بدا أنها تفكر في الإقدام عليها من أجل أن تتمكن من تشكيل حكومة. فليس عن طريق إغراق من لم يغرق نتمكن من الخروج من المأزق. كما لن يتم الخروج عن المأزق الوطني عبر التدخل في حريات الناس الشخصية والعامة واللجوء إلي الإرهاب الفكري، وقمع حرية المعتقد والرأي والسلوك المكفولة بالقانون الأساسي ووثيقة إعلان الاستقلال. فالديمقراطية والتعددية وحرية الرأي والفكر والمعتقد هي أداتنا في مواجهة الاحتلال والقمع والإذلال الذي تمارسه إسرائيل ضد الشعب وحركته الوطنية.لا حاجة لاعتراف حماس أو فتح أو غيرهما بإسرائيل. فالاعتراف عملية تخص علاقة دولة بدولة. وقبل قيام دولة فلسطينية مستقلة لا يمكن القبول بالحديث عن الاعترافات. وعلي أساس هذا المبدأ يمكن الوصول إلي اتفاق وطني جديد يقضي بإعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلســــطيني، الذي يتضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس، واحترام قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالحقوق الوطنية الفلسطينية. وهذا يعني أن تتراجع قيادة فتح عن أوهام اتفاق أوسلو وخريطة الطريق، وأن تتراجع حماس عن الشعارات الهوائية الكبيرة، التي لن يفهمها العالم، وأن تتراجع عن التكتيكات المغامرة التي صاحبت برنامجها غير الواقعي.هذا الاتفاق الوطني لا يعد إلا باستمرار النضال. لا يعد الشعب بالراحة، بل يعده بسنوات أخري صعبة من المقاومة. لكنه اتفاق لا يغرق هذا الشعب بالأوهام. ونحن نعتقد أن الشعب الفلسطيني بتصويته الحاسم في الانتخابات أظهر أنه علي استعداد للنضال والمقاومة. فمن ينتخب للخروج من أوسلو وتوابعه يدرك أن عليه أن يصمد وأن يدفع ثمن الصمود.لقد كانت الانتخابات الرد الفلسطيني علي نظرية كيّ الوعي الفلسطيني التي أطلقها رئيس الأركان الإسرائيلي الأسبق أثناء اجتياح مدن الضفة تحت مسمي عملية السور الواقي التي هدفت إلي إرغام الشعب الفلسطيني علي أن يغير مواقفه، وأن يخفض سقف مطالبه الوطنية. لكن وعي الشعب الفلسطيني ظل سليما. لقد تم اجتياح كل بيت، لكن هذا الوعي لم يتأثر، بل لقد ازداد تمسكا بالحقوق. لقد خرج وعيه بعد عملية الكيّ المفترضة أكثر صفاء ووضوحا. وقد كانت نتيجة الانتخابات هي الدليل الحاسم علي ذلك: لم ننكسر، هكذا قال الشعب الفلسطيني لقادة إسرائيل وجنرالاته.لقد منحتنا الانتخابات التشريعية الفلسطينية فرصة لا تقدر بثمن للتدقيق في خياراتنا، ووضع الأمور في نصــــابها الصحيح، وإعـــــادة الاعتبار إلي المشروع الوطني عبر إخراجه من وحل أوســــلو. لذا فلنكف عن الحـــديث عن المنتصر والمهزوم كي نجمع قوانا من أجل مواجهة الاحتلال. ولتكن الانتخابات الفلسطينية انتصارا لنـــا وهزيمة للمحتل.ہ مثقفان فلسطينيان8

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية