الموقف الأمريكي من حماس والسودان

حجم الخط
0

الموقف الأمريكي من حماس والسودان

د. يوسف نور عوضالموقف الأمريكي من حماس والسودان قام الرئيس الأمريكي جورج بوش خلال الأسبوع المنصرم بزيارة إلي كل من أفغانستان والهند وباكستان، وقد أشاد في زيارته لأفغانستان بدور الحكومة الأفغانية في مواجهة الإرهاب، وأما في الهند فقد فجر مفاجأته الكبيرة عندما أعلن أن المصالح الأمريكية تقتضي أن تقدم الولايات المتحدة دعما للبرنامج الهندي النووي، وهو دعم لم يقدم مثله لدولة باكستان علي الرغم من أنها رمت بكل ثقلها من أجل تنفيذ ما تطلبه منها الإدارة الأمريكية حتي لوكان ذلك ضد أمن مواطنيها أو سلامتهم. ولم يقف الرئيس جورج بوش ولو للحظة واحدة يتساءل كيف سيبرر هذا الموقف تجاه الدول الإسلامية خاصة وهو يرسل التهديدات تتري وينذر بأنه إذا لم تتخذ الأمم المتحدة اجراء فإن الولايات المتحدة قد تتصرف منفردة. ولا تهتم الولايات المتحدة بما سيقوله العالم الإسلامي وهو يري مندوب الولايات المتحدة جون بولتن يشارك في مجموعة الضغط الأمريكية الإسرائيلية ويرسل التهديدات تتري ضد إيران، فما الذي يجعل امتلاك السلاح النووي مبررا عند إسرائيل وغير مبرر عند العرب أو أي دولة إسلامية أخري علي الرغم من أن إسرائيل تؤمن بنظرية الخيار شمشون التي تقول علي وعلي أعدائي إذا ما تعرض أمن إسرائيل للخطر. ولا يقف الأمر عند ذلك بل نجد الولايات المتحدة في سبيل تحقيق المصالح الإسرائيلية تدخل في مشاحنات مع دولة كبري هي روسيا وتتهم رئيسها بوتين بأنه يقود البلاد في اتجاهات معارضة للديمقراطية وأنه يفرض ضغوطا علي جمهوريات الإتحاد السوفييتي السابقة ويبدو من كل ذلك أن الولايات المتحدة التي ترهب العالم بحربها علي الإرهاب ومناداتها بالديمقراطية هي من أكثر الدول تشددا في عدم الاعتراف بالديمقراطية وحق الآخرين في تقرير مصيرهم، وهي بالتالي تتكلم بصورة مستمرة عن المصالح الحيوية لها وتتجاهل وجود الأمم المتحدة التي تريدها أداة طيعة في يديها كما تتجاهل وجود الإتحاد الأوروبي وروسيا ولا تؤمن بشيء سوي سيادة القطب الواحد الذي يسيطر علي العالم كله بالقوة ويفرض إرادته حتي لو تعارضت مع مصالح الآخرين، ليس ذلك فحسب بل الولايات المتحدة تريد من العالم أن يصدق أن المباديء التي تعلنها هي مباديء حقيقية يجب أن يقف العالم كله مؤيدا لها، ولكن إذا دققنا في الأمر وجدنا أن الولايات المتحدة خاضعة بشكل كامل للإرادة الإسرائيلية وأن ما تفعله هو فقط من أجل تحقيق ما تريده إسرائيل ولو كانت إسرائيل دولة عظمي لقلنا إن هناك استراتيجية للاستفادة من هذه الدولة ولكن الولايات المتحدة تعرف أن إسرائيل دولة تعيش علي الإعانات الأمريكية وأنها بدون هذه الإعانات لن تكون قادرة علي الصمود، ونستطيع في ضوء ذلك أن نحلل الموقف الأمريكي من حركة حماس ومن السودان لأنه يرتبط بشكل كامل بالمصالح الإسرائيلية. فالمعروف أن فوز حماس جاء عن طريق صناديق الاقتراع التي هي مرحلة مهمة في أي نظام ديمقراطي، ولكن الولايات المتحدة التي لها موقف مسبق من حماس لا تري أن صناديق الإقتراع سبب قوي لكي تتولي حماس السلطة ولكننا لا نقول إنها غضبت من هذا الوضع الذي رأت فيه ما يحقق لها ولإسرائيل الأهداف التي يسعيان من أجلها. وعلي الرغم من أن إسرائيل أبدت تبرمها من فوز حماس فلا شك أنها كانت سعيدة به غاية السعادة لأنه خلال الفترة التي سيطرت فيها أغلبية فتح علي السلطة كانت إسرائيل مطالبة بأن تجري معها مفاوضات بحسب خريطة الطريق ولكن إسرائيل ظلت تماطل فهي تطالب أحيانا بنزع سلاح فتح وأخري بوقف العمليات الفدائية وكل تلك ذرائع لا علاقة لها بالقضية الأساسية لأن العنف ضد إسرائيل مرتبط في الأساس بحل القضية وبدلا من أن تستمر إسرائيل في الطلب من الفلسطينيين وقف العنف مقابل شيء لا يعلمونه فالأجدي أن تعطي الفلسطينيين حقوقهم وتري بعد ذلك إن كانوا سيواصلون العنف أم لا، ولكن لان إسرائيل لم تفكر أصلا في حل القضية الفلسطينية وفق الخطط المطروحة فهي لم تشغل نفسها بالسير في طريق الحل وبالتالي فإن فوز حماس شكل لها مخرجا حسنا من الورطة التي كانت فيها لأنها ستستمر الآن في العزف علي نغمة أنها لا تستطيع أن تقيم علاقات مع حماس بكون حماس لا تعترف بها وتمارس من وجهة نظرها العنف، ولكن هل يعقل أن تتنازل حماس عن مبادئها لمجرد أنها في الحكم أو لمجرد أنها تحصل علي وعود من إسرائيل؟ الإجابة بكل تأكيد لا، والنتيجة هي أن يستمر الصراع وتذهب إسرائيل إلي حد أن تعلن حلا من جانب واحد يلبي مطالبها ولا يتناول مطالب الفلسطينيين، وقد أعلن إيهود أولمرت بالفعل أنه إذا فاز في انتخابات الشهر الحالي فإنه سيضع حدود إسرائيل التي يريدها وهي بكل تأكيد لن تكون الانسحاب من أراضي سبعة وستين أو الإعتراف بالقدس عاصمة للدولة الفلسطينية أو إعطاء اللاجئين الفلسطينيين حق العودة وبالتالي هي لن تحل القضية الفلسطينية وستكرس الاحتلال وستجد الولايات المتحدة تقف من خلفها تؤيد كل توجهاتها. وكما قال خالد مشعل ستستمر الولايات المتحدة في المطالبة بأن تعترف الضحية بحقوق قاتلها وجلادها ولا تطالب القاتل في مقابل ذلك بأية التزامات سوي وعود لا تغني ولا تسمن.ولا يختلف الوضع في السودان عنه في فلسطين أو العراق، ذلك أن الدلائل كلها تشير إلي أن حكومة الولايات المتحدة تناصب حكومة السودان العداء، وهي تفكر في اتجاه واحد وهو إسقاط نظام الحكم في الخرطوم ولكنها لا تكترث كثيرا بعواقب ما تقوم به سواء أدي ذلك إلي تفكك السودان أوإلي قيام حرب أهلية طاحنة. ويجب هنا ألا نثق في توجهات الحكومة الأمريكية لأن كل الدلائل تشير إلي أن الولايات المتحدة تعتمد فقط علي القوة ولكنها لا تقرن ذلك بفهم عميق للمنطقة وما يجري في العراق قد أصاب الولايات المتحدة بالذهول لأنها دخلت هذا البلد وكأنه أرض فضاء لا تاريخ لها ولا تراث ولكنها فوجئت بأنها أشعلت بركانا لن تكون قادرة علي إطفائه وهي تسير جاهلة في السودان علي نفس الخطي التي سارت بها في العراق وهي لا تعرف أن أي قوات أممية ستواجه مقاومة عنيفة في السودان ولا تعرف أن للسودان تاريخا في القتال، ولو قرأت كتاب ونستون تشرشل حرب النهر الذي يؤرخ للحملة البريطانية علي السودان لأدركت من خصائص ذلك الشعب ما تجهله. ولكنها لا تفعل ذلك، وهي تحرض وكالات الأنباء التابعة لها لكي تكتب يوميا عن حرب الإبادة في السودان كما تحرك منظمات حقوق الإنسان بمختلف مشاربها كي تتحدث عن الانتهاكات الصارخة التي ترتكبها حكومة السودان ضد مواطنيها سواء كانوا في غرب السودان أم في شرقه أم في جنوبه وتعمل جاهدة من أجل تحريك قوي أممية كي تدخل إلي إقليم دارفور. وتعتقد الولايات المتحدة أن تحريض الناتو علي أن يقوم بهذه المهمة بالإنابة عنها سوف يحل الإشكال ولكن المسؤولين في الناتو يدركون خطورة الموقف وأعلنوا موقفهم بصراحة إنهم لا يفكرون في دخول السودان كقوات ناتو ولكنهم مستعدون للعمل في إطار تفويض أممي، وهو ما ترفضه حكومة السودان وستقاومه.ولا شك أن كل هذا الوضع قد لا يردع الولايات المتحدة التي لا تفكر كثيرا في النتائج، ذلك أن المسؤولين فيها يهددون دائما أنهم قادرون علي التدخل الإنفرادي في أي مكان إذا لم تساندهم الأمم المتحدة في توجهاتهم. ولكن بالطبع لا نقول إن جهل الولايات المتحدة وحده كفيل بإحباط مخططاتها، ذلك أنه بالنسبة للوضع في السودان فإن الأمر أكثر تعقيدا لأن هناك اتجاهات سودانية تري التدخل الأجنبي من زاوية مصلحتها الخاصة وعلي الرغم من أن الحكومة السودانية تحاول أن تؤجج المشاعر الوطنية ضد الاحتلال الأجنبي فهي تتناسي حقيقة أن هناك عناصر في دارفور تنظر إلي التدخل الأجنبي علي أنه وسيلة فعالة في إسقاط النظام كما أن هناك عناصر معارضة أخري في داخل السودان وخارجه لا تعارض في أن تأتي عناصر خارجية لتحقيق ما فشلت هي في تحقيقه، وهذا الواقع في النهاية لن يصب في صالح الحكومة أو معارضيها، فالحكومة لا تملك القوة الحقيقية التي تقاوم بها تدخلا أجنبيا وقوي المعارضة لا تملك الوسائل التي توقف بها الفوضي ولا شك أن أفضل خيار هو أن يلتقي الجميع قبل فوات الأوان وذلك بكل تأكيد إذا كان الجميع ينظرون إلي وحدة الوطن ومصالحه من منظور واحد.ہ كاتب من السودان9

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية