الملف النووي الإيراني .. عربياً!
جواد البشيتي الملف النووي الإيراني .. عربياً! السلاح في حد ذاته ليس هو المشكلة ، والموقف من السلاح إنما هو، في المقام الأول، موقف من اليد السياسية التي تحمله وتستعمله. وإن كل من قرأ قصة حظر (أو منع) انتشار السلاح النووي يعرف علي خير وجه أن النتيجة النهائية (العملية) لكل الجهود والمساعي المبذولة في هذا الاتجاه هي تمكين دولة من امتلاك هذا السلاح (أو غض النظر عن سعيها لامتلاكه وعن امتلاكه) ومنع غيرها من امتلاكه. إسرائيل امتلكت السلاح النووي، وامتلكت منه نحو 200 قنبلة نووية. وكل الدول العربية تعرف ذلك، وتؤمن به، ولكنها جميعاً لا تستطيع إقامة الدليل علي أن الدولة اليهودية غدت قوة نووية عظمي (إقليمياً). وهي جميعاً، وبعد هذا العجز الذي يقلقنا أكثر من الترسانة النووية الإسرائيلية ذاتها، ما عادت تجرؤ علي السعي الجاد والحقيقي في سبيل كشف الحقيقة النووية الإسرائيلية ، والعمل، من ثم، علي درء المخاطر النووية الإسرائيلية ولو من خلال إقناع إسرائيل، بالتي هي أحسن، بأهمية وضرورة تخليها عن سلاحها النووي. ومع أن الولايات المتحدة لا تؤكد ولا تنفي امتلاك إسرائيل لأسلحة نووية فإنها تكاد أن تقول إن لهذه الدولة حقاً في امتلاكها لأن وجودها لم يغدُ بعد بمنأي عن الخطر، ولأن ديمقراطية نظامها السياسي تجعل سلاحها النووي في أيدٍ غير شريرة ، فهذا السلاح خير في أيدي الأخيار ، وشر في أيدي الأشرار !وبحسب هذا المعيار لـ الخير و الشر ، يحق لإسرائيل الاحتفاظ بترسانتها النووية، ويُحظر علي إيران كل مسعي نووي يمكن أن يفضي إلي حيازتها سلاحاً نووياً. في المُعلَن من الأهداف، نري، أو يراد لنا أن نري، أن مقصد كل الجهود والضغوط هو منع البرنامج النووي الإيراني من التحول من مدني إلي عسكري . وبناءً علي تأكيد طهران أن صنع القنبلة النووية ليس هدفاً لها، وأنها لا تعتزم سوي بناء محطات لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية التي تريد إنتاجها بما لا يتعارض مع حقها السيادي، لا نري في الملف النووي الإيراني مشكلة مستعصية الحل إن كان المقصد هو ذاك المقصد، فرقابة دولية من نمط فعَّال يمكن أن تكون كافية لمنع عسكرة البرنامج النووي الإيراني. أما إذا كان المقصد هو تغيير إيراني في الاتجاه الذي تريده الولايات المتحدة، وقوي أخري، فإنَّ الجهد سيُبذَل في سبيل جعل نظام الحكم الإيراني يأسر نفسه بنفسه بمواقف تسمح بتعريضه لضغوط خارجية (مختلفة) تَبذر في إيران بذور الفوضي البناءة ، علي أن يسترشد الساعون إلي هذه الفوضي بما انتهت إليه التجربة العراقية من دروس وعبر. وفي هذا السياق نفهم السبب الذي منع الولايات المتحدة حتي الآن من اتهام نظام الحكم الإيراني بامتلاك ترسانة مني الأسلحة الكيميائية والبيولوجية وهو الذي لا يصعب عليه امتلاكها إذا ما افترضنا أنه لم يمتلكها بعد، فهذه التهمة تحتاج إلي جهد لا تستطيع بذله إدارة الرئيس بوش بعدما ثبت وتأكد أن اتهام نظام حكم صدام حسين بامتلاكه ترسانة كهذه كان باطلاً ولا أساس له من الصحة.وأحسب أن العرب إذا هم استمسكوا بمصالحهم الحقيقية لا مصلحة لهم في إظهار عداء، أو في إظهار مزيدٍ من العداء، للبرنامج النووي الإيراني، مع أن النفوذ الإيراني المتسع في العراق لا ينزل برداً وسلاماً علي المصالح القومية العربية. وبعض الحجج التي ندلي بها ضد هذا البرنامج لا سند لها لا في المنطق ولا في المصالح العربية. وأخص بالذكر حجة أن المساعي النووية الإيرانية تُدخِل الشرق الأوسط في سباق تسلح جديد، وكأن القنبلة النووية الإيرانية التي لم تولد بعد، وليس الترسانة النووية الإسرائيلية، هي التي يمكن ويجب أنْ تفضي إلي جولة جديدة من سباق التسلح، مع أن هذا السباق ، الذي نفهمه علي أنه رجس من عمل الشيطان ينبغي لنا اجتنابه، هو وحده الذي يمكن ويجب أن يؤدي إلي كسر الاحتكار الإسرائيلي للسلاح النووي. ونحن لا نستطيع إقناع إيران بأن مفاعلها النووي في بوشهر قد يتسرب منه ما يؤذينا، وبأن عليها بالتالي أن توقف العمل فيه أو تنقله بعيداً عن مياه الخليج، فطهران، ولأسباب أمنية إستراتيجية، تعمدت إقامته حيث ناقلات النفط تشق عباب البحر، وحيث يتركز النفط الخليجي، إنتاجاً وتصديراً. إننا لا نحتاج إلي منع إيران من التسلح النووي، إذا ما كانت تعتزمه، فما نحتاج إليه فعلاً إنما هو أن نتسلح كما تتسلح إيران، وأن نحمي تسلحنا كما تحميه. 9