المكتمل واللا مكتمل في قصيدة النثر
شاكر لعيبيالمكتمل واللا مكتمل في قصيدة النثر كوني، أيتها الكواكب،القوافي الملتقطة عند تخوم مصائرنا ريلكه (النوافذ)كثر الحديث وطال حول قصيدة النثر. وما عدا القلة الساعية إلي موقف يري إلي النسبية الممنوحة، في تاريخ الشعرية، للأشكال والأوزان والقوافي والقواعد بالمقارنة مع طرائق استخدامها ووظائفها. قلة ثمينة تنحني جديا علي المصطلح ثم لا ترفض كيفما اتفق من لا يُعالج نمطا خاصاً من الشعر، أو من لا يتابع نسقها الشعري.لا تشهد الثقافة الشعرية العربية اليوم سوي تلك القلة من المتأملين بالأشكال والإيقاعات ممن يثمنون القواعد أو ممن يرفضونها، لكن غير المسحورين بها ولا المتجاهلين لها ولا المتمردين بالمجان عليها. قلتهم تدلّ علي إن مشكلة قصيدة النثر حقيقية وراهنة، وتستلزم رؤية من طبيعة هادئة للفصل بين ما هو متوهَّم كعنصر أصلي فيها وما هو شعري أصيل.إن تفعيل السجال يستجيب لضرورات الوقوف أمام هذا الكلام الباهت المسمّي نقداً أدبياً، خاصة ذاك المقال بصدد قصيدة النثر المكتوبة الآن في العالم العربي والتي نقترح وصفها (بالمحلية) لأسباب لعل أهمها تقليدها وتطبيقها لقصيدة النثر العالمية في شروط ثقافية ومعرفية وسيوسيولوحية ونفسية خاصة، الأمر الذي يمنحها نكهة فوّاحة بجميع مشكلات الثقافة في بلداننا ومذاقا نابعا من وعي كُتّابها وشروطهم الثقافية ومن طبيعة الترجمات التي تأثروا بها. وهنا يتوجب القول أن كتاب سوزان برنار الذي سحر الكثيرين يحتاج اللحظة إلي إعادة تقديم، خاصة وأنه ليس كتاباً مقدساً، ويطلع من الشعريات الفرنسية علي وجه الخصوص. لم تكن المشكلة الإيقاعية هماً بارزا لها وتحدثت عنها قليلا، وفي سياق شعر أوربي تمتلك لغاته ضوابط نغمية مختلفة عن إيقاعات اللغة العربية.عموم الخطاب المطروح بشأن قصيدة النثر هو مناسبة صالحة لمناقشة البداهات الشعرية وطبيعة الشعر نفسه وعناصره المنوعة. أن نزوع أغلب شعراء قصيدة النثر اعتبار تصفية الحساب قد انتهي مع القواعد الشعرية المعروفة لا يبدو صائباً. فالوزن الخليلي التقليدي ما زال قائما بعنفوان بدليل اغتراف جلّ الشعراء العرب المعروفين من نبعه. وفي استخدامهم لهذا الوزن ما زالت القافية الصدّاحة تتناوب الحضور في ثنايا قصائدهم. بل أن هذه القافية نفسها، المستبعدة، الممجوجة، المكروهة، المستنكرة بشكل ملتبس في خطاب لا يري سوي مسعاه، ستعاود الحضور لدي متحمس لقصيدة النثر (هو كاتب هذه السطور) في قصيدة النثر نفسها انطلاقاً من منطق الحداثة كما نتعلمها في مكان آخر. إن تقعيد قصيدة النثر بشكلها الحالي بوصفها الشكل الأرقي للشعر لا يمتلك الدقة المعرفية. وإن الخطاب الواثق سيرتبك حالما تُثار في وجهه بعض البداهات التاريخية والنقدية. سنري كيف يشتغل هذا الخطاب أثناء معالجته، علي سبيل المثال، استدراج (القافية في قصيدةِ نثرٍ عربيةٍ) يتفق الجميع تقريباً علي أفقها الحداثي. هذا المثال يمكن أن يُحَمَّل معني الترويج لتلك التجربة التي ـ ويجب قول ذلك جهاراً ـ جري تجاهلها في الصحافة الأدبية اللبنانية خاصةً، المعنية بكل نزعة تجديدية، طرفوية، مثيرة للجدل، كما وقع الاستهانة بها بقسوة مريبة في نقود كثيرة لا تعبّر، في حقيقة الأمر، عن موقف من الشاعر، بل تكشف مأزق قصيدة النثر كما تُمارس في العالم العربي حالياً، ومن هنا بالضبط تستأهل أن تكون مثالاً علي الالتباس النقدي العام. وهو ما يهمّ هذه المداخلة قبل أي هم ذاتيّ يائس.وكما يعلمنا درس المنطق الفلسفي الإغريقي، سنعالج قضايا عامة بمناسبة مخصوصة: أولاً: أكبر المشكلات تقع في أن التنظيرات اليقينية المتماسكة ظاهرياً المتعلقة بقصيدة النثر، تظل من دون صلة واضحة بالنصوص الملموسة: القصائد. هكذا مثلاً رأت الإلماحات النقدية بشأن عمل القافية في النص النثري الحديث قطيعة افتراضية بين (قافيةٍ) تنتمي إلي شيخوخة الشعر العربي بل رمزا لموته و(قصيدة نثرٍ) افتراضيةٍ هي الأخري تنتمي لشباب العالم وحيوية الشعر العربي المعاصر بل رمزا لحياته المتجددة. ستدور الإشكالية الشعرية عموماً في نطاق متخيَّل يستبعد منذ البدء، واعياً أو من دون وعي، المنطق الداخلي لنص من النصوص. كان بإمكان النقد التذكير إذن (بالسجع) ضارب الأطناب في القدم، وليس بالمشكل الإيقاعي الحديث، لأن السجع أقرب وأسهل المقاربات عندما يقترن النثر بالتقفية. وقد تكون عجالة الكلام النقدي عن حضور سجّع ميّت في تجربة كهذه دليلاً عن التصورات البرانية المستجلبة، ذهنياً، والمطبقة تعسّفا علي مشاريع شعرية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالمراجع الافتراضية لأنصار قصيدة النثر المحلية العربية. ولكي يوطّن النقد اليقيني في ذهن قارئه الأسوأ فهو يستذكر أمامه الأسوأ فحسب من أنواع ذاك السجع المقرون بنص حديث، وأحياناً من دون قراءةٍ للنصّ المعنيّ. قصيدة النثر المحلية أكيدة أن كل تجربة لا تستهدي بها، أكاد أقول بموتها، محكومة بالموت منذ البدء.ثانياً: علي الرغم من أنها أس من الأساسات التاريخية للثقافة الشعرية العربية، فإن دلالة التقفية والحديث العام عن القافية ـ المتحولة طاعوناً فيما يُخفي ذاك الكلام ـ تنقصه إلي حد بعيد الدقة الاصطلاحية. وبعبارة أخري كأن النقد الحالي يحتاج من جديد إلي تعريفات واضحة للمواد التي يشتغل عليها. فإذا تعلق الأمر بهذه القافية مثلاً يبدو في مظهر من لم يعالجها في السابق ولم يدرس مصادرها وأسباب حضورها وعللها ومساوئها. في العشرين سنة الأخيرة من الكتابة النقدية الحداثوية ثمة سهو عن العناصر الشعرية الأساسية، الصغيرة والكبيرة. القافية هنا مثال استدلالي لا غير، حيث لا وجود لتعريف إجرائي محايث ولا لفحص حاذق لوضعيتها، وحيث تغيب بشأنها المراجع التراثية والدرس النقدي الأوربي المعاصر. الشجب المبدئي الأصلي لها يدفع للظن أن الشعرية العربية الحديثة متأكدة من الضرر الفظيع، المعروف من دون نقاش، الذي سيتخلل نصا حديثاً جراء إيقاع صريح. ستُرفض تحت الحجج جميعاً. وأخرها ما يذكره الشاعر التونسي نزار شقرون: لا يعقل أن تكون قصيدة النثر مناوئة للقيود الإيقاعية وتلتزم في الآن نفسه بقيد إيقاعي قديم فرضه نسق الحياة العربية الصحراوية ، وهو يقصد القافية انطلاقا من بداهة تُناقش. ويحق للوعي أن يتساءل فيما إذا كانت هذه القافية في جميع أشعار الشعوب الأخري غير العربية صادرة عن نسق صحراوي (وصياغة القضية الإيقاعية بربط القافية بمراجع صحراوية لا يبدو لي جاداً وأراه يتابع إستشراق القرن التاسع عشر، ولم يجرؤ حتي ابن خلدون علي طرحه علي هذه الشاكلة)؟ أم أن لهذا القيد الإيقاعي سبباً وعلة أخري؟ ولِمَ تحضر هذه القافية في جميع أغاني الشعوب وعند جميع شعراء العالم تقريباً وإن بدرجات متفاوتة ونسب مختلفة؟ يا للدرس البسيط المنسيّ في ثقافتنا الشعرية الراهنة.هل لأن غنائيتها في تعارض وجودي مع لا غنائية قصيدة النثر؟ ليبرهن لنا أحد إذن إن قصيدة النثر العربية في قطيعة نهائية مع الغنائية؟ ألا يمكن خلق مزاوجات خلاقة بين النثر ونزعة غنائية ما؟ وما هي الغنائية يا تري في نهاية المطاف؟ ولأي سبب تتحوّل إلي ضرر في الشعر الحديث؟ هذه الأسئلة هي مشروع لبحث نقدي ننتظره.ثالثاً: هنا مناسبة لقول كلمة عن القيود التي تزعم قصيدة نثرنا المحلية التملص منها بضربة واحدة. من الصعب بمكان التخلص، في الشعر، من جميع القيود بدفعةٍ سحريةٍ فتانةٍ. يجب التخلص من مبدأ الشعر نفسه والحالة هذه. إن الحديث عن إيقاع داخلي تفترضه غالبية النقود، هو إحالة غير صريحة لمشكلة الإيقاع الذي هو علي أي حال التزام بقيد نغمي وإنْ كان تلقائياً. إنَّ جميع الجناسات والطباقات وما إليها ليست سوي وضع للمعصم، طواعيةً، في قيود قديمة معروفة، وأنّ صياغات النحو نفسه وقوانينه والنَبْر في اللغات هي القيد الأكبر الذي لا فكاك منه، ومنه تطلع من دون شك إيقاعات محددة للغةٍ من اللغات. لا مكان عند استخدام اللغة نفسها لانفلاتٍ مطلقٍ من القيود. في مكان ما ثمة قيد ما تتوجب مراعاته بعناية. غير أن الأهم من ذلك كله أن التحرر من القيود لا يُستهدف لذاته بل لمزيد من العفوية في قول الجوهر الشعري للعالم. ونغامر بالقول أن الالتزام بالقيود الشعرية يصير، مراتٍ، متعةً ما بعدها من متعةٍ وتحدّياً دالاً علي قدرات الشاعر في البقاء، في آن واحد، في نطاق الحرية الشعرية الضرورية، والالتزام بالحدود المسموح بها قواعدياً ولغوياًَ علي الأقلّ. لا تقدر القوانين كبح سجية الشاعر ولجم استعاراته، لأنه يلعب عليها بالمعني الذي يلعب فيه عازف البيانو علي مفاتيح آلته، ويتلاعب بها ويخضعها في النهاية، علي ما يبدو، لهندسة عمله الداخلية.رابعاً: واحد من المنطلقات الأساسية المستترة للفن الشعري الحديث تقوم، في تقديراتنا، علي رفض المنجر النهائي المستتب، محدد الملامح نهائياً والمكتمل Achev، والبقاء قدر الإمكان في اللا مكتمل inachev. وفي هذه العملية تبقي لغة الشاعر وخصوصياته الأسلوبية حاضرة بيقين ودهاء. هذه المفهومة صارت بداهة في فني الرسم والنحت الحديثين. من الواضح أن البقاء في إطار قانون واحد ولغة موحَّدة في كتابة قصيدة النثر العربية هذه يقود مرة أخري إلي (إقامة عمود شعري ثابت)، لا تختلف نزعته المحافظة عن أي عمود معياري ثابت آخر، وفي ذلك نفي لفكرة الحديث والحداثة التي لا تقبل بطبعها الثبات علي نسق واحد معياري. وعلي ما يقول بودريار “ليس للحداثة قوانين ولكن لها وجهات فحسب، إنها ليست نظرية ولكن يوجد منطق للحداثة”. يوجد منطق داخلي للحداثة فحسب. غير أن كتاب ونقاد قصيدة النثر المحلية الحالية يريدون صياغة نظرية نهائية لها. وهو أمر لا نلتقي به في الشعر العربي والعالمي الحديث الذي يتناوب في استخدام جميع الممكنات القادرة علي خلق نص فريد، لا هجر بعضها نهائيا ولا الإصرار علي البعض الآخر نهائياً، حتي فيما يتعلق بالوزن نفسه: القيد الأكبر في الشعر العربي اليوم. قد يكون الشعر العربي القديم قد خضع بدوره لمنطق حداثته الزمنية، فأشعار المتنبي تغترف، من أجل خصوصيتها، من كل ما كان يهيئه لها الشعر في وقته، ولم يبق المتنبي البتة جامداً في إطار العمود المعياري المتفق عليه من طرف نقاده الذين لم يتركوا عاراً وسرقة إلا نسبوها إليه. كان شعرا غير مكتمل بمعني من المعاني. وكان شعراً منفتحاُ علي كل أفق، تقنياً ولغوياً ومعنوياً. كان شعراً حراً إذا شئنا. ومثله كان شعر أبي نواس المتهم بدوره بالخروج علي العمود الجليل النهائي ذاك.في اللغة الفرنسية يُطلق التعبير (غير مكتمل أو غير منجز inachev) علي الجملة التي لم يجرِ التعبير عن أحد عناصرها، ويطلق عليها أيضا اسم الأهليلجية elliptique (الشكل البيضوي الناقص أي ليس الدائرة الكاملة)، وقد استعيرت المفردة في النقد التشكيلي الأوربي للتعبير عن فضيلةِ لوحةٍ أو منحوتةٍ توقّف الفنانُ عن انجازها قبل اكتمالها، كأن عدم اكتمالها يشي بانفتاح علي إمكانيات أخري متجددة قابعة في لا اكتمالها ذاته.ويبدو لنا أن الاكتمال يصيب النص الشعري بالمقتلة، ويجعل منه مراوحة في فضاء ثابت وتكرار مقيم لنصٍّ واحدٍ وحيدٍ بتنويعاتٍ عدة. اللا مكتمل هو إعادةُ تذكيرٍ بجميع العناصر الممكنة في انبثاق النص وتوظيفها من دون إعطاء مفاضلة نهائية لبنُية منضبطة رياضياً وأبدية أو لعنصر منفلت بالمطلق. في صيغة اللا مكتمل نكاد أن نترك الأبواب مفتوحة لجميع العناصر المنقادة انقياداً طالما يمكنها إثراء النص. من حينها سيكون ممكناً إدخال أنواع أدبية أخري بل العناصر البصرية المحض في صلب النسيج اللغوي الشعري. وفي هذا السياق نعرف أن أبيات القصيدة الحديثة غير المتساوية في الطول تمنح العين مشهدا بصريا منذ الوهلة الأولي وقبل قراءتها. إنها صفحة بصرية، مرئية بطبيعتها، مراوغة ومن دون قوانين محسوبة. بل أن اختلاف طول الأبيات وترتيب الكلمات يمنحان العين، وحدهما، معانٍ داخليةٍ بصفتهما وحدات بصرية مستقلة. من هنا انطلق البعض، في سبعينيات القرن الماضي مستهدين بتجارب الشعر الفرنسي، بالحديث عن أهمية البياض في قراءة سواد أحرف القصيدة.انطلاقاً من الشكلي، الضروري منه فحسب لعمل القصيدة، ذهاباً إلي الجوهر المضموني والاستعاري، يمكن الوقوف علي عمل اللا مكتمل الأدبي في مبدأ الاستعارة المنفتحة علي التخوم المتعددة واغترابها عن المعني اليتيم الواحد. إنها تذهب إلي الجوهري، وقد يقع هنا سبب من أسباب أهمية الشعر في الحياة الإنسانية. مع اللا مكتمل يمكن الذهاب في جميع الاتجاهات. لقد كان إثبات (الوزن) أو (القافية) في الخطاب الكلاسيكي نوعاً من (مكتمل) صريح لكن رفضهما خبط عشواء ليس سوي مكتمل من نوع آخر، لان كليهما يلتقيان في تشريع قانون نهائي للقصيدة. لا ينضبط النص الشعري إلا بقوانينه وليس بأي قانون آخر وإنْ استخدمه فهو يستخدمه لصالح أهدافه. هذا الجدل يغيب عن ذهن المولعين بالقواعد أو المولعين بقاعدة تحطيم القواعد.خامساً: إن مأزق بعض مُقعِّدِيْ قصيدة النثر الراهنة كامن في تعبئتهم كل نقد متناقض، ملفق ضد العناصر الشعرية التاريخية المحايدة الطبع، كالأوزان والإيقاعات. يقع الدليل علي مأزقهم النقدي في الحضور الباهر لنصوص معاصرة متقيدة تماماً بالوزن، وبالتوازي مع ذلك غياب الأدلة النظرية والجمالية لديهم في البرهنة علي أن استخدام الوزن أو القافية علي وجه الخصوص، مُصاب بعلل لا شفاء منها في أشعار أدونيس ونزار قباني ومحمود درويش وسعدي يوسف علي سبيل المثال. بصدد هؤلاء الشعراء لا تُقدَّم البراهين، ويظل النقاد أنصار قصيدة النثر الباهتة الراهنة، شبه المترجمة، في مراوحة حذرة بين القبول الضمني بجميع أشكال الشعر الحقيقي والرفض الظاهري الحداثوي الشرس النبرة لكل التقنيات القديمة. بين القبول المبدئي بالشعر الحقيقي والأمل بقصيدة من دون أي قيود ثمة مفارقات ظاهرة لا يُحسد عليها أحد.من جهة أخري، يغدو الاستناد إلي مرجعيات محايدة كالقافية موضع نقد متناقض، تُحشد له كل الحجج الحداثية. ففي شأن (قصيدة نثر بقافية) التي حاولناها قرأنا أنها سجع (أدونيس وغيره) وهي عود غير حميد لفترة تسبق اختراع قصيدة النثر العربية (أمجد ناصر) وهي من دون مستندات نظرية إيقاعية مقبولة وتجسّدات نصية (حاتم الصكر) وهي من دون مرجعيات عربية مؤصلة (شاعر من جيلي) وهي تنويع علي تجارب الرياحنة (هاشم شفيق) وهي مستجلبة استجلابا من دون دواع عضوية (نزار شقرون وغيره) وهي كذلك شكل من أشكال الانحطاط الشعري (د. محمد حسين الأعرجي) ويتوجب أخيراً رميها من النافذة بأسرع وقت ممكن (باسم المرعبي). لقد قيلت غالبية هذه الأفكار علي عجل وبسطور قلائل. ولكي لا يأخذ السجال إلا المنحي الموضوعي غير الشخصي، نسارع إلي القول أن تلك النقود تكشف أن مشكلة الإيقاع الشعري ليست من أولويات الراهن الشعري العربي. لا أولويات علي أي حال في الثقافة العربية بتاتاً.وبعيدا عن الأسماء الواردة أعلاه فإن الحالة الشعرية السائدة تعلن استهانة بمشكلة الإيقاع ومروراً سريعاً عليها وعدم تدقيق بمفهومات كبيرة، ليست القافية إلا مثالا لها فحسب، وفيها عدم كفاية اطلاع علي تجارب الشعراء المحايثين المعنيين بممارسة التجارب الجديدة ولا بمتابعة التطورات التي خضعوا لها. وثمة في منطق الكاتبين في مديح قصيدة النثر المحلية الناقدين لمن يخرج عن عمودها منطق (الموظة) سواءً في الركون إلي مفهومات غير محددة، مكررة، أو في استخدام المصطلحات الغائمة المتمردة علي نفسها، أو في اتخاذ المواقف القلقة.ثمة كذلك تفاؤل مفرط بقصيدةِ نثرٍ محلية مُقعَّدةٍ عبر ممارسات نقدية ونصية ليست جادة أحياناً كثيرة. ممارسات تسعي لتجذير قصيدة نثر مثقلة، بشهادة الوسط الشعري برمته، بأخطاء وهفوات، يقف علي رأسها هجران أصول الفن الشعري لصالح الجهالة، ونبذ الموسيقي الداخلية والخارجية لصالح ما يشبه النشاز، من بين إشكالات أخري.شاعر من العراق وينشر هذا المقال بالتزامن مع صدور مجموعة الشاعر الجديدة عقيق مصري عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر.0