المراوحة في المكان خطيرة علينا

حجم الخط
0

احد الاخفاقات الخطيرة في الادارة الاستراتيجية لحرب لبنان الثانية كان ‘المراوحة في المكان’. كانت هذه في حينه حربا صغيرة، آثارها محدودة يختلف الوضع بالنسبة للمسيرة السلمية. هنا المراوحة في المكان من جانب اسرائيل خطيرة على مستقبلها.
محظور أن نرى في فترة الهدوء الامني اكثر من وضع من الاستقرار المؤقت. مجرد الخطوات العسكرية التي تضطر اسرائيل الى اتخاذها مؤخرا، حتى وان كانت فيها منفعة موضعية، تثبت بان الوضع الامني السياسي بعمومه ليس مستقرا. فعملية عسكرية اسرائيلية ناجحة كفيلة بان تشكل فرصة ذهبية لمبادرة سياسية. وفي نظرة بعيدة المدى، تقف اسرائيل في مفترق بين طريقين: واحد يكمن فيه خطر وجودي، بسبب التطلع العنيد من جانب جهات معادية لابادة الدولة، مع تغييرات تكنولوجية وجغرافية سياسية تضعضع أمننا القومي. والثاني، التقدم على مراحل نحو خليط بين الوضع الثابت المستقر والسلام الحقيقي، العميق.
بعض من عناصر تحقق المستقبل ليس بالضرورة متعلقة باسرائيل. فالمكانة العالمية للولايات المتحدة، التطورات في دول الشرق الاوسط والمحافل غير الدولة العاملة فيه، ووفرة التكنولوجيات الجديدة الفتاكة للناس (مثل الفيروسات في المختبرات) ولكن اسرائيل يمكنها ان تؤثر كثيرا على جهات اخرى تصمم مستقبلها، بما في ذلك المسيرة السلمية. غير أنها تراوح في المكان وهكذا فانها تفوت فرصا حرجة للتأثير على مستقبلها. المثال الابرز على ذلك هو انعدام الموقف الحقيقي من مبادرة السلام السعودية، منذ بدايتها قبل عقد من الزمن.
لا أساس للامل في أن تعمل السياقات التاريخية الهامة لمستقبلنا بقواها الذاتية في صالح اسرائيل. وعليه، فان المراوحة في المكان يضاف اليها اعمال عسكرية لا تلبي احتياجاتنا بل العكس. فالازمات الحالية في دول الشرق الاوسط، مثلا، هي ظاهرة مؤقتة، ولكن قد تنشأ عنها مخاطر حقيقية لاسرائيل اذا استمرت المعارضة لوجودها كدولة يهودية بكامل قوتها. ومع أن الازمات توفر ايضا فرصا للتأثير على مستقبل علاقات الدول العربية مع اسرائيل، ولكن لهذا الغرض مطلوبة مبادرة اسرائيلية كثيرة الزخم. لشدة الاسف، تتخذ اسرائيل ردود فعل تكتيكية على الاحداث ليست سوى شكل خطير من المراوحة في المكان.
على اسرائيل أن تتقدم بمبادرة سلمية حقيقية، تتصدى لجوهر النزاع بعناصره الثقافية، الدينية والنفسية والا، يحتمل أن يأخذ الاخرون المبادرة فيتخذون خطوات لا تكون لصالحنا. لا توجد هنا محاولة لاملاء جوهر المبادرة الاسرائيلية اللازمة، ولكن واضح ان عليها أن تتضمن مبادىء تسوية النزاع والانتقال على مراحل الى سلام مستقر وعميق. على هذه المبادىء ان تلبي الاحتياجات الاساسية لاسرائيل، بما فيها امنها، ومع ذلك عليها أن تكون ذات احتمال للقبول كاساس لمفاوضات جدية وخطوات عملية قابلة للتحقق.
لدي توصيات للمبادرة ولكن يمكن ايضا بلورة مبادرات اخرى. افضل في نظري مبادرة اسرائيلية جوهريا لا اؤيدها (على أن تكون درست بعناية) على استمرار المراوحة في المكان.
كل مبادرة اسرائيلية جدية تستدعي قرارا واضحا: ماذا نريد، قيميا وعمليا. هذا حسم اجتماعي وسياسي متطلب. على رؤساء الحكم في اسرائيل أن يتخذوا قرارا أليما في ضوء عدم اليقين الشديد. عليهم أن يجندوا دعما اجتماعيا وسياسيا يمكن بناء ائتلاف داعم. اذا لم نتصرف هكذا، اذا امتنعنا عن بلورة مبادرة سلام اسرائيلية ووصلنا المراوحة في المكان، فاننا نعرض للخطر مستقبلنا ونتخلى عن أحد مبادىء الصهيونية: وجود قدرة الشعب اليهودي في دولته في التأثير الحقيقي على مستقبله.

هآرتس 9/5/2013

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية