المدّعي العام .. ومعركة الفئران
المدّعي العام .. ومعركة الفئران كانت جدتي تردد علي مسامعي دوما مقولة شعبية، تحمل في طياتها سخرية عظيمة من حال الفقر، الذي كان وما زال معظم شعبنا يعيشه.. حيث كانت تقول: يا ستّي الفار ما بعيش في بيت واحد فقير (…) والفيران لو دخلت في بيت أسرة فقيرة ما راح يطيبلها العيش فيه.. وراح تخرج بسرعة منه لأنها ما راح تلاقي هناك اشي توكله . كنت في عقلي اصدّق تلك المقولة، لأنني كنت وعن قرب اعرف واري أن بيوت الفقراء تخلو من كل المغريات، التي تجعل الفئران تستوطن فيها.. ولكنني وعلي ارض الواقع أيضا كنت أري جماعات الفئران تدخل وتخرج من بيتنا الصغير الكائن في المخيم.. وكانت تتسبب لنا بخسائر فادحة لأنها كانت تقرض ملابسنا القليلة، أو فراشنا البسيط الذي كنا نحشوه بالعادة بالقطن الناتج عن طحن الملابس القديمة..مسكينة جدتي ماتت قبل أن تري كيف تغوّلت وتوحّشت الفئران البشرية في بلادنا، حتي أصبحت جرذانا عملاقة.. لم تنهش فقط قوت أطفالنا ونساءنا وشيوخنا ومرضانا وعمالنا ومزارعينا وطلابنا واسر أسرانا وشهداءنا.. بل وقرضت حتي لحومنا… ومسكين هذا الوطن وهذا الشعب كم تألم من نهش فئرانه الملعونة لجسده النحيل الذي يشبه إلي حد كبير بيت الفقير.كنا نظن أن حياتنا تحت الاحتلال، وانخراطنا في النضال ضده، سيجعل الفئران تخجل من نفسها وتتركنا لبلاوينا.. وكنا نعتقد أن فقر سلطتنا سيجعلها بمنأي عن الجرذان العملاقة وغير مغرية لها للتوطّن فيها.. لكننا اكتشفنا أن فئرانا صغيرة ـ بعضها جاءنا من الخارج كالمفجوع يلتهم بشراهة كل ما يجده.. وبعضها كان يعيش فينا ويقتات علي بعض ما يتيسر له أو يستغفلنا ويأخذه ـ اكتشفنا أن هذه الفئران الصغيرة قد نمت وترعرعت في ربوع بلادنا الحزينة.. حتي وصلت بها الجرأة لتتبختر علنا ودون خوف، بل ان قططنا الهزيلة المقلمة الأظافر، صارت تتمني لو تقبل تلك الجرذان صداقتها، وتحن عليها فتعطيها ما يسد جوعها ويرويها، أو في أحسن الأحوال صارت تتجنبها وتتحاشي لقاءها، كي لا يصيبها منها ما يؤذيها.والفئران في بلادنا اليوم أشكال وأنواع.. فمنها الأبيض المتأنق ومنها الرمادي المتحذلق.. ومنها الصغير الذي يسرق ويختبئ في الجحور حتي لا تراه الأعين.. ومنها الجرذان الكبيرة المتوحشة، التي نهبت أو أهدرت مئات ملايين الدولارات من أموال الشعب واستنزفت حجما كبيرا من مقدرات الشعب.خالد منصورمدير فرع نابلس في الإغاثة الزراعية6