اللعنة الطائفية
محمد كريشاناللعنة الطائفيةقبل يومين كتب رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سليم الحص مقالا مؤثرا بجريدة السفير تحدث فيه بألم وحرقة عن التصنيفات الطائفية التي باتت متوغلة في حياتنا السياسية الحالية بين المسلمين بين سنة وشيعة وما يحمله ذلك من نذر شؤم اكتوي لبنان بنارها لسنوات وها هو العراق الآن علي الطريق إذا لم يعمل العقلاء علي وأد فتنة مدمرة لا تعكس فقط ضيق أفق وتعصب يلغي العقل بل وحتي الإيمان بالدين الحنيف نفسه.كل العراقيين الذين تعرفهم أو تلتقي بهم لا يختلفون في معظمهم في القول إن هذه النعرة الطائفية البغيضة والمتخلفة بين سنة وشيعة لم يكن يعرفها أبناء العراق أبدا، وعلي حد قول أحدهم فأنت لا تعرف دين أحدهم أو مذهبه إلا بعد أن توافيه المنية في ضوء ما يقام له من مراسم، وكان الأهالي ينهرون أولادهم إذا ما عن لأحدهم أن يسأل عن شيء من هذا القبيل. حتي الرئيس العراقي السابق وما عرف به عهده من جور واستبداد لم يكن طائفيا، علي عكس ما يروجه البعض، بمعني أن الولاء لشخصه ونظامه هو الميزان الذي تقاس به كل الأمور عنده وليس اعتناق هذا أو ذاك للدين الفلاني أو المذهب العلاني.هذه الطائفية المقيتة فيروس كريه حمله العائدون علي ظهور الدبابات الأمريكية لأنه يمكن أن يشكل وقودهم الوحيد إن هم عملوا علي إذكاء المخزون الديني الكامن في كل شخص بطريقة انتقائية لئيمة وإقصائية حتي بات الانتماء للطائفة يتقدم عن كل ما عداه والولاء لها يتفوق عن الولاء للوطن والدين نفسه. هذا ما كشفته أحداث عديدة كان آخرها الاعتداء المدان علي المراقد في سامراء وما فجره من أعمال قتل وانتقام لم تراع لبيوت الله حرمة فنهب منها ما نهب وحرق منها ما حرق وسط حديث معيب عن مساجد للسنة وأخري للشيعة، وهي أعمال لم تتجرأ علي ارتكابها بهذه الفظاعة والاتساع قوات الاحتلال نفسها التي كان يشهر بها لاقتحام مسجد هنا أو هناك أو إهانة للمصحف الكريم فإذا بمن تمكن به جن الطائفية وتلبـّــسه يفعل ما هو أشنع وألعن. من الصعب إقناع العالم بعد كل هذه الضغينة والحقد المقيتين أن مصيبة العراق هي في بقاء الاحتلال، بل إن ما يحصل لن يصلح إلا لإطالة أمده وليس من الصعب أبدا السعي للترويج بأن أبناء العراق يحملون لبعضهم من الكراهية ما يجعل مغادرة القوات الأجنبية إشارة الانطلاق لحرب تصفية مذهبية واسعة لا تبقي ولا تذر. لقد نفخ الطائفيون العائدون إلي العراق في نار هذه الفتنة التي عمل علي إيقاظها من رماد التاريخ الغابر المحتلون ثم زاد في إذكائها والانخراط فيها جماعة الزرقاوي ومن يوصفون بالتكفيريين الذين تقدمت عندهم مقاتلة الشيعة عما عاداه من قتال، فيما تسرب الفيروس الطائفي إلي المؤسسة الأمنية التي تحول قسم كبير منها تدريجيا من صمام أمان وملاذ يحمي أمن الناس عامة إلي عصابة طائفية لتصفية حسابات قديمة وجديدة وكثير منها لحسابات غير عراقية أصلا.و إذا لم يكن أمام العراقيين أو اللبنانيين من خيار سوي التصالح مع تاريخهم والعيش المشترك في دولة عصرية تحمي قوانينها ومؤسساتها المواطن مهما كان دينه ومذهبه فإنه من العبث الخطير ترك فيروس الطائفية يمتد الآن إلي الساحة الفلسطينية عبر هذا الحديث عن مجلس شيعي مصطنع لن يزيد الأمور إلا سوءا في ساحة لا ينقصها التوتر أصلا. لهذا فلا مفر الآن لهم سوي السعي الدؤوب والصعب لإعادة مارد الطائفية إلي قمقمه لأنه إذا تعملق أكثر وغذته أحقاد الساسة والمتاجرين بالسياسة وأطماع القوي الكبري فسيكون ذلك تسونامي المنطقة المقبل ربما بما لا يبتعد كثيرا عن مأساة رواندا المخجلة أواسط تسعينات القرن الماضي… لا سمح الله. 9