القدس العربي تنفض الغبار عن الاسرار.. نفط العراق لم يعوضه السعوديون ولا الكويتيون ولا الأمريكيون

حجم الخط
0

القدس العربي تنفض الغبار عن الاسرار.. نفط العراق لم يعوضه السعوديون ولا الكويتيون ولا الأمريكيون

صدام لأبو الراغب قبل الحرب: الأردن الضعيف إقتصاديا هو الوطن البديل ولولا الحصار الظالم لارسلنا كل حاجتكم من النفط مجانا القدس العربي تنفض الغبار عن الاسرار.. نفط العراق لم يعوضه السعوديون ولا الكويتيون ولا الأمريكيونعمان ـ القدس العربي ـ من بسام البدارين: عندما استقبل الرئيس العراقي السابق صدام حسين عام 2000 رئيس الوزراء الأردني أنذاك علي أبو الراغب في أحد قصوره الجمهورية كان الأخير قد خرج للتو من جلسة حوار صاخبة مع طه ياسين رمضان وطارق عزيز عنوانها سيناريوهات الحرب وقرار 1284 الخاص بالمفتشين.في تلك اللحظات العصيبة كان ابو الراغب أول رئيس وزراء عربي يزور بغداد رسميا منذ سنوات الحصار الطويلة ورؤيته التي تحدث بها مع رمضان وعزيز كانت تقضي بان يوافق العراقيون علي القرار الدولي الجديد ويسمحون للمفتشين بالعودة ملمحا الي ان سيناريو العمل العسكري جاهز ويعد له ضد العراق ومتحدثا بجرأة في هذا الموضوع بإعتباره من السياسيين الأردنيين الذين ربطتهم دوما علاقات طيبة ببغداد.موقف رمضان كان قاسيا للغاية فقد سأله أبو الراغب: هل يوجد لديكم ما تخفونه من أسلحة يتحدث عنها الامريكيون فرد رمضان بالنفي: إذا لماذا لا تقومون بمبادرة وتسمحون للمفتشين بالعودة ـ قال ابو الراغب ـ فرد رمضان بعبارة حادة قائلا: لن يحصل ذلك حتي لو قامت حرب عالمية ثالثة.. انذاك ابلغ ابو الراغب بأنه سيجرب طرح الموضوع مع الرئيس مباشرة في لقائه التالي به حيث ان عمان في ذلك الوقت كانت تسعي لإن تقوم بدور وساطة يبعد شبح الحرب.وعندما قابل ابو الراغب صدام حسين حاول طرح الموضوع لكن الأخير أبلغه بان باب النقاش مغلق في هذه القضية ففهمت الرسالة من الجانب الأردني وخطط صدام بعناية لحظتها للالتفاتة سريعة نقل بها مجريات الحوار فقد قال لأبو الراغب بالحرف الواحد هل تعلم لولا الحصار الظالم لأرسلنا لكم كل النفط الذي تحتاجونه في الأردن مجانا فأنتم أخوة لنا . وبعد لحظات كشف صدام عن نظريته في دعم الأردن نفطيا فقال: بلدكم يجب ان يبقي قويا إقتصاديا ففي أي حالة يضعف بها إقتصادكم سيحاول الأشرار حل القضية الفلسطينية علي حسابكم وسيصبح هناك بديل وسيبتعد حلم الشعب الفلسطيني البطل في تحقيق دولته المستقلة. وأردف صدام حسين لذلك أقول جادا لولا الحصار لما إكتفينا بالنفط التشجيعي لكم ولأرسلنا حاجتكم مجانا فأنتم منا ونحن منكم.ويظهر هنا ان صدام حسين وفي هذا اللقاء فقط تقريبا كشف عن خلفيات نظريته في دعم الأردن نفطيا طوال سنوات. وفي الواقع يشارك أردنيون كثيرون الآن ومنذ سنوات الرئيس صدام في قناعته بخصوص الملف الإقتصادي الأردني وتأثيره علي مجريات القضية الفلسطينية ويبحث كثيرون عن ذلك السر الغريب الذي يدفع الأمريكيين لإبقاء الأردن ـ أحد اهم وأقرب حلفائهم في المنطقة ـ علي الحافة بالنسبة للموضوع الإقتصادي. وإستحضار تفاصيل الكلام الذي دار بين صدام وأبو الراغب عندما كان الأخير رئيسا للوزراء له ما يبرره في الواقع عند بروز اي محاولة في عمان الآن لطرح ملف صدام حسين الرئيس الأسير الآن، فالرجل إستقبل قبل أيام فقط نقيب المحامين الأردنيين صالح العرموطي داخل زنزانته الامريكية وطلب منه نقل العبارة التالية: إرسل تحياتي لسماء وهواء وأرض الأردن قيادة وشعبا. ومشاعر صدام تجاه الأردنيين لها في الواقع ما يبررها فمحاموه الأردنيون والعرب والعراقيون لم ينقلوا عنه بعد السجن اي عبارة تفصل بين الأردن والقيادة اوتحرض للشاعر علي الحكومة في عمان كما كان يفعل طه ياسين رمضان الذي طلب من الأردنيين عشرات المرات الخروج للشوارع للتظاهر وهو ما لم يفعله صدام ليس لإن الأردن وقف مع العراق سبع سنوات عجاف في الحصار كما يشهد الدكتور سطام الكعود أحد رموز العلاقة الأردنية العراقية وليس لإنه ـ اي صدام ـ يتحرك أردنيا في سياق علاقة مضادة لإسرائيل ـ ولكن لإن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وفي حادث مشهود أرسل شقيقه الأمير علي بن الحسين لإحضار كريمتي صدام رغد ورنا صدام حسين مع تسعة أحفاد وإحتضنهما في مقر الضيافة الملكي ثم رتب لهما منزلا فخما للإقامة في عمان مع حراسات خاصة ومبلغا ماليا ضخما يعرف تفاصيله محامو صدام حسين. وهذه الكيمياء في العلاقة بين الأردنيين وصدام حسين كان لها دوما ما يبررها وكانت حاضرة في المشهد بالرغم من الخلافات السياسية وبالرغم مما يقال عن تسهيلات أردنية خلال الحرب الأخيرة علي العراق فـ القدس العربي إستمعت مباشرة لرئيس وزراء أردني زارته وهو يعترف بان الأردن فقد الكثير إقتصاديا بغياب صدام حسين كاشفا في لحظة مشحونة عاطفيا بان أيام صدام حسين كانت أفضل لنا في الأردن من كل الأيام التي بعده، وقائلا بلهجة محلية عبارة معروفة تقال في مثل هذه الحالات وهي.. سقا ألله أيامك يا أبو عدي ومضيفا وهو يوجه كلامه لـ القدس العربي مع ملاحظة بان ما سيقوله ليس للنشر: بصراحة كان صدام يساعدنا كثيرا وقد خسرناه في موضوع النفط. وهذه الكيمياء كان لها في الواقع جذور في التاريخ فإحدي الروايات المتداولة دوما في وسط نخبة عمان عن الأيام الخوالي التي كانت العلاقة فيها مع صدام إستراتيجية. وتقول الرواية ان صدام حسين في احدي السنوات إتصل بالملك الراحل الحسين بن طلال في لحظة أردنية كانت حرجة جدا ماليا وليس إقتصاديا، وطلب صدام من الملك إرسال إثنين من ضباط الجيش الأردني لبغداد فورا بدون الإفصاح عن ما يريده.. ويقال علي ذمة جنرال سابق روي الحكاية لـ القدس العربي ان الضابطين توجها لبغداد بطائرة مروحية وعادا برفقة حقائب فيها خمسون مليون دولار لدعم الخزينة الأردنية. ويقال ان رئيس الوزراء الحالي معروف البخيت كان واحد من الضابطين.وقي التاريخ أيضا يتردد ان الملك حسين لم يكن راضيا عن تنظيم لقاءات بين صهر صدام حسين الجنرال القتيل حسين كامل الذي لجأ لعمان هاربا عام 96 وبين دبلوماسيين غربيين وان الملك علم بأن كامل قرر مغادرة عمان والعودة لبغداد فوصفه بوصفة مهينة .وهذا النمط من العلاقة يوضح الكثير من الملابسات فصدام حسين المسجون حاليا يرسل في كل مناسبة تحياته للأردنيين قيادة وشعبا وخلافا للكثير من العراقيين لم يتهم الأردن بالمشاركة في المجهود ضد حكومته ونظامه. ومن الواضح انه ابلغ بتأثره الشديد بمبادرة الملك عبدالله بإرسال شقيقه الأمير علي لإحضار بناته واحفاده لعمان وحمايتهم. ورغم ان الصحافة الأردنية التي بني صدام حسين للعشرات من قادتها بيوتا في عمان في الثمانينيات لم تعد تذكر الرجل بالخير علي الإطلاق إنما لا تذكره بالسوء ايضا فالإساءة الشخصية لصدام وعائلته تعتبر غير مقبولة حكوميا في عمان في حين يوجه اعضاء بارزون في البرلمان مثل خليل عطية تحياتهم للرئيس صدام حسين في كل مناسبة ولقاء عام.وبسبب الحساسيات والإعتبارات المفهومة لا مجال لذكر محاسن صدام حسين كثيرا علنا الآن لكن لا مجال بالمقابل للتركيز علي مساوئ الرجل بالوقت نفسه وفي وجدان غالبية السياسيين المخضرمين والقدامي لصدام حسين مكانة خاصة يحتفظ البعض فيها بالصدور ويستثني من ذلك تيار الديجتال من الرموز السياسية التي لا يعنيها لا صدام حسين ولا المعادلة القومية برمتها في زمن الإنترنت والغرف الإلكترونية الصغيرة.ولا زالت شعبية صدام صلبة في أوساط الجمهور والأحزاب والمئات يتابعون جلسات محاكمته عندما تبث وإسمه يتردد حتي الآن في المنابر والندوات والشاشات والمنتديات ورغم ان الخطاب الرسمي متحالف تماما مع العملية الأمريكية في العراق او لايعارضها إلا ان احدا في نخبة الحكم الرسمية لا يوجه نقدا مباشرا وعلنيا للرئيس صدام او لعهده. ولم تثبت حتي الان صدقية أي من النظريات التي راجت منذ عام 1994 والتي تقول بان التحالف مع صدام حسين ينطوي علي خسارة إقتصادية خلافا للإنتقال من دائرته نحو دائرة دول الخليج مثل السعودية والكويت فلم تعوض اي دولة عربية غنية حتي الان الأردنيين عن نفطهم الذي كان يقدمه صدام ولم يفعل الأصدقاء الأمريكيون وكذلك لم يفعل الأصدقاء من حكام العراق الجدد وكل ما حصل مساعدات موسمية غير قابلة للتكرار قدمتها السعودية والكويت والإمارات. وإنطلاقا من هذه الوقائع والحقائق يمكن تفهم بعض الهوامش الرسمية الأردنية سواء تلك التي سمحت لأكثر من ثلاثين لجنة شعبية بالنشاط ايام الحصار او التي سمحت بتحويل عمان لمركز خاص بالدفاع القانوني عن صدام حسين، فالرجل بالنسبة لغالبية الأردنيين قد يكون إرتكب خطايا مع شعبه او تسبب بكوارث علي الامة كما يقول البعض لكنه علي الأقل كان داعما قويا وكريما للأردنيين ولم يسجل عليه خلاف ذلك لا أيام عزته وقوته ولا أيام ضعفه وأسره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية