‘القاعدة’ لمواجهة ثقافة الغرب قبل ‘اسرائيل’

حجم الخط
1

قالها وليم هيغ بصراحة عقب اجتماع وزراء خارجيـة الدول الثماني في لندن: ‘ليس لديّ اخبار سارة للمعارضة السورية بشأن رفع الحظر عن توريد الاسلحة اليها’. لماذا؟ ‘لأن العالم منقسم حول معالجة الازمة السورية’.
لعل احد ابرز اسباب الانقسام تعاظمُ دور ‘جبهة النصرة’ في الحرب التي تعصف ببلاد الشــام ومبايعتها امير ‘القاعدة’ الدكتور ايمن الظواهري. هذان التطوران عززا مخاوف دول اوروبا وامريكا من احتمال سيطرة الإسلاميين المتطرفين المتهمين بممارسة الارهاب على المناطق التي تنشط فيها المعارضة المسلحة في سورية.
التخوّف من ‘القاعدة’ تبدّى في البيان الصادر عن وزراء الدول الثماني. فقد جدّدوا ‘التزامهم دعم التحول السياسي بقيادةٍ سورية وجهود المبعوث الدولي والعربي الاخضر الإبراهيمي استنادا الى المبادئ المنصوص عليها في اتفاق جنيف، وعلى ما يلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري وتمكينه من تحديد مستقبله بشكل مستقل وديمقراطي’.
العودة الى تغليب الخيار السياسي على الخيار العسكري تريح الإبراهيمي وتعيد اليه الامل بجدوى مهمته، وقد تدفعه الى سحب تهديده بالاستقالة، ذلك ان صحيفة ‘السفير’ اللبنانية نسبت الى مصادر ديبلوماسية في القاهرة ان الإبراهيمي يتجّه جدياً لتقديم استقالته من مهمته في موعد اقصاه الثامن عشر من ابريل/نيسان الجاري. المبعوث الاممي لم ينفِ الخبر ولم يؤكده.
لماذا يتجّه الإبراهيمي الى الاستقالة؟
السبب الرئيس، بحسب المصادر الديبلوماسية عينها، هو’تسليح المعارضة السورية الذي اطاح فرصة التسوية السياسية’. لكن وزراء خارجية الدول الثماني عادوا في بيانهم الى تغليب الخيار السياسي، كما ان مسؤولين امريكيين واوربيين جاهروا بمخاوفهم من وصول اسلحة نوعية الى ايدي مجموعات موالية لـ’القاعدة’. فهل هذان التطوران اللافتان كافيان لحمل الإبراهيمي على إعادة النظر باستقالته المحتملة؟
إن عودة ‘القاعدة’ الى الأضواء، اعلامياً وميدانياً، تطرح سؤالاً متواتراً حول موقف هذا التنظيم من الغرب و’اسرائيل’، كما حول موقف كل منهما من ‘القاعدة’ وسائر تنظيمات ‘الإسلام الجهادي’.
ثمة فكرة شائعة تصل احياناً الى مستوى اتهام ‘القاعدة’ وفصائل ‘الإسلام الجهادي’ بأنها لا تقاتل ‘اسرائيل’ بل تركزّ حربها على أنظمة غير دينية يوالي معظمها الغرب بصورة عامة.
الحقيقة ان بعضاً من فصائل الإسلام الجهادي يقاتل ‘اسرائيل’ بضراوة، شأن حركة ‘الجهاد الإسلامي’ وحركة ‘حماس’، وان بعضها يقف ايضاً موقفاً معادياً للغرب. غير ان معظم هذه الفصائل يمكن تصنيفها بأنها تكاد تكون متخصصة في مقاومة الانظمة الموالية للغرب في عالم العرب والإسلام. ألم يبدأ نشاط ‘القاعدة’ ميدانياً بمقاتلة الوجود السوفييتي ‘الملحد’ في افغانستان، لتتحوّل لاحقاً عبر ‘طالبان’ الى مقاتلة نظام كرزاي الموالي لأمريكا؟
ثقافة الغرب هي العدو الاول للإسلام الجهادي، ومن ضمنه ‘القاعدة’، كما الانظمة والمنظمات التي تتشرب ثقافة الغرب وتجاريها.
مصالح الغرب وسياسته ليست، في مفهوم ‘القاعدة’، اخطر من ثقافته. بالعكس، ثقافة الغرب هي موّلدة مصالحه وحاميتها من خلال انظمة ومنظمات ومؤسسات واجهزة محلية تلتزم هذه الثقافة او تناصرها وتجاريها.
اذا كانت ‘اسرائيل’ ابنة الغرب وثقافته وسياسته ومصالحه، فإن مقاتلة الغرب تكون، والحالة هذه، اولوية أُولى بحسب مفهوم ‘القاعدة’ ومعظم تنظيمات الإسلام الجهادي. بكلامٍ آخر، مقاتلة الاب تتقدم على مقاتلة ابنته لأن الأصل أخطر من الفرع.
هذا التفكير ‘الاسلاموي’ الساذج يُوقِع ‘القاعدة’ وبعض فصائل الاسلام الجهادي في تناقض وحرج شديدين. ذلك ان لـ ‘اسرائيل’، بما هي ابنة الغرب، دوراً في المنطقة العربية يعادل في خطورته دور الغرب الاطلسي بل يتفوّق عليه احياناً. فهل يعقل ان تنخرط هذه الفصائل في حروب مع انظمة ومنظمات تقاوم ‘اسرائيل’ والغرب في آن؟
الى ذلك، ثمة مفارقة لافتة. فالغرب الذي يعادي سورية ونظامها، كما حزب الله في لبنان، ويساند المعارضة السورية المسلحة، بدأ يعيد النظر بسياسة دعم التعاون القائم بين ‘الجيش السوري الحر’ و’جبهة النصرة’، رغم محدودية هذا التعاون.
فما هو موقف التنظيمين المعارضين من هذا التطور؟
رئيس ‘الإئتلاف الوطني السوري’ احمد معاذ الخطيب اعلن في حسابه على ‘فيسبوك’: ‘إن خط ‘القاعدة’ لا يناسبنا وعلى الثوار ان يأخذوا موقفا’…
ماذا عن ‘اسرائيل’؟
‘اسرائيل’ لا تشارك مسؤولي الغرب الأطلسي تحفظهم تجاه ‘القاعدة’ والتنظيمات الموالية لها. ذلك ان رئيس الطاقم السياسي ـ الامني في وزارة الدفاع الإسرائيلية الجنرال عاموس غلعاد اكّد تفضيل حكومته لتنظيم ‘القاعدة’ في سورية على نظام الاسد ‘ومحور الشر’. فقد اعلن في مقابلة مع موقع صحيفة ‘يديعوت احرنوت’ (9/4/2013) انه ‘حتى لو تفككت سورية الى اجزاء مختلفة، وحتى لو ادى هذا التفكك الى استقرار تنظيم ‘القاعدة’ في هذه الدولة، إلاّ ان ‘اسرائيل’ تفضل ذلك على بقاء نظام الرئيس الاسد لأن محور الشر (تحالف ايران وسورية وحزب الله) مخيف’.
رئيس هيئة الاركان المشتركة الامريكية الجنرال مارتن ديمبسي تخوّفَ من احتمال ‘دخول سورية في نزاع مستمر، حيث يجد النظام نفسه ولعقود في مواجهة عصيان مسلح’. قال إن الوضع الميداني، الى كونه مأسوياً، هو من اكثر الاوضاع تعقيداً التي رآها في حياته، وذلك في اشارة الى تعدد القوى المتصارعة ودور القوى الخارجية في الصراع ووجود الاسلحة الكيميائية، الى وجود عناصر معارضة مسلحة تتناقض مصالحها مع مصالح الولايات المتحدة مثل تنظيم ‘القاعدة’ الذي صنّفته واشنطن تنظيماً ارهابياً.
يبدو ان تخوّفات الجنرال ديمبسي حملت ‘اسرائيل’ على اعادة النظر بموقفها من ‘القاعدة’. فقد كشفت صحيفة ‘يسرائيل هيوم ‘ (11/4/2013) ‘ان جهاز الأمن العام (الشاباك) قام في 19 مارس/آذار الماضي باعتقال الشاب حكمت مصاروة من مدينة الطيبة في منطقة المثلث بشبهة الانضمام إلى تنظيم جهادي بعد تسلله إلى سورية، وان النيابة العامة الإسرائيلية قدمت إلى المحكمة المركزية في اللد لائحة اتهام ضده تتضمن تهماً بارتكاب مخالفات أمنية وجنائية تتعلق بالاتصال بعميل أجنبي، والخضوع لتدريبات عسكرية محظورة بعد انضمامه إلى مجموعة متمردين تحارب ضد النظام السوري’.
أضافت ‘ ثمة ظاهرة في الآونة الأخيرة فحواها خروج مواطنين عرب من ‘إسرائيل’ إلى حلبة الجهاد في سورية من أجل المشاركة في القتال الذي يخوضه المتمردون ضد النظام السوري، وشددت على أن المؤسسة الأمنية في ‘إسرائيل’ تعتبر هذه الظاهرة خطرة للغاية، وترى أن تفاقمها من شأنه أن يشكّل خطراً حقيقياً على أمن الدولة’.
بالتزامن مع هذه التطورات، قال الرئيس باراك اوباما، عقب استقباله الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون، إن الوضع في سورية وصل الى ‘مفترق خطير’.
ترى، هل ‘المفترق الخطير’ يؤدي الى موقف امريكي حاسم من النظام السوري ام الى موقف صارم من ‘القاعدة’ وسائر فصائل ‘الإسلام الجهادي’ الناشطـة في حرب استنزاف سورية؟

‘ كاتب لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ثائر:

    القاعده عدو للانسان بكل أطيافه

إشترك في قائمتنا البريدية