الرهان على صاحب ‘الجنة الآن’ الفلسطيني هاني ابو اسعد واختراق فيلمه الجديد ‘عمر’ القائمة الذهبية للمسابقة الرسمية في الدورة السادسة والستين لمهرجان كان السينمائي (ما بين 15 و26 الشهر الجاري) لم يتحقق.
بيد ان الشريط وجد مكانا ضمن جدولة عروض خانة ‘نظرة ما’ التي يتراس لجنة تحكيمها المخرج الدنماركي توماس فينتربيرغ المتمتع بالنجاحات الباهرة لعمله الاخير ‘القنص’. يعني الامر، ان نص ابو اسعد وصل الى القوائم العليا، قبل ان تزاحمه عناوين مخرجين يهواهم المندوب العام النافذ تييري فريمو وفريقه، ما يفسر برمجته ضمن الخانة الموازية للمسابقة، حيث ان الاولى تساوي الثانية في القوة الاعلامية، ولا تختلف كثيرا عن رونقها الدعائي. الاختيار وموقع المشاركة، يشيران الى قوة حكاية ‘عمر’ ودراميته وصنعته، من دون اغفال سهامه السياسية التي ربما ستحدث جدلا في نواصي وصالات الكروازيت. لنا عودة نقدية للشريط بعد عرضه الصحافي.
ما يشفع لنا، ان المخرج التونسي الموهوب عبد اللطيف كشيش، الذي عرف اطراءات نقدية واسعة النطاق لافلامه ‘خطا فولتير'(2000)، و’سمك بالكسكسي'(2007)، و’فينوس السوداء'(2010)، سيتسابق مع قامات سينمائية مشهود لها ضمن المسابقة الرسمية بجديده ‘حياة اديل'(عنوانه الاخر: ‘الازرق هو ادفا الالوان’) الذي يعرض حكايات متداخلة لهيام صبية باريسية باخرى والسبب … ان صبغة شعر الاخيرة زرقاء! ما يحدث ان اديل (الممثلة ليا سايدو) البالغة من العمر الخامسة عشرة، تكون على موعد لاكتشاف رغباتها وهواجسها الجنسية والعاطفية، ايذانا بدخولها عالم البلوغ وامساكها بشخصيتها وقراراتها الحاسمة والمؤلمة. كشيش سيكون السينمائي العربي الوحيد ضمن المتنافسين على جائزة السعفة الذهب الذائعة الصيّت، ولكن تحت اسم فرنسا حيث يقيم!.
ابو اسعد الذي ولد في الناصرة عام 1961، وفاز بجائزة الـ’غولدن غلوب’ الامريكية عام 2006 عن الفيلم اعلاه، قبل ان يترشح الى جوائز الاوسكار لاحقا, قدم جديده ‘عمر’ في سوق الفيلم على هامش مهرجان برلين السينمائي الاخير لمشترين دوليين فقط، بيد ان الصحافة المختصة سارعت الى الاشارة اليه، باعتباره ‘اول فيلم روائي يُنجز باموال فلسطينية وطنية’، عبر شركة المنتج وليد زعيتر (يؤدي شخصية رامي في الشريط) وزميله الامريكي ديفيد غيرسون، وبمساعدة من برنامج ‘انجاز’ لدعم المشاريع قيد الانجاز التابع الى مهرجان دبي السينمائي. تدور الحكاية حول عامل المخبزة عمر (ادم بكري) الذي يتفادى رصاص القنص الاسرائيلي يوميا، عابرا جدار الفصل العنصري، للقاء حبيبته نادية . بيد ان الامور تنقلب حينما يعتقل العاشق المناضل من اجل الحرية خلال مواجهة عنيفة مع جنود الاحتلال، تؤدي به الى الاستجواب والقمع. ممزقا بين الحياة والرجولة، يكون عمر على موعد مع شكوك الخيانة واللا ثقة التي يواجهها من صديقيّ عمره امجد والشاب المتشدد الاخر طارق شقيق حبيبته. تتماهى المشاعر الممزقة لعمر مع المشهد الفلسطيني المعاصر حيث الشقاق في كل مكان، لكن ما هو موكد ان ما يفعله الشاب هو تعبيرا مطلقا عن حبه. نقلت صحيفة ‘سكرين انترناشونال’ السينمائية البريطانية عن ابو اسعد قوله: ‘لقد كتبت حكاية هذا ‘الحب المجنون’ للمشاهدين في كل ركن من اركان العالم’. هناك مشاركة فلسطينية اخرى للثنائي محمد واحمد ابو ناصر عنوانها ‘كوندوم ليد'(14 دقيقة) ضمن فقرة ‘سينيفاونديشن’ لدعم المواهب الشابة والافلام القصيرة التي ترأس لجنة تحكيمها صاحبة ‘درس البيانو’ و’بورترية سيدة’ المخرجة النيوزيلندية الشهيرة جين كامبيون. وتم اختيار قائمة هذا العام التي تضم 18 فيلما من ضمن 1550 مشاركة، قدمتها 277 مدرسة عالمية.
الى جانب ابو اسعد وفي الخانة ذاتها، يشارك العراقي الكردي ـ الفرنسي الاقامة والهوية هونير سليم الذي اشاد النقاد باعماله السابقة مثل ‘تحيا كردستان'(1997)، و’فودكا بالليمون'(2003)، فيقدم نصه ‘اغا’ من بطولة الايرانية الموهوبة غلشيفته فراهاني التي عملت معه في نصه السابق ‘اذا مت، ساقتلك!'(2011). تؤدي هذه المرّة شخصية المعلمة الشابة ‘جوفيند’ التي تلتقي بالشاب ‘باران’ في احدى قرى كردستان العراق النائية عند الحدود مع ايران وتركيا. هذا الاخير، هو مقاتل من ‘البيشمركة’، كُلف بتسلم مركز اداري فيها، اثر سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين. مشكلة العلاقة الوليدة ان هناك اثني عشر شقيقا لـ’جوفيند’ يقفون لهما بالمرصاد>
ملصق الدورة، حمل القبلة الاثيرة بين النجم الامريكي بول نيومان وزوجته الممثلة جوان وودورد ماخوذة من فيلمهما ‘نوع جديد من الحب’ الذي اخرجه ميلفيل شافلسون العام 1963. اعتبر القائمون على المهرجان ان الاختيار يمثل تحية لهما، حيث سبق لكان ان كرمهما في العام 1958، تاريخ زواجهما، بعرض شريطهما الاول معا ‘صيف طويل قائظ’ للمخرج مارتن رت ضمن المسابقة الرسمية، وتكرر الامر معهما عامي 1973 و1987 . بيد ان التكريم الاهم سيكون من نصيب مواطنتهما النجمة كيم نوفاك التي اختيرت ضيفة شرف الدورة. ولن يختلف اثنان على تاريخية حضورها حفلة العرض العالمي للنسخة المرممة والكاملة لشريط البريطاني الفريد هيتشكوك ‘فيرتيغو’ (1958) الذي اعتبره النقاد اخيرا اعظم النصوص في تاريخ السينما قاطبة، والتي شاركت فيه جيمس ستيوارت البطولة. الضيف الثالث، ستكون السينما الهندية (بعد مصر والبرازيل) بمناسبة مرور مائة عام على انطلاقتها. وسيعرض فيلم جماعي لاربعة مخرجين عنوانه ‘افلام بومباي الناطقة’، يتصدى الى تحولات اكبر صناعة سينمائية في العالم . هناك، تكريم للنجم الفرنسي الان ديلون (77عاما) الذي يعيش حاليا في سويسرا. ويعرض له شريط ‘الشمس الكاملة’ الذي اخرجه مواطنه رينيه كليمنت عن رواية ‘السيد ريبلي الموهوب’ للكاتبة الامريكية باتريشيا هاسميث(1921 ـ 1995). اضافة الى تحية خاصة الى الكوميدي الامريكي جيري لويس عبر عرض فيم المخرج دانيال نوه ‘ماكس روز’.
ستكون ليلة الافتتاح عامرة بالنجوم ووهج الاضواء والبذخ والحسان. في مقدمتهم فريق فيلم الاسترالي باز لورمان ‘غاتسبي العظيم’ الذي اقتبسه بفخامة صورية لافتة عن رواية الكاتب ف. سكوت فيتزجيرالد، وخص البطولة فيه الى الوسيم ليوناردو دي كابريو مجسدا عوالم الغموض والريبة التي غلفت حياة رجل اتهم كجاسوس الماني، وتارة كوريث احدى الاسر الاوروبية المالكة. ثروته المبالغ فيها وكرمه الذي يشتري الذمّم، يقودان هذا الكائن الشره، الذي يدعي انه من دون ماض او وطن او نسب، الى حتفه الماساوي، من دون ان تسيء خساراته الى تفاصيل قصة غرامه العاصفة مع امراة تزوجت غيره!. في ليلة الختام، سيكون البساط الاحمر مع نجوم اخرين يتقدمهم الامريكي فورست ويتكر الذي يعود الى اللحظة الافريقية بعد ادائه الباهر في ‘اخر ملوك اسكتلندا'(2006) للمخرج كيفن ماكدونالد عن حياة الديكتاتور عيدي امين، معززا بجائزة افضل ممثل في كان عام 1988 عن دوره الموسيقي في شريط مواطنه كلينت ايستوود ‘بيردي’ الذي جسد فيه شخصية عازف ساكسفون شهير. هذه المرّة يؤدي دور شرطي بصحبة زميله البريطاني اورلاندو بلوم، يعملان في نص المخرج الفرنسي غيروم سال ‘زولو’ على كشف ملابسات جريمة غامضة في احدى مدن جنوب افريقيا، على خلفية الايام الاخيرة لحكم الفصل العنصري.
الامريكيون لن يتوقفوا هنا، بل انهم في كل مكان في كان. فعلى رأس لجنة التحكيم الكبرى، سيكون صاحب ‘اي تي'(1982)، و’اللون القرمزي'(1985)، و’لائحة شندلر'(1993)، و’انقاذ الجندي رايان'(1998)، المخرج ستيفن سبيلبيرغ، ومعه الصيني المميز انغ لي الذي يتمتع حاليا بالنجاح التجاري والنقد الايجابي لعمله الاخاذ ‘حياة باي’، هناك الروماني كريستيان مونجيو الذي حاز فيلمه الاشكالي ‘4 اشهر و3 اسابيع ويومان’ على السعفة الذهب عام 2007، اضافة الى اليابانية نعومي كاواسي التي فاز عملها ‘غابة الحداد'(هانيزو) على الجائزة الكبرى لكان في العام ذاته، والاسكتلندية ليني رامسي صاحبة ‘علينا الحديث بشان كيفن’، بمشاركة نجوم كبار على شاكلة الاسترالية نيكول كيدمان والفرنسي دانيال اوتوي والهندية فيدايا بالان والنمسوي كريستوفر فالتز.
حقق فريمو هذا العام نصرا مجيدا في رصف قائمة الافلام المتنافسة على السعفة الذهب بمبدعي سينما من الشباب في المجمل العام. ولولا وجود المعلم البولندي ـ الفرنسي رومان بولانسكي (1933) وشريطه ‘فينوس ذات الفراء’ حول ممثلة تستميت لاقناع مخرج انها صالحة لتجسيد دور شخصية رئيسية في عمله المقبل! لامكن القول ان اكتساح الشباب شبه كامل، وبالذات لمن ولدوا في بداية حقبة ستينات القرن الماضي. نخص بالذكر منهم، صاحب الشريط الباهر ‘في المنزل’ الفرنسي فرانسوا اوزون (1967) الذي يستكمل حكاية يافعين وتحولاتهم العاصفة نحو البلوغ في عمله الجديد ‘يافعة وجميلة’ حول الهواجس الجنسية لفتاة باريسية، تسرد عبر اربع حركات درامية واربع اغان، تقودها الى بحث ذاتي عن هويتها وكيانها. فيما، يذهب المخرج الايراني اصغر فرهادي (1972) في جديده ‘الماضي’ الى محنة عائلية، على المنوال ذاته الذي سرده في تحفته ‘انفصال نادر عن سيمين’ قبل عامين. هذه المرّة، البطل هو الشاب الايراني احمد الذي يعود الى باريس بعد اربعة اعوام على انفصاله عن زوجته الفرنسية (الممثلة بيرينيس بيجو)، لاستكمال قضية طلاقهما، ليقف على علاقة نديّة بين ماري وابنتهما لوسي، تكشف له ماضيا اسود. من بين ممثلي الفيلم، هناك الجزائري طاهر رحيم، بدور الشاب سمير الشخص الاخر في محنة البطلة المكلومة بتشظي عالمها واسرتها، الذي خطف الشهرة عن دوره في شريط ‘نبي’ لجاك اوديار.
في العام 2006، حاز التشادي محمد صالح هارون (1961) على الجائزة الخاصة للجنة التحكيم في مهرجان البندقية عن نصه ‘دارات'(جفاف) حول الثار الناقص، قبل ان يُكرم باخر مثلها في كان عام 2010 عن ‘رجل صارخ’ الذي تحامل فيه على العسف الاجتماعي في بلد فقير وهامشي. هذا العام، يعود الى الكروازيت مع ‘غريغري’ حول شاب معاق يسعى الى تحقيق حلمه بان يكون راقصا مشهورا، لكن حياته تنقلب رأسا على عقب مع مرض زوج والدته، ما تدفعه ظروف تطبيبه ومصاريفها الى العمل كسخرة لدى مهربي بترول الذين لن يرحموا اعاقته وكرامته. مثله، يعرض مخرج ‘دم'(2005)، و’اولاد الزنا'(2008) المكسيكي الموهوب امات اسكالانته (1979) نصه الروائي الثالث ‘هيلي’ عن حيوات بائسة تعيش في مدينة محاصرة بمحن الجريمة وكارتلات المخدرات وفساد الشرطة والبغاء والموت التي تحيط بالبطلة الصبية ‘ايستيلا’ البالغة من العمر الثانية عشرة. خطؤها انها وقعت بحب مجنون وغير منصف مع شرطي شاب يرتب هروبهما وزواجهما، بعيدا عن المحيط البائس. بيد ان القرار الخطا ينتهي بالمطاردة الاكثر مرارة ودموية.
على المنوال ذاته، يقدم احد اشهر ابناء ‘الجيل السادس’ في السينما الصينية المعاصرة جيا زهانغ كي (1970) الذي عُرف بتحديه للتوتاليتارية السياسية بنصه الشجاع ‘المنصة'(2000)، قبل ان يخطف الاسد الذهبي في مهرجان البندقية العام 2006 عن رائعته ‘حياة جامدة’، شبكة معقدة من الحكايات حول صين الانفتاح في اخر اعماله ‘لمسة خطيئة’ وعلى مدى ساعتين وربع الساعة، متنقلا بين حواضر مدينية صاخبة مثل كوانغتشو وفقر ارياف مقاطعة شانشي الشاسعة. فيما، يستكمل الياباني كوري ـ ايدا هيروكازو(1962) مشروعه العائلي الذي تجلى بقوة في فيلمه ‘اتمنى’ قبل عامين، بيد انه في شريطه الاخير ‘مثل اب، مثل ابن’ يميل الى مفارقة صاعقة تمس كيان مواطن في منتصف العمر يُعلم من قبل مصالح حكومية طبية ان وليده ليس ابنه بعد ست سنوات من العِشْرَة! اما مواطنه تاكاشي ميكي (1960) الذي يمتاز بغزارة انتاجاته وتنوعها، من افلام العصابية الدموية، مرورا بـ’الساغا العائلية’، وانتهاء بنصوص محاربي الساموراي، فيحيك في شريطه ‘درع من قش’ مطاردة مثيرة في طوكيو المعاصرة، بطلها مليونير يخصص مكافاة سخية من اجل تصفية قاتل حفيدته. وهو الانتقام ذاته الذي يقود صاحب نادي المصارعة التايلندية ومهرب المخدرات جوليان (الممثل الامريكي ريان غوسلينغ في تعاون ثان بينهما منذ ‘سياقة’) بطل العمل الجديد للدنماركي نيكولاس ويندينغ ريفن (1970) ‘الله وحده الذي يغفر’ الى مجزرة للنيل من قتلة شقيقه، بتحريض من والدته جينا (البريطانية كريستينا سكوت توماس). في حين، تضطهد الشخصية العصابية المدعوة ‘بورغمان’ للهولندي الكس فن فارميردام عائلة تضم زوجين وابناءهما الثلاثة ومربية العائلة.
الانتقام، بطل ايضا في الاقتباس السينمائي الذي تجرا عليه المخرج الفرنسي ارنو دي باليير (1961) لقصة الكاتب والمسرحي الالماني هاينريش فون كلايست ‘ميشائيل كولهاس’، بعد الافلمة التي قام بها زميله فولكر شلوندورف في العام 1969، التي تطرح سؤالا كلاسيكيا حول سعي انسان لتحقيق العدالة وحصوله على حقه بيديه، عبر حكاية تحول رجل عادي من بائع خيول في القرن السادس عشر الى ثائر مسلح وقاطع طريق (الممثل المميز مادس ميكلسن)، انتقاما من قرار اقطاعي نافذ، جار عليه بتهمة عبوره اراضيه من دون دفع جزية! فيما اختار مواطنه ارنو ديبليشان (1960) في ‘جيمي بي’ حكاية جندي سابق من السكان الاصليين لامريكا الشمالية من قبيلة ‘بلاك فوت'(الممثل بنيسيو ديل تورو)، يعاني حالات صداع وفقدان بصر وسمع، اثر عودته من الحرب العالمية الثانية ومعارك تحرير فرنسا. مع تفاقم حالته الى انهيار نفسي وعجز الاطباء عن تشخيص حالته المتردية، يكون الامل معقودا في انقاذه على عالم الانثروبولوجيا الفرنسي جورج ديفرو (الممثل ماتيو امالريك)، وينتهي العلاج بانعقاد اواصر صداقة غريبة الطباع بين الاثنين. هذا الخلاص الشخصي، يتقارب الى حد مدهش مع حكاية الشابة البولندية ايوا (الممثلة الفرنسية ماريون كوتيار) في شريط الامريكي جيمس غراي ‘المهاجرة’، التي تُفصل عن شقيقتها في جزيرة اليس بنيويورك في عشرينات القرن الماضي، حيث يُعزل المهاجرون المرضى. تجد الغريبة نفسها وحيدة وجائعة، لتقع فريسة سهلة للنذل برونو (يواكين فينيكس) حيث يدفعها الى ممارسة البغاء، قبل ان يعتقها ابن عمه اورلاندو الذي يمتهن العاب الخفة والسحر، ويفلح في جمعها مع الاخت الغائبة. بينما يحتفي الايطالي باولو سورينتينو بعوالم روما في ‘في غاية الجمال’ عبر عيني صحافي متقاعد. اما المراة ـ المخرجة الوحيدة بين الجميع، فهي الممثلة والمخرجة الفرنسية الايطالية الاصل فاليريا بروني ـ تيديشي التي تشارك بـ’قصر ايطالي’ عن مصائر عائلة صناعية ثرية، تمزقها اهواء وامراض وشيخوخة افرادها.
هناك اربعة اسماء سينمائية مشهود لها ببراعتها واختلافها. اولهم المخرج غزير الانتاج ستيفن سودربيرغ (1963) الذي يعود الى الكروازيت، معززا بالسعفة الذهب التي حاز عليها عام 1989 عن نصه الحصيف ‘جنس واكاذيب وشريط فيديو’، لكن هذه المرّة بصحبة فيلمه التلفزيوني ‘خلف الشمعدانات’ الذي سرد فيه الايام الاخيرة لعازف البيانو الاستعراضي الشهير ‘ليبراتشي'(يؤدي دوره نجم هوليوود مايكل دوغلاس)، الذي اكتسح لوس انجيليس باستعراضيته وموهبته، وعزمه النادر على التحول الى رمز اعلامي بالغ التاثير، حرض اوساط الطبقة المتوسطة التي وجدت في ‘نضاله’ الشخصي من مقارعة الفقر والصعود الى قمة المجد، درسا بليغا للحلم الامريكي الاثير. يتصدى سودربيرغ الى علاقاته المثلية وشذوذه الجنسي (يؤدي دور العشيق الممثل مات ديمون) ونرسيسيته، مستعرضا الاكاذيب التي احيطت به وسعت الى النيل من حصانته الشخصية. و’الشمعدانات’ في عنوان الشريط تشير الى تفاخره، بانه اول من اقترح وضعها على البيانو في حفلاته، كجزء مكمل للاكسسوارات الباذخة التي يرتديها او يحيط نفسه بها اينما حل.
هناك، العمل الاخير للاخوين ايثان وجويل كوين ‘في كيان ليوين ديفيز’، الذي ياتي بعد اعادتهما، قبل ثلاثة اعوام، افلمة شريط رعاة بقر سابق لنجم هوليوود جون واين عنوانه ‘تروغرت'(1969)، فقسما الاراء والاعتبارات حول سينماهما التي تراوحت بين نصوص راقية كما في ‘لا وطن للرجال العجائز'(2007)، مقابل اخرى متهافتة على شاكلة ‘احرق بعد القراءة'(2008). نصهما الجديد، سيرة ذاتية لموسيقي شاب يسعى جاهدا الى اختراق المشهد الفني في نيويورك ستينات القرن الماضي، وبالذات مقاصف منطقة ‘غرينتش فيلج’ البوهيمية. اما مواطنهما الكسندر باين (1961) الذي تمتع قبل سنتين بنجاح عمله ‘الاحفاد’ مع جورج كلوني، فيتنافس بـ’نبراسكا’ عن علاقة مستحيلة بين اب مدمن للكحول وابنه الشاب. يسعى الاثنان، خلال رحلة طويلة من اجل تحصيل مليون دولار قيمة جائزة ربحاها، الى ايجاد مخرج اخلاقي لازمتهما العائلية. في حين فضل صاحب ‘ليلة على الارض’ (1991)، و’زهور واهنة'(2005) المخرج المميز جيم جارموش (1953) التصدي الى حكاية مصاصي الدماء في عمله الاخير ‘وحدهم العشاق يبقون على قيد الحياة’، لكن في اطار كوميدي شفيف اشتهر به في جميع نصوصه. انها محنة الموسيقي الشاب ادم الذي يرى ان العالم مليء بالمظالم، ويشتد عليه الاكتئاب حين التفكير بمصير العالم، تنقلب موازين حياته وقناعاته مع عودة عشيقته ايفا (تيلدا سونتن) بمعية شقيقتها الصغرى افا (مايا واشيكوسكا)
من جهة اخرى، خصصت خانة ‘نظرة ما’ ليلة انطلاقها الى فيلم المخرجة الامريكية صوفيا كوبولا ‘عصابة بلينغ’ المقتبس عن وقائع حقيقية لعصابة من المراهقين الذين ‘ارهبوا’ احياء اثرياء تلال هوليوود ونجومها، باختراقهم حساباتهم عبر الانترنت، وسرقتهم ما. وحسب تقارير الشرطة قدرت المسروقات بثلاثة ملايين دولار التي سهلت لهؤلاء الفتية العيش برخاء نادر. من ضحاياهم باريس هيلتون والممثل اورلاندو بلوم وغيرهم. وقالت كوبولا في الكتيب الصحافي لفيلمه ان: ‘القصة بمجملها تشي بالكثير عن زمننا والنشاة تحت تاثير الـ’فيسبوك’ والـ’تويتر’. اما خانة ‘اسبوعا المخرجين’ المميزة، فاختارت لافتتاح جدولتها الشريط الجديد لمخرج ‘فالس مع بشير’ (2008) الاسرائيلي اري فولمان ‘المجلس’ (الكونغرس) وهو مزيج من الرسوم المتحركة والمشاهد الحية عن ممثلة (الممثلة الامريكية روبن رايت) تقبل بعرض غريب: ان تتحول عبر تقنيات الكمبيوتر الى شخصية كارتونية، مستفيدة من الاجر العالي لخدماتها في علاج وليدها المعاق. مشكلة العقد انه يحرمها نهائيا من التمثيل او التصرف بـ’شخصيتها الديجاتيلية’!.