الفلسطيني بعيون عربية والعربي بعيون فلسطينية

حجم الخط
0

فلسطيني بعيون عربية، وعربي بعيون فلسطينية، بل مقاوم برؤى نهضوية، ونهضوي بمنظور مقاوم، هذا هو ابو خالد الشمال الذي بدأ حياته مناضلاً في حركة القوميين العرب، وغادرها وهو قائد في جبهة النضال الشعبي الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية.
لقد جمعتنا مع اللواء صبحي جابر (ابو خالد) عقود من النضال في ساحات النضال اللبناني ـ الفلسطيني المشترك، كما في ساحات النضال العربي والعالمي، إلى أن استقرت علاقاتنا بشكل خاص في تأسيس ‘الحملة الاهلية لنصرة فلسطين والعراق’، كما في ‘المنتدى القومي العربي’، فشاركنا معاً، ومع عدد من الرفاق والأخوة في اطلاق حملات كسر الحصار على العــــراق ومسيرات مناهضة الحرب والاحتلال، وفعاليات دعم المقاومة العراقية، كما في تحركات وهيئات داعمة للقدس وللانتفاضة في فلسطين، كما لكسر الحصار على غزة.
واليوم في 9 نيسان (ابريل) 2013، وبعد عشر سنوات بالتمام والكمال من احتلال بغداد، تتكشف سلامة الرؤية التي التزمنا بها مع ابي خالد في تعاملنا مع ما كان يحاك للعراق الحبيب من مكائد ومؤامرات، بل ما كان يُكاد للمنطقة كلها من خلال العراق على يد المخطط الامريكي ـ الصهيوني، وبتواطؤ أو تخاذل من بعض النظام الرسمي في المنطقة.
لقد كانت رؤيتنا آنذاك لا تنبع فقط من موقف وطني وقومي واسلامي صافٍ يرفض الحصار والعدوان والاحتلال لأي بلد عربي أو اسلامي، أو أي بلد في العالم، بل كانت تنبع من ادراكنا ان الأمة كلها مستهدفة من خلال العراق، فاحتلال ارض العراق كانت مقدمة لاحتلال ارادة الأمة بأسرها، وتدمير العراق كان مدخلاً لتدمير اقطار الأمة بأسرها من سورية إلى مصر إلى لبنان والاردن إلى الجزائر والمغرب العربي، وحل جيش العراق هو نموذج لحل جيوش الأمة كلها وانهاكها، وإثارة الفتنة في العراق هو لاثارة الفتنة المذهبية في عموم المنطقة، وضرب العروبة والوحدة ورموزها وأدواتها في العراق هو لضربها وضرب ادواتها ورموزها في كل مكان.
واليوم ، وبعد عشر سنوات على احتلال بغداد، فالجميع مدعو إلى مراجعة مواقفه مما جرى ويجري في العراق، بل إلى عملية نقد ونقد ذاتي شاملة يخرج فيها كل طرف من متاريسه السياسية والفكرية والعقائدية، فلا شيء يطفئ نار الفتنة في العراق وغير العراق سوى اعتماد منطق المشاركة واقصاء اسلوب الاجتثاث والاقصاء، وصون الوحدة الوطنية ومحاصرة كل عصبية يسعى مثيروها إلى تفتيت المجتمع والامة.
ولقد واجه ابو خالد الشمال، كما كل من كان يشاركه الرأي والرؤية، ضغوطاً كبيرة لتغيير موقفه، أو موقعه، ولكنه كان مقتنعاً بسلامة رؤيته داعياً الاخرين إلى الانتباه لها، محذراً من مخاطر تجاهل الأبعاد الاستراتيجية لما يتعرض له العراق…
وكما كان صلباً في موقفه تجاه احتلال العراق، والداعم للمقاومة العراقية، والرافض لكل محاولات زجها في قمقم الفتنة المذهبية والتفجيرات الارهابية، كان ايضاً صلباً في دفاعه عن الثوابت الوطنية الفلسطينية وفي مقدمها نهج المقاومة وخط الوحدة الوطنية، رافضاً ان يكون دعم المقاومة سبباً لضرب هذه الوحدة، كما رفض ان يكون التمسك بهذه الوحدة على حساب المقاومة، فكان، كما كنا، ندفع ثمن هذا الموقف المتوازن، لأن في صراعاتنا الداخلية، لا مكان عند البعض للمواقف المتوازنة والوحدوية فكثيرون على ما يبدو مؤمنون بمبدأ بوش: ‘أما ان تكون معنا أو أن تكون ضدنا…’ وهذه أقرب الوصفات للحروب الاهلية. وفي ضوء هذا الموقف لم يقع مع رفاقه في جبهة النضال يوماً أسير اوهام التسوية، ورأى فيها دائما خطة امريكية – اسرائيلية لكسب الوقت وفرض وقائع على الأرض وأبرزها التهام ‘المستوطنات’ لما تبقى من ارض فلسطين، وتهويد القدس، وإحكام الحصار على غزة، وإسقاط حق العودة التي شاركنا مع الأخوة في تحالف القوى الفلسطينية عموماً، وجبهة النضال خصوصاً، في اطلاق الملتقى العربي الدولي لحق العودة في دمشق في تشرين الثاني /نوفمبر 2008. واليوم مع جولة السيد جون كيري وزير الخارجية الامريكية في المنطقة، والمشروع ‘السري’ الذي يحمله، تنكشف أيضاً سلامة رؤية ابي خالد وكل رفاقه.
فكيري يريد تعديل ‘المبادرة العربية’ التي اعلنتها قمة بيروت عام 2002، ليدعو إلى تعاون أمني كامل بين الدول العربية والكيان الصهيوني (علماً ان التعاون قائم الان بين العدو والعديد من انظمتنا أو بعض المسؤولين فيها)، ولاسقاط حق العودة عبر الاقرار بيهودية الكيان، كما يدعو إلى توجه وفد عربي كبير برئاسة ممثل قطر إلى واشنطن ليفاوض هناك باسم فلسطين والتوقيع لاحقاً على اتفاقات ‘سلام’ مع العدو توفر له تطمينات امنية يحتاجها.
وكما جاء اوباما قبل اسبوعين ليحدد لقمة الدوحة قراراتها، يأتي كيري اليوم ليشرف على تنفيذ تلك القرارات لا سيّما بعد نجاح هذه القمة في اقتلاع الدولة العربية التي حالت على مدى عقود دون التفريط بالحقوق العربية، فبات ممكناً بعد تغييبها واعتماد بديل عنها، ان تندفع عميلة الاستسلام للعدو الصهيوني من دون عقبات أو روادع. لقد أدرك ابو خالد بوعيه الوطني وفكره القومي ونزوعه التقدمي ترابط القضايا والازمات في منطقتنا والعالم، فرأى في مشروع الفتنة الطائفية والمذهبية والعرقية ترجمة لمشروع الشرق الاوسط الكبير، ورأى في الوحدة الوطنية على مستوى القطر، وفي الوحدة العربية على مستوى الأمة الرد الاسلم والأفعل على كل ما يحاك لأمتنا من مؤامرات..
وها هو ابو خالد يغادرنا اليوم يشيّعه اصدقاؤه ورفاقه ومحبوه الكثر في لبنان وسورية، كما يشيّعه أيضاً الأسرى الابطال في سجون الاحتلال الذين لم ينسهم ابو خالد يوماً وهو يشترك على مدى عشر سنوات في اعتصام ‘خميس الاسرى’ أمام مقرات الصليب الاحمر في بيروت وطرابلس وصيدا وصور والبقاع، ويشيّعه ابطال الانتفاضة الفلسطينية المتجددة الذين كان ابو خالد واخوانه سنداً لهم في كل حين، ويشيعه احرار الأمة والعالم وقد عرفوه في مؤتمرات ومنتديات وملتقيات انعقدت وما تزال من أجل فلسطين.
الرحمة لأبي خالد، الخلود للشهداء، السلامة للجرحى، الحرية للاسرى، والتحرير لفلسطين.
كاتب من لبنان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية