الفكرة التي طغت وتطغي علي الحياة السياسية العامة والخاصة

حجم الخط
0

الفكرة التي طغت وتطغي علي الحياة السياسية العامة والخاصة

في اسرائيل هي فكرة التصرف من جانب واحد التي تناقض الحوار والتصالحالفكرة التي طغت وتطغي علي الحياة السياسية العامة والخاصة في ظاهر الأمر لم تكن هناك معركة انتخابية مُملة الي هذا الحد، علي الأقل في كل ما يتعلق بالنزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني. فأكثر الأحزاب تريد نفس الشيء علي التقريب. حتي إن الليكود قد سلّم لفكرة دولتين لشعبين، ولم تقترح ميرتس ايضا انسحابا كاملا الي حدود 1967، هل تعفنت الجدالات الايديولوجية الكبيرة وانكمشت الي مدي الامكانات بين انسحاب من نحو 88 في المئة من الضفة الي انسحاب من نحو 98 في المئة منها؟.اللغة ايضا، لغة المعركة الانتخابية، ذات لون واحد علي نحو عجيب. انها نوع من اللون الموحد الطاغي الذي فرض نفسه علينا جميعا. إن مزاوجات الكلمات التي أصبحت اشياء مثيرة تُزين البرامج الانتخابية للاحزاب الكبيرة: الكتل الاستيطانية ، و خطوات أحادية الجانب ، و سنأخذ مصيرنا بأيدينا .في الحقيقة أن سنواتنا الأخيرة كانت أحادية الجانب. ابتداء بالانسحاب من لبنان انسحابا أحادي الجانب في فترة ايهود باراك، تعريجا علي الانسحاب أحادي الجانب من غزة الذي قاده شارون، وانتهاءا الي خطوات مستقبلية في الضفة تقترحها احزاب مختلفة، علي رأسها كديما. فكرة أحادية الجانب احتلت كل شيء جيد، حتي إن العمل وميرتس أصبحا يُجمجمان بضعف حيالها.إن كلمة الحوار فقط غابت، وأصبحت كلمة بذيئة لا يجوز لنا أن نكشف عنها. حتي اذا ما قمنا بخطوات ايجابية ـ مثل الانسحاب من لبنان وغزة ـ قد تفيد الطرفين، فهناك نوع من الميل الي فعل ذلك صدورا عن تجاهل الآخر وإهانته، وفي احيان ايضا مع زيادة تلميح: الفلسطينيون في غزة سيشتاقون الي الوضع السابق، وغزة ستنهار، والاجراء سيضر بهم فقط. هل إغراء التسبب بضرر غير متحَكم فيه، حتي عندما نأخذ باجراءات سلام في ظاهر الأمر؟. وهاكم كلمة نابية اخري: السلام. هل سمعها أحدكم في الزمن الأخير؟ هل يوجد حزب كبير يجرؤ علي النطق بها في المعركة الانتخابية هذه؟ لقد لمع نجمها في كثير من المعارك الانتخابية ـ فالي ما قبل ثلاث سنين فقط كان حتي الليكود يتزين بها (شارون فقط سيأتي بالسلام). أما الآن، فكأنما أتت رقابة صلبة محت كل أثر لها.غابت كلمة السلام لأن أحادية الجانب محتها. لا يوجد سلام أحادي الجانب. فالسلام يوجب الحوار. والانسحاب بلا حوار، مع إنكار الآخر واجراء تفاوض متعجرف مع أنفسنا فقط، لن يُقرب السلام، ولا الأمن ايضا كما يبدو.كان الانسحاب من لبنان اجراءا صحيحا، لكن كان يجب تنفيذه من خلال الحوار مع حكومة لبنان. كان حوار كهذا سيُحسن الجو في المنطقة وربما يخلق التزاما ايضا ـ ولو كان جزئيا ـ لحكومة لبنان للحدود المشتركة. الانسحاب من غزة كان ايضا خطوة صحيحة. ولكن كان يمكن ويجب تنفيذه مع اجراء حوار مع الفلسطينيين، وبخاصة حيال حقيقة أنه لم يواجهنا قط زعيم أكثر اعتدالا وبعثا علي الراحة من محمود عباس. كان حوار كهذا سيُقوي المعتدلين في السلطة، ويُسبب أن انجازا لا مثيل له في الماضي هو اخلاء عشرات المستوطنات في اسبوع واحد سيُسجل في سجلهم وينشيء زخما كان سيساعد في الاستمرار في العملية. إن الالحاح في إنكار وجود الآخر (لا يوجد شريك) والانسحاب بغير اتفاق وتعاون معه جلب لنا غير الشريك الحقيقي ـ حماس ـ كنوع من تلبية رغبة خفية. من هذه الناحية لم يُغير شارون وجهه، كما فكر كثير خطأ. شارون حرب لبنان وشارون اخلاء غزة لا يخالف بعضهما بعضا كثيرا. فمن ورائهما تقف نفس السياسة، سياسة عدم وجود الشريك، والإملاء بدل المحادثة، وفرض الارادة علي الواقع. لم يطرأ هنا تحول حقيقي من اليمين الي اليسار. فاليسار، في جوهر طبيعته، يؤمن بالحوار وبالتقدم الي الاتفاقات، واليمين، وسواء أكان محتلا أو منسحبا، يتهرب من حوار كهذا. الانتخابات قريبة جدا، لكن الجدل السياسي الحقيقي لانتخابات 2006 لم يبدأ بعد. ليس ذلك جدلا في مدي الانسحاب من الضفة. انه جدل مبدئي في صورة العملية. هل ستظل اسرائيل تحكمها فكرة أحادية الجانب الخطرة، التي هي العكس التام للاصغاء، والمصالحة والطموح الي السلام، أم أنها ما تزال تؤمن، حتي في الظروف الصعبة التي انشأتها هي نفسها، بأن هناك احتمالاً للحوار، ولثنائية الجانب.اذا كان حزب العمل يريد أن يقيم نفسه بديلا من كديما في المجال السياسي ايضا ـ لا في المجال الاقتصادي ـ الاجتماعي فقط ـ فيجب عليه أن يرفع علَم ثنائية الجانب. يجب عليه أن يعلن فورا أن الخطوات أحادية الجانب غير مقبولة عنده، وأنها تعارض روح اليسار، وأنه سيختار دائما طريق المحادثات. يجب عليه أن يحطم أسطورة أحادية الجانب التي أدارت رؤوسنا بسحرها الخطر وخنقت كل بديل. يجب عليه أن يُبين تبيينا لا لبس فيه أن هذا هو الفرق السياسي بينه وبين كديما، وان الحديث عن تصورين متعارضين، وأن يُمكّن بذلك المنتخبين من أن ينتخبوا انتخابا ذا معني. في الوضع الحالي، الذي تدور فيه الدعاوة الانتخابية بلغة موحدة ـ طاغية وبغير جدل حقيقي، فان انتخابا كهذا غير ممكن.عينار شيلو بروفيسور في الرياضيات في الجامعة العبرية وأديب(هآرتس) 12/3/2006

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية