الغاوي : هل تحقق السخرية من الواقع انتصاراً عليه؟

حجم الخط
1

الغاوي : هل تحقق السخرية من الواقع انتصاراً عليه؟

مسلسل سوري جديد يسقط فيه الكاتب خيباته في اطار كوميدي الغاوي : هل تحقق السخرية من الواقع انتصاراً عليه؟دمشق ـ القدس العربي ـ من أنور بدر: واضح أنّ مديرية الانتاج في الهيئة العامة للاذاعة والتلفزيون لا تريد أن تمضي في منافسة القطاع الخاص حول الدراما الرمضانية، وربما تكون من القرارات الصائبة توزيع الانتاج علي مدار العام، ولكن الأهم هو توزيع العروض الدرامية علي تلك المروحة، بعيداً عن المنافسة في سوق اعلاني رمضاني يحرم الكثير من الأعمال فرصة المشاهدة الجيدة.الا أنّ الانتاج بعيداً عن هذه المنافسة لا يعني الاخلال بالشروط الفنية، للنص والاخراج أو للعمليات الفنية، اذ أنّ الكثير من الأعمال التي أنتجتها الهيئة العامة للاذاعة والتلفزيون، تبدو أنها خاضعة لشروط في شراء النصوص وفي العمليات الانتاجية، أقل ما يُقال عنها أنها شروط بيروقراطية، افتقدت معيار الجودة أو البحث عن الأفضل. نقول ذلك ونحن بصدد عمل جديد لمديرية الانتاج، انتهي المخرج علاء الدين الشعار من تصويره ومن انجاز باقي العمليات الفنية عليه مؤخراً، انه مسلسل الغاوي عن نص وسيناريو الكاتب الروائي عبد النبي حجازي، الذي كتب في دليل المسلسل عن الخيبة واللامبالاة وبلادة الحس التي تشكل المخزون النفسي لمجتمعاتنا العربية، وبالتالي نحن لا نجد نقطة توازن الا في احد النقيضين: اما الكوميديا الصارخة أو التراجيديا العنيفة.وقد اختار الكاتب أن يُسقط خيباته وخيباتنا في اطار كوميدي ساخر، يعتمد علي رصد المفارقات في واقعنا والتناقضات في حياتنا اليومية، والسخرية منها بدون تهريج.وسوف نكتشف ابتعاد العمل أو خلوه من المقولات الكبيرة، الا أنه عمل غني بنبض الحياة اليومية، في مشهد الصراع الأزلي من أجل تحقيق شروط أفضل للحياة، في واقع يغتال من قدرتنا علي الاستمرار في هذا الصراع. فالغاوي شخصية بسيطة من واقعنا اليومي، انه مُجرّد بواب في مؤسسة اعلامية، لكنه منتفج ومدع ٍ وكذاب، يتوهم أنه صحفي مُهم، ورجل اعلام يفهم في كل الأمور، مع أنه أميل للسذاجة والبساطة بآن ٍ معاً. شخصية مسحوقة في حياتها، ولا تنتصر علي ضعفها الا من خلال الوهم والادعاء المغرور، وهو ليس شريراً ولا يؤذي الآخرين، لكنه يعيش أوهامه وكبرياءه المزيفة بين أهله ومعارفه وكل من يلتقي بهم. واذا كان الغاوي الذي يؤدي شخصيته الفنان تيسير ادريس، يُشكل بؤرة استقطاب في هذا المسلسل، فاننا نكتشف وجود شخصيات أخري كثيرة، غنية بهمومها وتناقضاتها، مع أنها قد لا تشكل خطوطاً درامية مُستقلة في العمل، بدءاً من شقيقة الغاوي الطيبة والقوية خيرية عزة البحرة ، الي رشدي جرجس جبارة الأخ الأكبر للعائلة، المتسلط بطبعه، لكنه مُسيطر داخل البيت مع مودة خاصة لزوجته رغم عدم انجابها.الشخصية المتميزة في هذا العمل كان حسام عيد الذي يقوم بدور موسيقي موهوب، تحول الظروف وتدخل أخيه الأكبر الذي لا يُحب الغناء دون تحقيق حلمه، مما يدفع به الي الفشل، رغم محبة زوجته نظلية أماني الحكيم وتشجيعها لموهبته، واعجابها الحقيقي بصوته.ومن بين الأدوار الرئيسية في هذا العمل نلاحظ دور غرام ديمة الجندي التي تتمتع بشخصية قوية، تحب الكيد للآخرين، ومتميزة بجشعها المادي، وهي لا تستطيع أن تحقق طموحاتها الا عن طريق زوجها الذي تدفعه لسلوك أي طريق باتجاه أنانيتها، وهو من الأدوار النادرة التي تخرج فيها ديمة الجندي عن شخصية الفتاة اللطيفة، كذلك كان دور رشدية صباح بركات من الأدوار المركبة، فهي تارة امرأة حزينة، وتارة تضج بالفرح، وهي تلعب الدور الرئيسي في مواجهة الغاوي.وهناك شخصيات أخري كثيرة في هذا العمل، الا أنّ لكل شخصية فيها طرافتها ونكهتها المميزة، والتي رسمت باتقان، ويكاد القاسم المشترك بين جميع هذه الشخصيات يتجسّد بالهم المعاشي، من خلال معاناتهم مع البطالة ومع الاحساس الدائم بأنهم تحت خط الفقر، أو التهديد بالفقر.في هذا العمل لوحات من النضال اليومي لشرائح واسعة من الناس البسطاء في مجتمعنا، ناس يعانون البطالة ويبحثون عن لقمة العيش، بعضهم بكرامة، وبعضهم يستسهل الكسب بالسريع، مع أنهم سيدفعون فواتير ذلك بسرعة أكبر.لوحات من المتناقضات الحياتية، ومن التبدلات الاجتماعية والأخلاقية التي حصلت في مجتمعنا بفعل الضرورة، وفي خضم الصراع من أجل كسب لقمة العيش، مع رصد تباينات الأجيال وتناقضاتها في بيئتنا، وأثر الفروق الاجتماعية كذلك علي العلاقات الانسانية. فكل الشخصيات في هذا العمل تمتلك عمقاً انسانياً يجعلنا نتعاطف مع ضعفها ومع غوايتها ازاء متطلبات الحياة اليومية، وهي شخصيات قد تكون صارمة في مواجهة هذه المتطلبات، وقد تكون أنانية في بعض الأحيان، الا أنها عموماً تتكئ علي الحس الشعبي وعلي موروث غني يُساعدها في السخرية من الصعوبات التي تعيشها.واذا كان المخرج قد امتلك رصيداً في الدراما التلفزيونية، فانها المرّة الأولي التي يلجأ بها الي الكوميديا بعد تجربته في الفيلم التلفزيوني الرجل الضاحك ، مؤكداً أهمية الكوميديا في التخفيف من وقع الدراما الحياتية الثقيلة التي نعيشها كمشاهدين في واقعنا اليومي.وأهمية أبطال هذا المسلسل ليست من أهمية الصراعات التي يخوضونها، بل من أهمية الطموح الذي يُغذي قدرتهم علي البحث عن لقمة العيش، وهذا الطموح يُساهم في صنع ابتسامة علي وجوهنا، رغم صعوبة شروطهم الحياتية والمعيشية. بل ربما يكون سر بطولتهم الحقيقي كامن في مقدرتهم علي السخرية من تلك الشروط ومن قسوتها بآن ٍ معاً.بطاقة العمل:ـ المسلسل : الغاوي ـ 15 حلقة.ـ اخراج: علاء الدين الشعار.ـ نص وسيناريو وحوار : عبد النبي حجازي.ـ المخرج المنفذ: خالد الخالد.ـ المخرج المساعد: ممدوح توتنجي.ـ مهندس الديكور: نافذ الخطاب.ـ كاميرا محمولة: أيمن سلامة.ـ مشرف الصوت : محمد خير موصلي.ـ مونتاج : هيثم موصلي.ـ مدير الانتاج : هائل فاضل.ـ التمثيل: تيسير ادريس ـ حسام عيد ـ صباح بركات ـ أماني الحكيم ـ ديمة الجندي ـ عزة البحرة ـ جرجس جبارة ـ عاصم حواط ـ كناز سالم ـ عبد الحكيم قطيفان ـ عصام عبه جي ـ فاروق الجمعات….. وآخرون.2

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول خالد سعد ناصر:

    نريد تنزيل المسلسل لو سمحتم تشوقنا لمشاهدته

إشترك في قائمتنا البريدية