العملية السياسية العراقية بصفتها العنوان المتخفي لادامة الاحتلال
حمدان حمدانالعملية السياسية العراقية بصفتها العنوان المتخفي لادامة الاحتلال من يسمع باسم السيد بابكير زيباري، رئيس اركان جيش العراق الجديد، يعتقد بأن الجيش المقصود، انما هو جيش في ادغال الفليبين، او في جزيرة جاوة او تيمور.. فالاسم لا يتطابق مع عروبة جيش العراق، ولو ان العديد من رؤساء اركان الجيش العراقي في العهود السابقة، كانوا من الاكراد، باسماء عربية ـ اسلامية، لا تعطي اشارة عن انتماء آخر، الا للعراق ذي الهوية العربية الصريحة. لا شيء مهما، طالما ان العملية برمتها، سياسية وقبلها عسكرية احتلالية، تهدف الي اخراج العراق من عروبته، والشاهد في تكاثر رموز، من هوشيار الي بابكير، ثم من شهبور الي صولاغ ومنهما الي (جعافرة) من مواطن الهند وافغانستان وفارس. فالعملية برمتها، التي بات يطلق عليها، العملية السياسية ليست سوي الوجه الآخر، لشرعنة الاحتلال وما يريده من العراق، فالعودة من شكل الاستعمار الكولونيالي المباشر، الي شكل الامبريالية الحديثة، التي تحرك دواخل مستعمراتها بخيوط علي طريقة (تلعيب) الدمي، هذه العودة، انما هي الوضع الطبيعي، لجيوش غازية في ظل مفهوم العولمة، من حيث ان العولمة باختصار، هي الشكل الامبريالي الاعلي، لوضع اليد الناعمة، علي الثروات الاستراتيجية (النفط مثلا)، كذلك علي الاسواق اللاهفة للاستهلاك، وقوة العمل الرخيصة، حيث اجر العامل الامريكي، مع امتيازاته الاخري (بموجب القوانين) يعادل اجور تسعة عمال في البلدان المتخلفة، وربما اكثر من عشرين عاملا، في البلدان الخارجة خروجا كليا من العصر.ان العملية السياسية في العراق علي وجه التخصيص، هي ضرب من ضروب العولمة الامريكية، التي ترتكز علي حامل ثلاثي، الدولار والنفط والمدفع، ونري هذا التمفصل الحاد، بين ما هي استراتيجيات امريكية عليا، وبين ما هو عليه اهل الاحتلال الحاكم في العراق اليوم، فالتفارق بين اهداف المحتلين، وجملة الفلسفات التي تقوم عليها، حكومة العوبة في المنطقة الخضراء، انما هو تفارق يصل حد الرثاء، ففيما ما تزال حكومة العراق الجديد، تتنافس بل وتحترب من أجل المناصب ذات المصادر المعطاءة في النهب، وفيما هي سادرة في جعير، المقابر الجماعية (طلاء العصر المبرر للعمالة)، فان واشنطن بالمقابل، عاكفة علي اجتذاب آخرين الي العملية السياسية، سواء كان الآخرون، من العشائر العراقية، او من جيوش دول عربية واسلامية، حيث جولات رامسفيلد البعيدة عن العراق، تهتبل فرصة تقريب البعيد، من عشق أباد واسلام اباد، مرورا بالرباط وتونس وربما الجزائر تحت اغواء المعونة والقروض!فالعملية السياسية، بصفتها العنوان المتخفي لإدامة الاحتلال جوهريا لا شكلا، هذه العملية ليست عراقية داخلية صرفة، وفي التحليل الاعم، فانها بدأت مع بداية الاستدارة الاعتذارية الامريكية، لقارة اوروبا (العجوز حسب رامسفيلد)، حيث ارسلت السيدة السمراء كوندا، خطابات رقيقة للحليف الاوروبي التاريخي، عله يتراجع عن ممانعاته (روسيا والمانيا وفرنسا بشكل خاص)، فيوافق علي ارسال حلف الاطلسي، شريكا كاملا في كعكعة العراق التي احترقت.ولأن الدول الاوروبية، هي دول حداثة ايضا، فانها حاذرت الوقوع في الفخ، فلو كانت امريكا صادقة مع حلفائها الاوروبيين، لدعتهم الي الوليمة منذ البداية، حين كان الاستفراد هو سيد الموقف، حتي لو ادي ذلك الي التنكيل بالشرعية الدولية، مع (وجوب دخول النظام العالمي الجديد في مقولات ومصطلحات فكرية ـ سياسية تتلاءم وطبيعة العصر، حسب اقوال اخيرة للسيدة كوندا رئيسة الدبلوماسية الامريكية التي تجيد العزف علي البيانو ايضا).وفي المرحلة المتوسطة من عمر العملية السياسية، فان واشنطن حاولت اغراء الايدي المهيمنة علي جامعة الدول العربية (مصر والسعودية) وهو اغراء لا يتصل بأكثر من الوعد بادامة السلطان، ثم اضطر السيد عمرو موسي، لاستشارة الاطياف والاطراف، من ولاتنا القيمين علي حياتنا ومعادنا، ويبدو انه استشعر التردد، فوكلاء امريكا في المنطقة، قدموا كل ما يطيقونه، تسهيلا لاحتلال العراق، اما ان يبعثوا بجيوشهم، ظهيرا مساندا ومباشرا لدعم وجود الغزاة، فانها مسألة تبعث علي الارباك والتعثر، فاذا ما سبق لامريكا ان ضمنت بقاء واستمرار نظم عربية تابعة، فان ارسال جيوش امنية، مهمتها الاساسية هي حفظ النظام، فان في ذلك خطرا ماثلا علي النظام من وجهين: الاول، وهو يتمثل في افراغ الساحة الداخلية، بما يغري علي اشتداد ساعد المعارضة، والوجه الاحتمالي الآخر فإنه يكمن في فرصة التمرد والانضمام الي المقاومة العراقية، فالجيوش لا تقع عادة، في تعريف السياسات الرسمية الآمرة لها، كون المجندين بالنسبة والتناسب، يتحدرون من الاكثرية المطلقة في تعداد السكان، وهذه الاكثريات سواء كانت قومية او دينية، فانها ساخطة علي ما يجري في العراق، وهو ما يضع التمرد كاحتمال اقوي بين احتمالات.وفي المرحلة ما قبل الاخيرة، من شعار العملية السياسية المراوغ، فان واشنطن حاولت استرضاء طهران، باغوائها في حصة شراكة مبتذلة، لكن الوقت كان قد فات زمانه، فلو ان العرض الامريكي كان قد قدمه بريمر (اي مع بداية الاحتلال)، فان طهران لا تمانع في قبوله، والشاهد ان طهران، عبر قنواتها السرية، كانت تطلب تنسيقا (بلغة اخري شراكة) مع الغزو، كما كان واقع الحال في افغانستان، لكن امريكا حينها، الطامعة بالاستفراد، رفضت ان تعطي اذنا لرغبة من شريك صغير، اما ان يأتي العرض من زلماي خليل زاد، فان الصين ضيعت اللبن، وان شأن ايران في العراق اليوم، يعطي الفرصة لرفض ما كانت رفضته امريكا من قبل.. فايران اليوم، محتل اول للعراق، فيما امريكا ـ نتيجة ضربات المقاومة ـ في شغل شاغل للبحث عن خشبة خلاص، تحفظ ماء الوجه للقطبية العالمية، في وقت تنقلب لعبة العملية السياسية، لصالح اشياع ايران في العراق.ولعل اخطر ما في الالعاب السياسية في وضعية مقاومة ضد احتلال، هي ان تؤخذ القضية من داخلها، فقد حدث ذلك في تاريخ الثورات ضد الغزاة الاجانب، وتتلخص المخاطر في القدرة علي صدع الصف الوطني، الذي هو اطار المقاومة وملاذها، تحت اسماء كثيفة من العقلانية وتأمين الحماية والعودة الي جادة التفاوض الهادف لتحرير العراق.. وغير ذلك مما تحمله لوائح ذرائعية، بمقتضي التعب او اهتبال فرصة القبض علي منصب، فقد تداعت اركانات، ظلت في صف مناهضة الاحتلال، مع التشريط بوضع تاريخ محدد للرحيل.. تداعت وازدلفت في مشروع نقيض فالالتحاق بركب النزول الي ساحة الانتخابات، وهي درة التاج فيما يسمي بالعملية السياسية، هذا الالتحاق كما تقول العرب، هو بداية الوهن، فالاحتلال لم يعط اجندة للرحيل، وتعديل الدستور (البريمري)، اقرب الي مشاهدة الطير الخرافي المسمي بالعنقاء، خاصة وان ديمقراطية العددية الطائفية والاثنية، رفعت الي مقاعد الجمعية، نسبة الثلثين وربما اكثر، وان الالتحاق بالانتخابات اضعف جبهة المناهضة للاحتلال، وتاليا جبهة المقاومة الفاعلة علي الارض، وشد من أزر، دعاة بقاء الاحتلال، وفوق ذلك والي جانبه، اضاف بعدا تقسيميا زائدا في جبهة الشعب الوطنية، وذلك بسبب كثرة الاجتهادات والوعود المبنية علي التوقع لا الواقع، فالهرولة الي العملية السياسية، لا تعطي الحماية لمنطقة او محافظة، فسياسات وزارات الداخلية والدفاع والميليشيات البدرية والبشماركية، ترسم علي هدي من استراتيجيات الاحتلال الامنية وليس خارجها، وطالما ان المقاومة الوطنية، تنطلق من سامراء مثلا، فسوف تضرب سامراء بكل العنف الوحشي، حتي لو كان الهاشمي او الدليمي (عدنان) او خلف العيان، رؤساء جمهورية او رؤساء وزارات سيان، كذلك هي السياسات العسكرية، تجاه كل مثلثات السنة ومربعات الشيعة، فيدرالية او كونفدرالية، مركزية او سلطانية، فالمستهدف من (العملية السياسية) هو المقاومة، اما وضع العراق كما هو حاله اليوم، فلا يخضع لأي مشروع آخر، غير تركيز واشنطن صوب القضاء علي المقاومة، او الرحيل، فواشنطن لم تأت الي العراق، متبرعة بدماء ومليارات، كرمي لعيون الشعب العراقي، وانقاذه من محنته، طالما انها هي صانعة المصائب الكبري للعراقيين، منذ ولاية الرئيس طيب الذكر ريغان، اوائل الثمانينات، ولمن فاتته الذاكرة، فان الحصار الحقيقي والشامل، لدولة العراق استمر قرابة خمسة عشر عاما، وان العراق تعرض لثلاث حروب امريكية في غضون عقد، وان الحرب الرابعة كانت في الحظر الجوي، الذي اقتضي خمسة وسبعين الف غارة جوية، بحسب بيان هيئة العمليات في البنتاغون.. ومع كل ذلك، فان الحزب الاسلامي، بقيادة طارق الهاشمي، وتجمع المسلمين (الوقف السني سابقا) بقيادة عدنان الدليمي، وتجمع العشائر العراقية بزعامة الشيخ خلف العليان.. ثم علي خطوط بعيدة، جبهة الحوار الوطني بقيادة صالح المطلك.. انما جاؤوا يلتمسون الحل في العملية السياسية، فيما لا ينجدنا العقل بالوقوف علي سبب مقنع، وهل هو من قبيل الجهل او التجاهل، فالسادة من زعماء (الكيانات) المدونة اعلاه، لا يعدموا ذكاء او خبرة او ممارسة، في حقل تجربتهم السياسية التاريخية، وهو ما يدفعنا لالتماس التجاهل (وليس الجهل) كسبب دافع، وتسري شائعات منسوبة الي السفير الامريكي في المنطقة الخضراء زلماي، بأن الزعماء الثلاثة الاوائل (عدا السيد المطلك)، فاوضوا السفير علي منصب رئاسة الجمهورية، مقابل انهاء المقاومة، كل علي حدة، وكأن المقاومة خاتم في اصبع محكم في صفين، او في اصبع زعيم شيعي او آخر سني، وهو ما لم تدركه العقول الضامرة حتي اليوم، فالمقاومة هي مشروع عظيم، يتماهي مع كبرياء شعب فخور، هدفه طرد الاحتلال ومعاقبته علي ما اقترفت يداه من جرائم، بحق حرائر العراق وشبانه وشيوخه واطفاله (مشهد الفتية البصراويين تحت العصي والركلات) مع المشهد المخزي الجديد لابو غريب حسبما اورده الاعلام. فانهاء المقاومة، ليست كلمة علي لسان زعيم مفتون بنفسه، او في مخيال تافه عن عظمته، فاذا صادف ثمة عظمة في تاريخه السياسي، فلأنه انتسب الي منطق المقاومة ذات يوم، فيما المقاومة لا تنتسب الي فرد.. ومن هنا فان المقاومة بذاتها، ليست سنية او شيعية، ولا هي كردية او عربية، او تركمانية او آشورية، انها هؤلاء جميعا، حتي لو جاءت مرحليا، علي كثافة معينة، فالخروج الي العملية السياسية، كان بالاساس، خروجا علي منطق المقاومة، وقد حذرنا في حينه، عبر صفحات القدس العربي ، بأن الرهان خاسر في جميع الاحوال، فالانتخابات تجري في ظل احتلال، ولن يترك الاحتلال نتائجها، تطير مع سرب آخر غير سربه، حتي لو كانت الاكثرية الفائزة من اشياع ايران، فما يجري اليوم، علي يد واشنطن، هو زرع الشقاق في صفوف هذه الاكثرية، لا بدءا من منافسة عبد المهدي لابراهيم الجعفري فحسب، بل بين الائتلاف والائتلاف، وبين الشيعة والاكراد، وبين السنة والسنة، الي ان تفلح (العراقية) بزعامة السيد علاوي، في الوصول الي ما لم تصل اليه عبر صناديق الانتخابات، حيث كانت ايران اقدر علي التلاعب بالعملية السياسية.لقد دفعت جبهة التوافق السنية، العراق، خطوة زائدة نحو اللبننة، اي التوافق علي نظام الطائفية في اقتسام العراق، وهو هدف لا يقع بحال علي برنامج المقاومة الوطنية المقاتلة بشرف.ولمن يتذرع بعدم وجود برنامج سياسي للمقاومة، فعليه ان يلتحق بفلسفة بيزنطة، فالمقاومة لها برنامج عظيم، لا تتسع له مكتبات في مغزاه وشموليته وممارسته، وهل طرد القوي الاحتلالية العظمي من العراق، يمكن ان يكون بلا برنامج، وهل هو بالشيء القليل، ان تدعو المقاومة لاقامة دولة المواطنة بعد رحيل الغزاة، قد تكون عناوين كبري بحاجة الي تفاصيل، ومن يصنع التحرير قادر علي صنع التفاصيل، وهي مهمة تقع علي موائد المحررين اخوة الشهداء في معركة شاقة، التمس فيها العديد عذر العقلانية للهروب وليس اكثر.ہكاتب من فلسطين يقيم في دمشق8