العمليات الفدائية أخطر من أن تُترك للأجنحة العسكرية

حجم الخط
0

العمليات الفدائية أخطر من أن تُترك للأجنحة العسكرية

د.إبراهيم أبراشالعمليات الفدائية أخطر من أن تُترك للأجنحة العسكريةوحتي لا تتوه خُطانا عن الطريق وحتي لا نهزم أنفسنا بأنفسنا، يجب أن نستحضر دوما بأننا نعيش تحت الاحتلال وبان إسرائيل لا تتعامل بجدية مع التسوية، وان من حقنا أن نقاوم الاحتلال، ولكن في نفس الوقت يجب استحضار أن العالم يتغير ومفهوم القوة يتغير وان القضية الفلسطينية من أكثر القضايا تعقيدا وان منطق التعامل الدولي لا يُعير وزنا للكيانات الصغيرة ولا بالحالات العسكرية الصغيرة والمنعزلة، ويجب استحضار أن هناك عنوانا للشعب الفلسطيني يخاطب العالم ويخاطبه العالم، منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد ورئيس منتخب وسلطة أفرزتها تسوية سياسية ما زالت قائمة بالرغم من تعثرها، ويجب استحضار أننا بالعمل العسكري لا نستطيع أن نهزم إسرائيل، ولكن أيضا إسرائيل تدرك أنها لا تستطيع أن تنتصر عسكريا بالضربة القاضية علي الشعب الفلسطيني ولكنها تستطيع أن تجره لمربع العمل العسكري لتستنزف قواه وتلهية بمعارك وهمية وبطولات وهمية قد تقلق إسرائيل ولكنها-إسرائيل- في المقابل تنتزع إسرائيل الأرض شبرا شبرا…كم يحز بالنفس أن نمارس النقد تجاه العمل الجهادي بصيغته التي سادت خلال سنوات الانتفاضة، -عمليات استشهادية وقصف صواريخ انطلاقا من المناطق المأهولة في قطاع غزة-ننتقد ونحن مدركين بان نهج التسوية والمفاوضات يتعثر، وندرك بأن كل مَن نَصب نفسه وصيا علي الفلسطينيين أو ناصحا لهم أو غيورا علي مصالحهم لا يملكون شيئا للرد علي العدوان الصهيوني المتواصل وعلي نكوص إسرائيل عن كل التزاماتها. وإذ ننتقد فلا ننتـــــقد الحق بالمـــــقاومة ولكن غياب الإستراتيجية الوطنية السياسية والعسكرية للمقاومة، هذا الغــياب الذي يجعل نتاج هذه العمليات مزيدا من المعاناة للشعب ومزيدا من التفسخ في ساحة العمل الوطني.ولنتصارح بمحبة وبوضوح ماذا أنجزت الانتفاضة المسلحة، وهل من المنطقي عندما تتحدث الجماعات المسلحة عن الانجازات لا نجد لديها إلا الحديث عدد الشهداء والأسري والجرحي، وغريب أن تتنافس هذه الجماعات والفصائل في إثبات كثرة عدد شهدائها ومعتقليها ومعطوبيها، وأن يكون كثرة عدد الضحايا مقياسا للإنجاز؟ بينما كثرة الضحايا دون إنجاز سياسي يعني وجود خطأ كبير في الإستراتيجية المتبعة، ولا مبرر للقول بجبروت وإرهاب العدو أو بتقصير الجيران والأصدقاء أو بخلل في نهج التسوية، لأن هذه الأمور معروفة، والمطلوب إستراتيجية للرد علي ذلك وليس ممارسات مرتجلة تخفي فشلها وعجزها وراء ذلك. سواء سميناه جهادا أم مقاومة مسلحة… فهو شكل من أشكال الحرب، ومن المعروف أن الحرب ليست فعلا ارتجاليا أو عمليات ثأرية أو استعراضا للقدرات الذاتية أو توظيفا لويلات الحرب لمصالح حزبية… بل للحرب قوانين واستراتيجيات، وعندما تكون حربا وصراعا علي شاكلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فيفترض أن تخضع هذه الحرب لقوانين الحرب ولآليات لإدارة الصراع ولسياسات عامة ولاعتبارات دولية وإقليمية، العمليات الفدائية ليست مجرد عمليات عسكرية نظرا لتداعياتها السياسية الكبيرة علي الشعب الفلسطيني داخليا وعلي علاقاته بالعالم الخارجي، فهل من يمارسها يدرك الأبعاد السياسية الخطيرة لهذه العمليات أم أنهم يكتفون بامتلاك القدرة علي تنفيذها دون حساب أبعادها السياسية الوطنية والدولية؟ومن الغريب أنه عندما تقوم إحدي التنظيمات الجهادية بعملية فدائية في غير وقتها يرد سياسيو هذا التنظيم بالقول إن هذه العمليات من تخطيط وتنفيذ الأجنحة العسكرية ولسنا مسؤولين عنها، ولو كانوا يمتلكون مواصفات قيادية إستراتيجية لاستحضروا المقولة (الحرب اخطر من أن تترك للعسكريين). غياب إستراتيجية عسكرية وسياسية وطنية، وترك العمل العسكري رهن بالجماعات المسلحة الصغيرة حسب ظروف كل جماعة، هو الذي يؤدي لأن يُستدرج المجاهدون لما تريده إسرائيل التي تتصرف عسكريا بإستراتيجية يضعها السياسيون علي أعلي المستويات. كان المجاهدون من حيث لا يدرون يختارون المكان ليضربوا ضربتهم ولكن إسرائيل كانت هي التي تختار الزمان من حيث استفزاز المجاهدين للرد في زمن محدد يخدم أهدافها الإستراتيجية ولنرجع لتاريخ تنفيذ هذه العمليات وكيف خدمت إسرائيل.كانت إسرائيل تهدد بعد كل عملية بالرد العسكري وتتوعد وينشغل العالم بالتهديد الإسرائيلي وينشغل العالم بالتوسط لثنيها عن الضرب، فيما هي ترد بصمت بطريقتها الخاصة من خلال الاستيلاء علي مزيد من الأرض بالمصادرة أو التجريف أو وضع أسس مستوطنات جديدة أو تسريع سياسة الأمر الواقع في القدس وبناء الجدار…. المقاومون يتحدثون عن الانتصار وقدرتهم علي ضرب العمق الإسرائيلي – فيما عمقنا كله مخترق ومستباح -وفيما إسرائيل تتوسع شيئا فشيئا وتحرض العالم ضدنا، وتضعف مصداقية السلطة وبالتالي تعيق المسار السياسي لصالح الانشغال بالقضايا الأمنية.بعد أكثر من خمس سنوات من الانتفاضة وبعد أربعة آلاف شهيد وتسعة آلاف أسير، أين وصلنا؟ومن المسؤول؟ من حلم فلسطين كل فلسطين، إلي دولة مستقلة بغزة والضفة وعاصمتها القدس، إلي حكم ذاتي محدود، إلي محمية غزة واستباحة للضفة وضياع حق العودة، إلي حالة انفلات أمني وتنظيمي وسياسي وأخلاقي، ـ إلي سلطة تتعثر بعجزها وفسادها… إلي أين نسير ومن المسؤول؟ہ أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر ـ غزةDr. Ibrahem IbrashAl-Azhar University-Gaza8

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية