العلاقات المصرية السودانية: في ضوء زيارة مرسي للخرطوم

حجم الخط
0

استمعت ٍإلى حديث قيم قدمه الدكتور ‘هاني أرسلان’ رئيس وحدة السودان وحوض النيل في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية . وقد بدأ أرسلان حديثه بنقد زيارة الرئيس مرسي إلى السودان قائلا إن النجاح في مثل هذه الزيارات يعتمد على الأرقام والوقائع وليس على العبارات الإنشائية.
وذكر أرسلان أن السودان يحصل على كامل حصته من مياه النيل ويستخدمها، بينما تعاني مصر من عجز كبير وهي تقيم كثيرا من المشروعات التي تحتاج إلى مياه وافرة دون أن يشير إلى أن نصيب مصر من مياه النيل هو أربعة أضعاف نصيب السودان، وأن مساحة السودان الزراعية تبلغ ثلاثين ضعف الأراضي الزراعية في مصر. ولكنه أشار إلى نقطة مهمة وهي الوجود الإسرائيلي في جنوب السودان وهو الذي شجع في الوقت الحاضر دولة جنوب السودان على توقيع اتفاقية ‘عنتيبي’ التي تهدد الأمن المائي في كل من مصر والسودان. وقال أرسلان إن زيارة مرسي إلى الخرطوم جاءت متأخرة وتمت بإلحاح من نظام البشير الذي كان يعتقد أن زيارة رئيس مصري إسلامي التوجه سوف يساعد في دعم النظام السياسي في السودان. وعلى الرغم من تضارب الآراء حول زيارة الرئيس مرسي فقد كان هناك اجماع على أن قضية مياه النيل هي التي يجب أن تحتل مركز الصدارة بين السودان ومصر وليس فقط العلاقات الأيديولوجية، ولكي تتضح الصورة في مسألة زيارة الرئيس المصري إلى السودان، عقدت الحكومة المصرية مؤتمرا صحافيا في رئاسة الجمهورية قالت فيه إن زيارة الرئيس المصري إلى السودان حققت أهدافها، وأهم ما ركز عليه هذا المؤتمر هو فتح طرق برية من جميع الاتجاهات في وسط السودان وشرقه وغربه نحو مصر وذلك مشروع تأخر كثيرا إلى جانب مشروع للسكك الحديدية بين مصر والسودان، وسيربط هذا المشروع بين أسوان ووادي حلفا بمسافة خمسمئة كيلومتر، وكانت هذه المسافة في الماضي تغطي بالبواخر النيلية قبل مشروع بناء السد العالي. وأعاد المؤتمر الصحافي الفكرة القديمة وهي إقامة محور ثلاثي بين السودان ومصر وليبيا لدعم العلاقات التجارية والاقتصادية بين هذه البلدان الثلاثة.
ويقودنا هذا التحرك الجديد بين السودان ومصر إلى تسليط الضوء على العلاقات بين البلدين من أقدم العصور إلى الوقت الحاضر لنتبين مواطن القوة والضعف في هذه العلاقات، وبالطبع لا نستطيع أن نتحدث في أول الأمر عن العلاقة بين دولتين، لأنه على الرغم من وجود العلاقة بين شعبين فلم تكن في السودان دولة مستقلة قبل غزو محمد علي باشا في عام ألف وثمانمئة وعشرين، أما قبل ذلك فقد كانت هناك علاقات حضارية بين شعب النوبة وشعب مصر، والذي يزور منطقة مروي سيدهش من رؤية الصور والرسوم في المعابد على النحو نفسه الذي نجده في المعالم التاريخية المصرية، وكذلك سيجد الخط المروي يشبه إلى حد كبير الخط الفرعوني، ولكن على الرغم من أن ‘شمبليون’ استطاع أن يفك رموز الخط الفرعوني فإن رموز الخط المروي لم تفك حتى الآن، والغريب أن نشاهد أن الأهرامات الموجودة في بلاد النوبة السودانية تزيد خمس عشرة مرة عن الأهرامات الموجودة في مصر، ويؤكد ذلك عمق الروابط التي كانت قائمة بين مناطق النوبة السودانية والبلاد المصرية في تلك العصور.
وكما هو معروف فإن الحديث عن العلاقات المصرية السودانية المصرية من منظور الدولتين يجب أن يبدأ دائما بعد غزو محمد علي باشا إلى السودان، وكان الهدف الأساسي لهذا الغزو هو استكشاف مصادر النيل وتأمين الأمن المائي لمصر، ولم يشر السودانيون إلى عهد محمد علي بالحكم المصري بل ظلوا يطلقون عليه اسم التركية السابقة، ولم يكن حكمه محبوبا في نظر الكثيرين بسبب تعسفه، وذلك ما حفز الإمام المهدي إلى الإعداد لثورته التي تمكنت من إسقاط هذا الحكم بمقتل حاكمه العام في السودان الجنرال ‘غوردون’ في ثمانينيات القرن التاسع عشر. وتدل الرسائل المتبادلة بين الجنرال ‘غوردون’ والإمام المهدي أنه كان هناك احترام متبادل بين الرجلين ،ولم يكن المهدي يريد مقتل ‘غوردون’ الذي كان ذا نزعة دينية واضحة . كما لم تكن الثورة المهدية مثل ما يعتقد الكثيرون ضد المصريين لأن هذه الثورة في زمن الخليفة عبدالله التعايشي فكرت في تحرير مصر ذاتها. لكن مقتل ‘غوردون’ كان سببا آخر في تفكير البريطانيين في الانتقام له، وقد نجحت في ذلك في عام ألف وتسعمئة وثمانية وتسعين عندما هزمت هي والقوات المصرية القوات المهدوية بقيادة عبد الله التعايشي في معركة كرري الشهيرة، وأنشأت الحكم المصري الانجليزي في السودان والذي أستمر ستين عاما .وعلى الرغم من الشراكة المصرية الانكليزية في الحكم فإن المصريين لم يكن لهم أثر واضح في هذا الحكم، وكان تركيزهم على تكوين العون التعليمي للسودان، كما أقاموا هيئة الري المصري، وقد ذهب المصريون إلى أبعد من ذلك عندما احتضنوا الحركة الوطنية بقياد اسماعيل الأزهري في مصر، وهي الحركة التي نجحت في تحقيق استقلال السودان، ولم يكن ذلك توجه السودانيين في أول الأمر لوجود حركة اتحادية قوية مع مصر، ولكن هذه الحركة ضعفت عندما قام الرئيس جمال عبدالناصر بإزاحة اللواء محمد نجيب ذي الأصول السودانية من قيادة الثورة.
ولم يحاول الرئيس جمال عبد الناصر أن يدعم العلاقات السودانية المصرية لأنه اندفع نحو المد القومي العربي الذي كان يدعم زعامة عبد الناصر الذي لم يكن يمتلك رؤية واضحة لإقامة نظام سياسي قومي موحد.
ولم يتمكن السودان بعد إدارة ظهره لمشروع الوحدة مع مصر أن يؤسس نظاما يخلو من المشكلات خاصة مع تتابع الأنظمة العسكرية مثل نظام عبود ونظام النميري ونظام الإنقاذ الذي فقد السودان جزءا عزيزا من أرض السودان وهو جنوب السودان في عهده.
ولا شك أن فقدان جنوب السودان ليس مجرد فقدان لإقليم سياسي، بل هو ذو قيمة استراتيجية بسبب النفوذ الإسرائيلي في هذه المنطقة التي تريد أن تضعف مصر، لأن ذلك من وجهة نظرها يخدم الأمن الاستراتيجي لإسرائيل في المستقبل .وهنا يجب ألا تركن مصر إلى أنها تريد فقط أن تقدم العون للسودان أو أنها تحتاج إلى تأمين نفسها من خلال إقامة علاقات سياسية حسنة مع دولة جنوب السودان ومنطقة البحيرات وإثيوبيا، بل يجب أن تفكر مصر والسودان معا في امتلاك القوة الحقيقية التي تجعل البلدين قادرين على تحقيق مصالحهما الاستراتيجية في المستقبل. ويجب أن يعلم البلدان أنهما يعيشان في عالم متغير ويحتاجان إلى إعادة فهم العلاقة بينهما كما يحتاجان إلى امتلاك وسائل الردع التي تحقق مصالحهما، وسيكون من الخطأ أن يتوقف التركيز عند دعم العلاقة بين نظامي حكم يتشابهان في تكوينهما السياسي.

‘ كاتب من السودان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية