العري في فراش الزوجية!

حجم الخط
0

العري في فراش الزوجية!

علاء الدين الأعرجيالعري في فراش الزوجية!أعتذر مقدما لأنني أتحدث في هذا الموضوع الذي قد يخدش حياء العذاري ويمس خفر المحصنات، كما قد يثير حفيظة الزهاد والغياري، علي كاتب هذه السطور، لأنه قد يفسر خطأ بأنه، يعمم أحكامه علي جميع رجال الدين. بل علي العكس من ذلك، هو يحترم ويقدر المواقف الوطنية والعقلانية لبعضهم . ولكنه ينعي علي البعض الآخر، أنه اختزل شرف هذه الأمة، بكل أسف، في عورات نسائنا، بدليل أن أحد الشيوخ المحترمين المعترضين علي فتوي تحريم الكشف عن جسد الزوجة أمام الزوج ( القدس العربي 9/1/2006)، استثني، بصراحة وبالاسم، (مع الاعتذار المكرر) فرج الزوجة أي حرَّمَه علي نظرات الرجل الشريرة والمتلصصة علي جميع الزوايا والخبايا، في جسد حواء المثير. ولكن هذا البعض لا يحرك ساكنا حينما يراق شرف الأمة في عقر أراضينا المسلوبة ومواردنا المنهوبة وكرامتنا المعطوبة، وحكوماتنا التابعة والخانعة والمغلوبة، التي يصف قياداتها، شاعرنا العراقي باقر الشبيبي:كلابٌ للأجانب ِ هـُمْ ولكنْ علي أبناءِ جلدتهمْ أسودُوقد يحدث كل ذلك لأن أنظمتنا الحاكمة الغاشمة كانت وما تزال إلي حد بعيد، مسندة من جانب فئة معينة منتفعة، من رجال الدين. أو لم يقل قائلهم قديما: من اشتدت وطأته وجبت طاعته ؟ تأكيدا لقول شاعرهم:وطاعة من إليه الأمر فرضٌ وإن كانوا بغاة فاجرينا ألم يأت الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك بـ أربعين شيخا شهدوا له: ما علي الخليفة حساب ولا عذاب مهما فعل من آثام كما يقول المسعودي في مروج الذهب ؟ ألم يشهد بعض رجال الدين باشتراكية الإسلام حين مالت الدولة نحو الاشتراكية، وشهدوا برأسمالية الإسلام حين تحولت إلي رأسمالية. أقول كل ذلك لأن بعض العلماء المسلمين وكبار الأساتذة (مع التحفظ علي الألقاب) في أهم المعاهد الدينية في الوطن العربي منهمكون هذه الأيام في أمر جلل ، وأعني به مسألة التعري في المعاشرة الزوجية!! فقد أفتي الشـــــيخ رشاد حسن خليل عميد كلية الشريعة والقانون السابق بان التجرد مــــن الملابس أثناء المعاشرة الزوجية يبطل عقد الزواج . (انظر الخبر المشار إليه أعلاه). وتنبثق خطورة هذه الفتوي، إذا حملت علي محمل الجد، من كونها تعني أن الكثير من عقود الزواج، إن لم تكن جميعا، أصبحت باطلة، ليس ابتداء من صدور الفتوي بل بأثر رجعي. صحيح أن هناك جدلا شديدا بشأن هذه الفتوي واجتهادات أخري تناقضها، وردت علي لسان أساتذة وشيوخ محترمين، في نفس الخبر، كما أشرنا، ولكن مجرد طرح هذه القضية ومناقشتها، له دلالاته المضحكة المبكية، وأبرزها أننا انحدرنا إلي مستويات لا نحسد عليها في غياهب التخلف الفكري والحضاري. ففي حين يتسابق العلماء في العالم المتقدم إلي اكتشاف المريخ والإعداد لإنزال أول إنسان علي ذلك الكوكب خلال العقد القادم، وحل الشفرة الحياتية، وإنتاج الخلايا الجذعية للقضاء علي الأمراض المستعصية، وغير ذلك من مئات الفتوحات العلمية الهائلة، وخاصة في علوم الاتصالات والإعلام عبر شبكة الإنترنيت، أقول في هذا الخضم الهائل من التقدم المعرفي والعلمي، ترانا ما زلنا نناقش مثل هذه القضايا التافهة التي لا تغني ولا تسمن. ولعل من الأجدر بهؤلاء الشيوخ والأساتذة المصريين الأفاضل، أن يتفكروا بأمر أمتهم العربية وما وصلت إليه من حضيض في مختلف المجالات، كما تشير تقارير وبيانات الأمم المتحدة وخاصة في الميدان الاقتصادي، إذ تشير الإحصاءات إلي أن 48 في المائة من الشعب المصري، مثلا، يعيش تحت خط الفقر، أي أن نصف المصريين تقريبا من الفقراء، مع أن مصر تتلقي قرابة 20 مليار دولار سنويا من الولايات المتحدة، منذ ان عقدت معاهدة الصلح المنفرد مع إسرائيل. وبذلك أصبحت مصر دولة تابعة للولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل، خاصة حين تلوح لها أمريكا بقطع المساعدات إذا حادت عن الطريق المرسوم لها، أو لم تنفذ مطالبها حتي إذا كانت تنتهك سيادتها. كما أرجو أن يتنبهوا إلي أن مصر أصبحت مزرعة خصبة لإسرائيل والشركات الصهيوأمريكية العالمية، إلي حد غدت فيه نسبة عريضة من السكان تعتمد في رزقها اليومي علي العمل في هذه الشركات، وتضطر للدفاع عن وجودها لأن حياتها تعتمد عليها. وهكذا تصبح الحاجة الاقتصادية الماسة إلي البقاء علي قيد الحياة، هي التي تتحكم بجماهير الشعب، الذي سيظل قانعا بلقمة العيش، التي توفرها له تلك الشركات، ممزوجة بعرق الجبين والذل والاستغلال الاقتصادي والبشري، الذي يضطر أن يتحمله الشعب المصري. وهذه الحالة تشبه، إلي حد بعيد، تكالب العمال الفلسطينيـين علي العمل، بأجور بخسة، في أراضيهم المحتلة من جانب إسرائيل، بل وفي بناء المستوطنات اليهودية التي تكرس الاحتلال وتشرد إخوانهم وأهاليهم بالذات. وهو يقوم بذلك مضطرا للبقاء علي قيد الحياة. وهكذا فإن من الأولي بهؤلاء الشيوخ الكرام أن يعالجوا عشرات من أمثال هذه المعضلات، باعتبارها أولويات تتجاوز كثيرا معضلة السترب تيز أو التعري . أقول تتجاوزها لأنها ترتبط بمصير هذه الأمة الآيلة إلي الانقراض، كما انقرضت قبلها 14 أمة بائدة، كما يقول المؤرخ والمفكر أرنولد توينبي (في كتابه دراسة للتاريخ Study of History )، إذا لم يسارع عقلاؤها إلي إنقاذها، بالتفصيل الذي شرحته في كتاب أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي بين العقل الفاعل والعقل المنفعل .وإن احتجوا بأنهم، كرجال دين، يهتمون بالقضايا الشرعية لا السياسية أو الاقتصادية، فهذه حجة يبطلها القول بأن الإسلام هو دين ودنيا. ولو افترضنا جدلا بأنهم متخصصون بالقضايا الدينية حصرا، فهناك في هذا المجال عشرات القضايا والمعضلات ذات الصلة الوثيقة بتطبيق الشريعة، والتي تستحق الاهتمام والمناقشة، أكثر بكثير مما هم فيه. ومنها ظاهرة بن لادن والظواهري والزرقاوي وغيرهم ، وما يرتبط بها من أمور أمثال مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان، كما وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، (أنظر مقالتي في هذا الشأن المنشورة في هذه الصحيفة في 10/12/ 2004) ومدي تعارض تلك الحقوق، أو توافقها مع الشريعة. إن عدم البت في مثل هذه الأمور أو تأجيلها أو التناور والتداور حولها، أدي وسيؤدي إلي زيادة إملاءات الآخر ، وتدخله علي نحو اكبر، كما يحدث اليوم فعلا في معظم الدول العربية، التي انبطحت علي أعتابه. كما أن الأولي بهم من كل هذه السفسفات أن يهتموا بالمقولات والآراء الخطيرة الواردة علي لسان كبار المفكرين العرب المسلمين، وينقدوها بمنهجية علمية ومنطقية. ومنها، النظريات والأفكار الواردة في كتابات محمد أركون، وخاصة في أعماله: قضايا في نقد العقل الديني، كيف نفهم الإسلام اليوم؟ و الفكر الإسلامي، قراءة علمية و الفكر الأصولي واستحالة التأصيل، نحو تاريخ آخر للفكر الإسلامي و نزعة الأنسنة في الفكر العربي، جيل مسكويه والتوحيدي وغيرها، وسلسلة كتب حسن حنفي من العقيدة إلي الثورة ، وسلسلة مؤلفات محمد عابد الجابري في نقد العقل العربي .وعلي سبيل المثال فقط: هل لهم مناقشة ما ورد في كتاب الدين والدولة وتطبيق الشريعة ، للجابري؟ وخاصة في الرأي الذي يضع المصلحة العامة باعتبارها المعيار أو الفيصل، الذي يجب أن يستخدم في تطبيق الشريعة، تبعا للقاعدة الفقهية التي تقول تتغير الأحكام بتغير الأزمان ، واستنادا إلي نظرية الإمام الجويني،إمام الحرمين، الذي يري أن الصحابة أخذوا بـ المصالح الكليَّة من غير التفات إلي الأصول ، ويسند الجابري رأيه بالسوابق التاريخية!! (أنظر ص51 وما قبلها من مقدمة الكتاب تحت عنوان ضرورة المرجعية المنفتحة ).باحث ومحام من العراق يقيم في نيويورك0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية