العري أساسي في تاريخ الفن ولم أقم باختراعه هالة فيصل: استعملت جسدي قماشة لأعبر من خلاله عن رفض للحرب… وهذا كل ما هنالك!
إياد كنعانالعري أساسي في تاريخ الفن ولم أقم باختراعه هالة فيصل: استعملت جسدي قماشة لأعبر من خلاله عن رفض للحرب… وهذا كل ما هنالك! هالة فيصل فنانة سورية، مقيمة في الولايات المتحدة الامريكية، شقت الصمت النيويوركي البارد، وظهرت عارية في ساحة واشنطن بارك اسكوير، وعلي جسدها كتبت عبارات احتجاجية تطالب بوقف الحرب علي العراق وفلسطين. عندما اتصلت بها هاتفيا من عمان، كانت تعاني من اثار نزيف حاد الم بها الفترة الماضية، قالت لي وكان الارهاق باديا علي صوتها، لكنه سرعان ما تبدد مع مواصلتنا الحديث: (لقد خرجت للتو من فترة نقاهة، التزمت بها الفراش لاسابيع عدة). تحدثنا طويلا، كان حديثا حميما، لم انس فيه تلك العبارة التي قالتها قبل ان نختم حديثنا بقليل: ياه كم هي جميلة لغتنا العربية، وكررت بعض العبارات متلذذة برنينها. ودّعتني علي أمل اللقاء في دمشق او عمان، او برلين التي تنوي السفر اليها لمتابعة العلاج، لقد اشتبك في حديثنا الواقع بالحلم، بلهجتها الشامية العتيقة، تلك التي ذكرتني بصوت مني واصف الجهوري الجريء، سألتها واجابت: من هي هالة فيصل؟ هالة انسان عادي يحاول ان يعبر عن نفسه في هذا العالم المعقد، هالة امرأة منذ ان ولدت قتلها الحزن لرؤية النساء تغتصب حقوقهن… الفقراء لا يملكون حتي الكلمة يدافعون بها عن وجودهم، لقد احتفظت امي برسالة كنت قد بعثتها لها حين كان لي من العمر ست سنوات، دستها في إحدي كتب الأدب الانكليزي الذي كانت تدرسه في الجامعة، إحدي فقرات الرسالة كانت: … لم لا نترك تلك الخادمة التي في منزلنا؟ انها من لحمنا ودمنا.. . انه الاحساس برفض القهر وعدم العدالة، كان احساسا طفوليا نمي لدي من خلال تربية معينة في منزل تعلمت فيه قول الحقيقة والبحث عنها.لقد كنت طفلة حزينة هادئة قليلة الكلام، كان تركيزي في الدراسة إضافة للعزف والغناء والتمثيل في جوقة المدرسة. اذكر أني حين كنت أجلس في غرفة الجلوس أستمع الي بعض النقاشات السياسية بين الأهل وزوارهم، رغم أن قدمي لم تصلا الارض من الكرسي العالي الذي كنت اجلس عليه ، ولكن ذلك لم يمنعني من طرح اسئلة غير اعتيادية لمن هم في سني. ما هي اهم المحطات التي اثرت في مسيرتك الفنية والابداعية؟ اي طفل يبكي في أفريقيا، اية أغنية يصدح بها المغني من القلب، كل تفصيل صغير كان له تأثير علي حياتي.وفاة اختي حين كان لها من العمر ست عشرة سنة، وكنت اكبرها بعام واحد، ايقظ عندي رغبة هائجة للتعبير عن الظلم، اليس ظلما ان ترحل فتاة شابة بسبب الاهمال والتخلف، وهكذا يرحل شبان بسبب التخلف ايضا وعدم النضج الكافي وانعدام المعرفة. رحيل اختي للعالم الآخر دون سابق إنذار، جعلني أري الموت رفيقا قريبا يأخذ أيامنا في أي لحظة، رؤية الموت يأخذ أقرب الناس إلي جعلني أري كل شيء بطريقة مختلفة، دفعني للشعور بالمسؤولية تجاه العالم، والتي يجب ان امارسها قبل ان ينتهي دوري انا ايضا. لماذا اخترت العيش في الولايات المتحدة الامريكية؟ انا لم اختر الاقامة في الولايات المتحدة الامريكية، اقامتي جاءت بالصدفة، ربما لاجد اجوبة للاسئلة في الواقع، وليس عبر كتب نقرأها، او آراء نسمعها من السياسيين عن الامبريالية والرأسمالية او الشيوعية والاشتراكية. في الواقع عشت في الاتحاد السوفييتي السابق، رأيت وعشت دكتاتورية البروليتارية بأم عيني، ثم كان لي نصيب لأري الامبريالية بأعلي مستوياتها في الولايات المتحدة الامريكية، وكيف يحرك المال البشر. الفقر المدقع والغني الفاحش جنبا الي جنب في شارع واحد، وكيف ان الحرية والديمقراطية هي مفاهيم للتصدير….. ما الذي اردت قوله من خلال ما اقدمت عليه في نيويورك، عندما تعريت في احدي الساحات العامة هناك؟ اردت القول ان ما يجري في العالم معقد ومجنون! انا ارسم عادة نساء عاريات، وما قمت به بمثابة عرض فني، استمرارية لما أرسمه، لكنني استخدمت فيه هذه المرة جسدي للتعبير عن افكاري وكأنه قماش للرسم، لاني لا املك سوي جسدي الذي هو اشد نبلا من اي شيء آخر بالنسبة لي، اخترته للتعبير عن نبالة الموقف الذي اريد ان أصرح به، وعن الجنون الذي وصل اليه العالم بخلق وسائل متطورة ومعدات للقتل وسفك الدماء. ما رأيك في ردود الفعل تجاه ما فعلته؟ وهل اصبت بخيبة أمل؟ ربما اصبت بخيبة امل منذ قدومي الي هذا العالم، لكنني تعلمت ان لا انتظر الكثير، لذا لم اعد اصاب بخيبة امل، الوطنيون قدروا عملي ، وفهموا لماذا قمت بتلك المظاهرة، والاخرون ذوو العقول المتحجرة، لا انتظر منهم شيئاً، ولا ينتظرون هم من انفسهم شيئاً بالمقابل.لقد واجهني الناس في نيويورك وامريكا بتأييد واسع واحترام شديدين لما قمت به، لقد سموني Godira القرن الحالي، وهي إمرأة خيرت بين التضحية بشعبها او ان تركب الحصان عارية، واختارت ان تضحي بنفسها في سبيل شعبها، ومنهم من قال لي: لقد احييت فينا الرغبة في الحياة مرة اخري بعد كل الذي اصابنا من اوضاع العرب . ما هو دور الفنان في الدفاع عن القضايا الانسانية الكبري، مثل الاحتلال الامريكي للعراق، او احتلال فلسطين وسواهما؟ من اختار ان يكون في الطليعة ، عليه ان يأخذ دورا طليعيا… ان يوقظ الضمائر ويقول الحقائق، ان يخرج للساحات عاريا ويصرخ للعالم: ان افتحوا عيونكم وكفاكم موتا. للاسف غالبية الفنانين في عالمنا اليوم، جبناء يخافون من قول آرائهم جهارة، يغلقون افواههم بمجرد ان تمتليء جيوبهم بالمال. كيف تقيمين حجم التجاوب الشعبي الغربي سواء الامريكي او الاوروبي مع القضيتين العراقية والفلسطينية؟ حين تري الملايين تخرج للشوارع في نيويورك او برلين او غيرهما من المدن الاوروبية، اصاب بالخجل من تصرفاتنا ولا مبالاتنا، حيث لا يعنينا شيء سوي ان نشرب قهوتنا ونتمتع بشمس بلادنا الجميلة. كيف تقيمين حجم التجاوب الشعبي العربي مع القضيتين الفلسطينية والعراقية؟ الشعوب العربية تقع بين حدي المقصلة، حكوماتهم التي تنخرهم، وعدو خارجي، لقد ضُيق الحصار علي الشعوب العربية حتي فقدت الصواب، لكن ايماني بالشعوب العربية اكبر من اي شيء آخر، وهي التي ستحدد مسار التاريخ في النهاية، الشعوب هي الوحيدة التي تقوم بالثورات. الي اي مدي تقيمين التزام الفنان العربي تجاه قضاياه؟ دوره اكبر واهم…في حال عدم وجود سياسيين ومسؤولين يتمتعون بالشجاعة والشعور بالمسؤولية تجاه شعوبهم، لا بد للفنان ان يأخذ الدور، وان يكون مخلصا لضميره والشعب الذي يؤمن به، لا أحد يعرف ما هي الحقيقة فعلا، ما معني كلمة فنان مثلا! انها مجرد كلمة، احاول التعبير عن نفسي لأقترب من شيء يسمونه الحقيقة!في النهاية لا بد لمن يضع نفسه في الطليعة ان يمارس دورا طليعيا، ان يوقظ الضمائر، وان يجهر بآرائه وافكاره، ان تشعل شمعة خير من ان تلعن الظلام. لماذا اخترت العري وسيلة للاحتجاج رغم وجود وسائل احتجاج كثيرة؟ هناك الآلاف من الطرق، ولم لا هذه الطريقة! ما هي اعتراضاتكم؟ لقد استخدمت جسدي… الا املك حتي جسدي! ان الاعتراض علي ذلك مستهجن اشد الاستهجان في الغرب بل مثير للضحك. ان الكثير من اولئك الشباب والرجال الذين يهانون من احتجاج العراة ضد الحرب، لكنهم لا يهانون من الجلوس في الزوايا المظلمة لرؤية اجساد النساء والعاريات في افلام البورنو والنوادي الليلية، انهم كمن يقول لا تقربوا الصلاة دون ان يكمل الآية…علينا ان نري الأمور ضمن ظروفها وليست مجردة عن سياقها الذي وجدت فيه، انا افضل ان اري الاجساد الانسانية الجميلة عارية وتكتب عليها رسائل ضد الحرب، علي ان اراها تحترق سواء في هيروشيما وناكازاكي ام في رام الله او الفلوجة. اننا نري اجسادنا عارية كل يوم، البعض ايضا يريد ان نعريها ولكن سرا… لماذا تخجلون دائما من الوضوح؟ان المظاهرة الفنية التي قمت بها، لم تكن سوي استمرارية للوحاتي وللنساء العاريات اللواتي ارسمهن. العري في تاريخ الفن شيء اساسي ولم اكن انا التي اخترعته، ولكن الفكرة ان استخدم جسدي كقماش للتعبير عليه عن افكاري، كانت للتعبير عن نبل القضيتين العراقية والفلسطينية…. انا ضد الحرب… هذا كل ما اردت قوله.أجري الحوار: إياد كنعان0