العراق: التوافق الممكن.. العليان للرئاسة والجابري للحكومة
هارون محمدالعراق: التوافق الممكن.. العليان للرئاسة والجابري للحكومةفي العراق اليوم ثمة أزمة سياسية مركبة، أساسها الاحتلال المرفوض والفاشل علي جميع الصعد والمستويات، وفي التفاصيل تأتي نتائج الانتخابات الأخيرة وما رافقها من عمليات تزوير هائلة اضطرت اللجنة الدولية لمراقبة الانتخابات الي الاقرار بها، وقبلها اعترفت مفوضية الانتخابات المحلية (المستقلة) بالانتهاكات التي صاحبتها، ولكن دون جدوي او اعادة.ولأن الإدارة الامريكية أثبتت غباء في تعاملها مع العراق، واقعاً سابقاً، واحتلالاً مستجداً، وفي الحالة الاخيرة تحول مأزقها في العراق الي ورطة لا تقدر علي مواجهتها، حتي ان الرئيس بوش راح يتوسل بالجمهور الامريكي الناقم علي سياساته العراقية مستعطفاً (إما أن ننتصر في العراق او نهزم فيه) ورد عليه مستشار الأمن الامريكي الاسبق بريجنسكي قائلاً: هذه أسوأ استراتيجية مرت بها الولايات المتحدة الامريكية منذ السبعينات، مضيفاً (يا سيادة الرئيس بهذه الاستراتيجية ستبقي في العراق بدون نصر، ولا تستطيع الخروج منه بلا هزيمة) لذا فان ما يجري في العراق الآن هو انفتاح علي مزيد من الأزمات التي لم تعد تقتصر علي الاطراف والكتل الفائزة في الانتخابات وكيفية التوفيق او التوافق فيما بينها فحسب، وانما امتدت الي داخل الائتلاف الشيعي الذي استحوذ علي اغلبية المقاعد النيابية.فكما هو معروف ومعلن فان ثلاثة من قادة الائتلاف رشحوا انفسهم لرئاسة الحكومة المقبلة، ابراهيم الجعفري رئيس حزب الدعوة وعادل عبدالمهدي نائب رئيس المجلس الاعلي ونديم الجابري الامين العام لحزب الفضيلة الاسلامي، وقد تعرض الاخير الي حملة تشهير ظالمة من قبل شيعة واشنطن وشيعة طهران علي حد سواء، لانه اطلق افكاراً وآراء متزنة رفض فيها الأقلمة والفدرلة وقال ان الوقت الراهن الذي يمر فيه العراق لا يساعد علي مثل هذه المشاريع التي تفرق ولا تجمع، وله ايضاً وجهة نظر سليمة تقول بان أهل الخارج وهي مفردة مهذبة لجأ الي استخدامها للاشارة الي الذين عادوا الي العراق علي الدبابات الامريكية او تسلقوا عليها او ركضوا خلفها وتسلموا المواقع والمناصب القيادية، فشلوا في اداء مهماتهم ولا بد من اعطاء أهل الداخل الصابرين والمرابطين فرصة لاثبات جدارتهم لانهم أصحاب خبرات وتجارب متراكمة ويعرفون بلدهم جيداً ويدركون ماهي الأولويات في الاحتياجات والخدمات.ولأن شيعة واشنطن ونظراءهم شيعة طهران يرون في كل عراقي حتي لو عمل خفيراً او مستخدماً او موظفاً في العهد السابق، أما من اعوان النظام او متعاون معه او بعثي او صدامي حسب تصنيفاتهم، فكيف بالجابري وهو يحمل شهادة دكتوراه في العلوم السياسية حصل عليها في عهد صدام واستاذ جامعي منذ سنوات طويلة، وقد وصل التشكيك به من أحد الكتاب الشيعة بانه لم يناضل ضد النظام السابق ويقدم دليلاً علي ذلك بانه لم يكن في ايران خلال حرب الثماني سنوات، ولم يشارك في الهجمات التي قادتها الاحزاب الشيعية ضد العراق من الحدود والاراضي الايرانية، وسبق لهذا الكاتب الشيعي المقيم في دمشق، ان دافع عن وكيل وزارة الثقافة الحالي ببغداد، ويحمل عدة اسماء والقابا لا يعرف منها الصحيح والحقيقي عن المزيف والحركي، وبني دفاعه عن السيد الوكيل بان له مواقف بطولية عندما قاتل بشجاعة في معارك نهر الكرخة وشرق عبادان ضد العراق، وكأن العراق عدو ليس الا، وبعد ذلك يأتون ويزعمون انهم عراقيون، وقد يكونون عراقيين ولكن بالاسم والولادة والاوراق فقط، وليس بالهوية والحمية والارتباط، وبهذا الصدد فقد لاحظنا ان عراقيين غادروا الي ايران خلال الثمانينات وعاشوا وتزوجوا فيها ثم عادوا الي العراق عقب الاحتلال وقد فقدوا عراقيتهم تماماً وتحولوا الي ايرانيين اكثر من الايرانيين انفسهم، في لغتهم ولهجتهم وتعاملهم مع الناس وكثير منهم ما زال يتمسك بمفردات الخطاب الايراني عندما يصفون العراقيين وخصوصاً العرب منهم بانهم ظلمة ويعادون آل البيت، مما دعا أحد الظرفاء الي التعليق علي هذا القول: صحيح ان عرب العراق يعادون أتباع آل البيت.. ولكن البيت الأبيض، وهذا فخر.ومن تابع نديم الجابري في لقاءاته التلفزيونية وتصريحاته الصحافية يلاحظ انه رجل غير متكلف مثل ابراهيم الجعفري الذي غير حتي مشيته ليظهر نفسه وكأنه شخصية مهابة وقوية، والجابري ايضاً لا يفتعل النضالات والبطولات كما يفتعلها عادل عبدالمهدي الذي لا يستحي ويقول بملء الفم انه قاتل ضد النظام السابق والكل يعرف انه لم يمش علي رصيف مركز شرطة او أمن طوال حياته، والجميع يعرف ايضاً تقلباته السياسية من ناشط للعهد الملكي ومدافع عنه لان والده المرحوم عبدالمهدي المنتفجي كان وزيراً مزمناً ومن انصار نوري السعيد وصالح جبر، الي بعثي وحرس قومي يقود المفارز الامنية ويعتقل الشيوعيين والقوميين والناصريين عقب انقلاب 8 شباط (فبراير) 1963، ثم شيوعي من جماعة عزيز الحاج في بيروت، وانتهاء بشيعي طائفي في شانزليزيه باريس.وقبل ايام تعرفت بطريق الصدفة علي دبلوماسي عراقي متقاعد كان في زيارة سريعة للندن، عمل في السفارة العراقية في لبنان في السبعينات والثمانينات رأيته حزيناً ولما استفسرت عن سبب حزنه فقال: سمعت عادل عبدالمهدي يقول في احد لقاءاته التلفزيونية ان النظام السابق حرمه من جواز سفره العراقي، ورفض تجديده عندما كان في بيروت، ويضيف لقد جددت جواز سفره بيدي هذه وسلمته اليه بكل ممنونية، فلماذا يظلم العراق والعراقيين؟ وما دام الحديث عن عادل عبدالمهدي، اذكر انني كتبت عرضاً لكتاب (ثورة 14 تموز 1958) لمؤلفه الاستاذ صبحي عبدالحميد منتصف عام 1985، وتناولت في العرض عددا من وزراء العهد الملكي وافتقارهم الي الحس السياسي وانصرافهم الي مصالحهم الشخصية والحزبية والمالية وجئت علي ذكر عبدالمهدي المنتفجي، وقلت عنه ـ وهذه حقيقة سياسية وتأريخية موثقة ـ ان نوري السعيد كان يضعه تحت اليد وهو راض بذلك، يعينه وزير دولة يقبل، وزير بلا وزارة يوافق، المهم ان يبقي يحمل صفة وزير، وهو لا علم ولا فهم ولا شهادة، وفوجئت بعدها باستدعاء من وزارة الاعلام ودهشت لأنني في ذلك الوقت لم اكن اعمل لا في المؤسسات الاعلامية الحكومية ولا في الصحف المحلية، بعد استقالتي من وكالة الانباء العراقية وعزوفي عن العمل في الصحافة وافتتاحي مكتبا لبيع الورق والقرطاسية وآخر للاعلانات والنشر، وعندما ذهبت الي الوزارة وكانت في قصر السلام الذي حوله وزيرالاقبية السرية صولاغي الي سجن الآن، فوجئت مرة ثانية بضابط من مكتب العلاقات بمديرية الامن العامة وليس موظفا في الوزارة يستجوبني عن مقالتي اياها التي نشرتها في مجلة اردنية، ويسألني لماذا اتجني علي المنتفجي؟! وقلت له ان المطبوعة التي اكتب فيها ليست عراقية، وبالتالي ليس من صلاحياتك محاسبتي ثم انني تناولت قضايا لا تمس النظام الحالي ووزراءه ومسؤوليه، وتحديت ضابط الامن وقلت له: هل تريد اعتقالي دفاعاً عن وزير ملكي ومن جماعة نوري السعيد وصالح جبر.. تفضل انا حاضر؟ وسكت الضابط وغير من لهجته قائلاً: ابتعد عن هذه الموضوعات الحساسة مستقبلاً، لان نجل المرحوم عبدالمهدي ويقصد الدكتور باسل شقيق عادل، بعثي عضو قيادة فرقة أو شعبة (لا أذكر) وعميد كلية التربية الرياضية في جامعة بغداد وسيحاول الحاق الاذي بك اذا عادوت المساس بأبيه، بالمناسبة فان الدكتور باسل عبدالمهدي هو الان مستشار وزارة الشباب في حكومة الجعفري، للعلم رجاءً! وفي المحصلة فان التقييم الموضوعــــي لأهلية وكفاءة الشخصيات الثلاث، الجعفـــري وعبدالمهــــدي والجابري يصب في مصلحة الاخير، وعلي حزب الفضيلة ان يتمسك بترشيحه لرئاسة الحكومة ويصر عليه ويقنع نواب تيار الصدر وهو قريب منهم سياسياً وفقهياً بتأييده، خصوصاً وان نواب التيار والفضيلة الفائزين هم خمسون نائباً (32 للدعوة، 16 للفضيلة، 2 رساليين) بينما المجلس الاعلي 32 وحزب الدعوة 30 وجماعة شهرستاني والمستقلين 26، ونعرف ايضاً ان ثمة شرخاً بدأ يتسع بين المجلس والدعوة، كل طرف متمســك بمرشحه.وعلي الجانب الاخر، فان علي كتلة التوافق وجبهة الحوار الوطني وقائمة المصالحة وبالتعاون مع القائمة العراقية ترشيح احد اعضائها رئيساً للجمهورية وليكن خلف العليان او حسن اللهيبي مثلاً، لانهما ضابطان عسكريان سابقان، وطنيان وعروبيان، ولم يسجل عليهما انهما نافقا هذا الطرف او داهنا ذاك، ففي ترشيح احدهما اعادة اعتبار للجيش العراقي الباسل، الشوكة في عيون الطائفيين الانعزاليين ونظرائهم الانفصاليين، وتأكيد علي عروبة العراق، هذه الحقيقة التي يرتجف من سماعها طالباني وبارزاني وطباطبائي وشهرستاني ومن لف لفهم، واذا رفض الامريكان واتباعهم ترشيح العليان أواللهيبي، فان الموقف الصحيح لممثلي السنة العرب هو المقاطعة والمقاومة معاً، هذا اذا كانوا رجالا بحق وأصحاب غيرة، وليكن ما يكون. 9