العراقيون ينفردون بتمسكهم بأشياء الماضي الصغيرة نمنم عراقي: الحية والخلود

حجم الخط
0

العراقيون ينفردون بتمسكهم بأشياء الماضي الصغيرة نمنم عراقي: الحية والخلود

محمود سعيدالعراقيون ينفردون بتمسكهم بأشياء الماضي الصغيرة نمنم عراقي: الحية والخلوديعتقد كثير من العراقيين حتي الآن أن الحية لا تموت، وأنها تغير جلدها بدل الموت، وأن من يريد قتلها يجب عليه أن يسحق رأسها. وإلا نمت من جديد. والتقيت شاعراً هندياً في دبي سنة 1995 أكد وجود الأسطورة نفسها عن الحية في الهند. ولست أدري إن كانت هناك شعوب أخري تقول بذلك أم لا. فمن أين جاءت الأسطورة؟ جاءت الأسطورة من ملحمة الخليقة السومرية المعروفة بملحمة كلكامش، أو قلقميش كما يصر بعض دارسي الآثار علي تسميتها، فقد دفع الحزن قلقميش علي البحث عن سر الحياة بعد رؤية صديقه أنكيدو يموت. فترك ملكه وعزه وسافر وتعب وجاع وكاد يموت عدة مرات فأثار عطف الآلهة فدلته علي مكان عشبة الخلود، وحينما غطس واقتلع العشبة من قاع الهور، وخرج تعباً أدركه النعاس، فغفا. ثم استيقظ علي صوت غريب، وعندما فتح عينيه شاهد الأفعي تلتهم عشبة الخلود وتهرب. ولذا أصبحت خالدة لا تموت.مضي علي هذه الأسطورة أكثر من سبعة آلاف عام، لكن بعض العراقيين ما زالوا متمسكين بها. فلماذا؟فرقة أم علي البصريةمن أبرز وأثمن الآثار السومرية في المتحف العراقي قيثارة من العاج تعلوها رأس ثور من الذهب مطعمة بالأحجار الكريمة، ولست أدري أسرق هذا الأثر بعد الاحتلال أم لا. وفي السبعينات من القرن الفارط شاهدت فرقة أم علي الرائعة، وكنت آنئذ في البصرة، وفرقتها متكونة من مجموعة من النساء يغطين وجوههن بأقنعة أشبه بأقنعة المصارعين في الولايات المتحدة، فلا يبدو من وجه عضو الفرقة الغنائية سوي العينين وأرنبة الأنف والفم وهذا هو المهم لأن الفرقة غنائية. لكن الملاحظ أن أهم آلة عزف عند فرقة أم علي الشعبية الغنائية هي القيثارة. وعندما أمعنت النظر فيها رأيتها نسخة مشوهة عن الأصل السومري، إذ لم تكن من العاج، كما لم تكن رأس الثور من الذهب. كانت كلها من الخشب المصبوغ. ثم وفق الله أم علي فانتقلت إلي الكويت، تفرعت من هناك إلي بضعة أفرع شملت معظم دول الخليج. وفي دبي رأيت فرقة شعبية عراقية ربما تكون هي فرقة أم علي أو إحدي أفرعها. ولم أفاجا حينما رأيت القيثارة السومرية نفسها ما زالت أبرز آلات أم علي الموسيقية.فكيف واصلت الفرق الشعبية العراقية إبقاء آلة موسيقية مستعملة مدة سبعة آلاف سنة بينما تخلت الفرق الرسمية عن تلك الآلة، ونبذتها، ولم تعترف بها قط؟ وتركتها للغرب يطورها ليظهر خبراء موسيقيون فيها يشار اليهم بالبنان. ذلك ما لا أستطيع أن أجد له تفسيراً لحد الآن.أكو ماكو:نستعمل في العربية الفصحي يوجد ولا يوجد. موجود وغير موجود.ويستعمل أهل الشام بأقطاره كلها ودول الخليج: في. وما في.أما المصريون فيستعملون: في وما فيشوتستعمل شعوب المغرب العربي: كاين وماكاينش.في العراق نشأت أهم الدراسات العربية، والعلوم العربية، والنحو العربي، والقواميس وأوزان الشعر العربي كما يعرف الجميع، لكن الشعب العراقي لا يستعمل لفظتين عربيتين كباقي الشعوب العربية بل لفظتين سومريتين كقول طه باقر: هما أكو وماكو.ويقول إبراهيم السامرائي: إنهما أكديتان. أما الجيل اللاحق من علماء الآثار فيقول: أكو سومرية. وما عربية. وبهذا يزاوجون بين اللغتين. إن أهم سؤال يطرح نفسه لماذا أبقي العراقيون علي هذه اللفظة ولِمَ لم يغيروها كباقي أشقائهم في الدول العربية؟الرز:تستعمل الشعوب العربية كلمة الرز للدلالة علي الحبوب التي نعرفها ونطبخها ونأكلها بشكل مستمر، لكن العراقيين وحدهم من دون الشعوب العربية كلها يستعملون كلمة التمن.فمن أين جاءت؟وفي أول مربد عقد في العراق في بداية السبعينات التقيت العلامة جلال الحنفي وسألته بضعة أسئلة منها عن الطيور التي تحوم فوق دجلة فقد كان الكتاب يطلقون عليها بضعة أسماء مختلفة كطيور الماء، وعن كلمة تمن. فقال إنها صينية. وكان المرحوم عبد الكريم قاسم أرسله ليكون أول أستاذ للغة العربية في جامعة صينية، ثم غضبت عليه السلطة بعد 1963 فاستقدمته قبل أن يكمل مشروعه المهم أول قاموس عربي صيني عربي. وعندما استشارته الصين في أن يرسل بديلاً عنه بعد نحو عشرين سنة رشح المرحوم هادي العلوي.ثم أكدّ العلوي هذا الشيء في أحد كتبه. ومن هذين الاثنين علمت أن كلمة التمن هي صينية، وربما يكون الصينيون هم الذي أدخلوا الرز اللذيذ إلي المطبخ العراقي فأراد العراقيون مكافأتهم علي تلك الوجبة اللذيذة فاحتفظوا باللفظة الصينية إلي حد الآن. بعدئذ ردّ الصينيون المكافأة إلي العراقيين بأحسن منها فقالوا كل العالم عميانٌ إلا العراقيين فهم عورٌ.وهذا المثل ليس حديثاً وإنما يعود إلي أربعة آلاف سنة حيث كان في المنطقة التي تسمي الآن بحر النجف خليج كبير كانت السفن الصينية ترسو فيه وتنزل بضائعها لتتوزع في المنطقة كلها. ويبدو أن العلاقات الصينية العربية توطدت زمن الحكم العباسي، وحسبما يقول هادي العلوي إن السجل الإمبراطوري الصيني يذكر بالتفصيل طلب أحد أباطرة الصين، والذي عزل في مؤامرة داخلية، نجدة من المنصور لإعادة ملكه، فاختار المنصور ثلاثة آلاف فارس جيد التدريب وأرسلهم، وطلب من عماله تجهيزهم بخيول قوية في كل مرحلة من مراحل طريق الحرير الذي يمر من خلال إيران وأفغانستان وباكستان وشمال الهند ويصل الصين. وبالفعل مكنتهم تلك الجياد من الجري المتواصل طيلة النهار، وأوصلتهم الصين بوقت قياسي فاستطاع الإمبراطور بهم إرجاع عرشه، ثم خيرهم بين البقاء في الصين أو الرجوع فاختار معظمهم البقاء. ويبدو أن ماركو بولو التقي بعض أحفادهم في الصين وأشار إليهم.الشاي:يعدّ العراقيون الشاي بطريقة تختلف عن الآخرين، ويحبونه، ويغنون له وهناك أغنية مشهورة تمجده، وترفع من شأنه: خدري الشاي خدري. عيوني لمن أخدره.وهي تحكي قصة حبيب يطلب من حبيبته إعداد الشاي، فيقول لها: أعدي الشاي ياعيني. فتجيبه الحبيبة: يا عيني لمن أعدّه؟وهناك شاعر موصلي هو ذو النون أيوب وصفه بجملة رائعة فقال: الشاي خمر الكادحين.وكان أحد شيوخ منطقة الفرات الأوسط يحب الشاي وعندما سئل لماذا تحبه: قال أحبه لأن لونه أحمر جميل. ولأن مذاقه حلو جميل. ولأنه موضوع في إناء جميل. لحب العراقيين الشاي احتفظوا بأسماء أدواته الأجنبية كلها كما وردت لهم من غير تعريب. فهو يقدم بزجاجة يطلقون عليها الاستكان. فما أصل هذه اللفظة؟لفظة استكان تشبه لفظة التمن. فكل العرب يستعملون كلمة قدح أو كأس للزجاجة التي يصب فيها الشاي إلا العراقيين فهم يستعلمون كلمة استكان ولا يعلم معظمهم من أين أتت؟قبل مئات السنين كان الكأس الزجاجي الصغير يصنع في روسيا، في منطقة تسمي استراخان. وكان يتواجد في المدينة نفسها معمل للسكر يطلق عليه العراقيون القند وعندما جاء الشاي في بداية القرن العشرين إلي العراق، استورد العراقيون السكر من استراخان لاستعماله مع الشاي، ووجدوا تلك الأقداح الزجاجية الجميلة فجلبوها هي وأطباق صغيرة جميلة جداً توضع فيها مع السكر، ثم جلبوا معها من نفس المكان السماور فاتخذه الأغنياء وسيلة لإعداد الشاي، أما الطبقة الوسطي، فكانت تستعمل إناءين لإعداد الشاي، واحد لغلي الماء أبقوا لفظها الإنكليزي كما هو الكتلي ، والثاني لتحضير الشاي ويجب أن يكون من الفخار الصيني، ويطلقون عليه قوري الشاي وهي لفظة صينية محرفة عن اسم إمبراطور صيني كانت تلك القوارير تستورد في زمانه، بينما يطلق العرب جميعهم لفظتين عربيتين علي ذلك الإناء إحداهما: إبريق الشاي. والثانية براد الشاي. وهكذا نري أن العراقيين ينظرون إلي الجاي (الشاي) نظرة أشبه بالتقديس، وتغيير الاسم نوع من التزييف، ولما كان المقدس لا يقبل التزييف، بقيت الأسماء علي ما هي عليه. حتي أنهم يلفظون كلمة جاي كالصينين بالجيم لا بالشين كبقية العرب. لذلك بقي كل ما يتعلق بالجاي علي اسمه العجمي: الجاي صينية بدل الشاي. السماور روسية الكتلي إنكليزية بدل براد. القوري صينية بدل إبريق. القند فارسية بدل سكّر. الخاشوقة. فارسية أو تركية بدل ملعقة الشاي الصغيرة. لكنهم احتفظوا بلفظة عربية واحدة من أدوات الجاي مداهنة كي لا يغضبوا اللغة العربية وهي لفظة الصحن الذي يوضع فيه الاستكان، فأبقوها عربية: صحن.الكرات الزجاجيةيطلق السومريون علي اللؤلؤ عيون السمك، وكانوا يظنون أن الأسماك عندما تنفُق تسقط عيونها علي محار فيحتفظ بها. ولقد شاهدت في الخليج العربي نوعاً من الأسماك لا يبقي من أعينها بعد الطهي إلا كرات صغيرة بيضاء أشبه باللؤلو.ويطلق العراقيون كلمة دُعبُل علي عيون السمك.ثم أخذوا يطلقون علي الكرات الزجاجية التي يلهو بها الأطفال في لعبهم كلمة دعبل.فهل هناك تفسير لهذا التلاقح الحضاري بين هذه الشعوب؟ هناك الكثير من الكلمات السومرية ككور تنور. وشه شعير وأدبا مدرسة. ما تزال مبثوثة في التعبيرات العامية العراقية بالرغم من اندثار الحضارة السومرية قبل آلاف السنين، ومن الغريب أن اسم أحد أبواب إحدي أقدم المدن العربية في التاريخ وهي الموصل اسم سومري ما زال يستعمل إلي حد الآن. ومثبت في الوثائق الرسمية. وهو باب لكش المتجه إلي جنوب العراق، بالرغم من أن لكش هذه مدينة أهملت بعد حمورابي وطواها النسيان.ما سرّ احتفاظ العراقيين بالأسماء غير العربية؟أمثلة أخري:أكو طوز هوايا فوق الجربايا.ومعناها: يوجد غبار كثير فوق السرير.يضرب المرحوم فاضل عبد الحق العبارة أعلاه مثالاً علي انتقاء اللهجة العراقية لألفاظ معينة لتزيين رقعة الفسيفساء التراثية.أكو سومرية يوجدطوز تركية غبارهوايا مغولية كثيرفوق عربية جرباية فارسية. السريرإذا سمع أي عراقي عبارة: يوجد غبار كثير فوق السرير. يفهمها حق الفهم ولا يحتاج إلي شارح أو مترجم. لكنه عندما يتكلم عن نفس المعني يقول: أكو طوز هوايا فوق الجربايا.ومن يتتبع اللهجة المحلية في العراق يراها تحتفظ بألفاظ أشبه بمعادن صدئة تحتاج إلي من يحك ذلك الصدأ ليستخرج لآلئ ثقافية تاريخية مهمة، فمثلاً يطلق العراقيون علي الفوضي كلمة هوسة. وهي غير عربية، لكني عرفت بعدئذ أن كلمة هوسة تطلق علي إحدي أكبر القبائل الإفريقية. وقرأت عن اتفاق قديم جري بين تجار أثرياء في زمن الدولة العباسية وبين شيوخ تلك القبيلة لتصدير عمال زراعيين، يعملون في البصرة ثم تكاثر هؤلاء حتي عُدوا مئات الألوف، ومن ثم تزعمهم شخص تدعي كتب التاريخ أنه فارسي، لكني لا أعتقد ذلك. ألحق زعيمهم نسبه بالرسول وثار بهم، واحتل البصرة وخربها، ودمرها تدميراً كاملاً بحيث أنه استطاع أن يمحو معظم آثارها، وكانت تلك أعظم ثورة يقوم بها العبيد في التاريخ، واستمرت أربع عشرة سنة بالمقارنة مع ثورة سبارتاكوس التي لم تدم سوي بضعة أشهر. قضي الخليفة الموفق علي الزنج، لكن بعد فوات الأوان، فأصبح خراب البصرة مثلاً شائعاً في الأدب العربي. فيقال دائماً: بعد خراب البصرة. ما آلت إليه البصرة يعزي إلي فوضي تسببت بها قبائل الهوسة فأطلق العراقيون لفظة هوسة علي كل فوضي.وهنا يعود السؤال مرة أخري: لماذا يحتفظ العراقيون بآثار الماضي وكلماته حية إلي حدّ الآن؟جميل جمال.جميل جمال مالوش مثال صدق اللي آل جميل جمـالهذا هو المقطع الأول لكلمات أغنية المرحوم فريد الأطرش السوري الجنسية والمصري لحناً وغناءً وفناء ولهجة وحباً وهجراناً وحياة وموتاً. غناها فريد الأطرش يطري فيها جمال الراقصة الغادة السمراء الجميلة سامية جمال التي أثرّ فنها في عموم الوطن العربي آنئذ.لكن الأغنية لا علاقة لها بموضوعنا إلا بتاريخ هذين الاسمين.يعتقد كثير من المؤرخين أن أقدم اسم عربي هو يعرب والد قحطان اليمني، وأخذوا ذلك عن الرواية الشفوية التي سجلت بعد الإسلام. لكن الوثائق المستخلصة من الرقائم الآشورية والبابلية والسومرية تذكر أن اسمي جمال وجميل كانا شائعين في الزمن السومري والأكدي والبابلي. إن اسم جمال مأخوذ من الجمل. لأن الجمل حيوان وسيم جداً ومن ينظر إلي الجمل عن قرب يري فيه معالم كبرياء وأنفة وتناسق شديدة، ومن الجمل اشتق العرب المصدر جمال والفعل جَمُلَ ومئات الكلمات الأخري ومنها جميل كصيغة مبالغة للجمال. ومن أنثي الجمل الناقة اشتق العرب الشق الثاني من الجمال وهو الأناقة والتناسق. ولا توجد أي لغة شقيقة للعربية كالأكدية والبابلية والعبرية والآشورية والأثيوبية الخ فيها ما يعني الجمال والأناقة بنفس الأحرف.إذن فكلمتا جمال وجميل هما أقدم اسمين عربيين في التاريخ كانا متداولين منذ أكثر من خمسة آلاف سنة ولحد الآن.استعملت كلمة جميل أكثر من جمال. بسبب أن جميل صفة، وجمال مصدر، ولم تستعمل جمال إلا في العصور القديمة والعصر الحديث، أما كلمة جميل فكانت تستعمل باستمرار، وأول مومس اشتهرت في العصر الإسلامي كانت أم جميل، وهي من الكوفة وتسببت في القضاء علي مستقبل أحد أدهي دهاة العرب السياسيين المغيرة بن شعبة، فقد كان والياً لعمر بن الخطاب، وشهد ثلاثةٌ أنهم رأوا المغيرة في وضع مشبوه معها، وعندما سألهم عمر أرأيتم الميل في المكحلة؟ قالوا نعم. فقال لهم أين رابعكم؟ وأقام عليهم الحد، لأن المفروض أن يكون عدد الشهود أربعة لكنه عزل المغيرة ورماه في مزبلة التاريخ، فلم تقم له قائمة حتي مات. الطعاملست أدري هل هناك شعب غيرنا يحتفظ بأكلات يعود أصلها إلي أكثر من ألف سنة؟نعم لكن ليس مثلنا فلم أعثر إلا علي مثل واحد. فقد دخلت التاريخ أم علي بأكلة لذيذة ما زالت تعدّ في مصر من الحليب والحلوي.ودخلت بوران زوجة المأمون التاريخ بأكلة أخري في العراق هي البورانية وتعد من الباقلاء الخضراء ولحم الضان بالثوم والتوابل وقليل من الرز. لكن هناك عشرات الأكلات ظلت في العراق منذ العصر العباسي وإلي حد الآن. منها الهريسة، الكليجة، اللوزينة، المحلبية، ومن يتتبع كتب التراث يري المئات منها، لكني أشير إلي ما صادفني في قراءاتي وهي قليلة مقارنة بالمختصين. ولا يزال المواصلة يستعملون إلي الآن كلمة جلاب للماء البارد، الرز المفلل وهي إرث عباسي. وكلا اللفظتين كانتا مستعملتين في العصر العباسي أيضاً.فرقعة الإصبعذكر أحد كــــتب التراث أن ثلة مـــــن القضاة الأصدقاء كانوا يسهرون في العهد العباسي المجيد علي الكــــاس والطاس وأغاني الكواعب الملاس. وحينما يأخذ الطرب منهـــم مأخذه يخلعون العذار ويغمس كل منهم لحيته بالشراب ويرشه علي الآخرين كماء الورد، وأنهم يتجاوبون مع الشادن الصداح فيرددون مقاطع الأغنية ويفرقعون الأصابع.الخبر عادي جداً بحيث تري مثيلاً له الآن في أي بار من بارات شيكاغو أو لندن أو القاهرة أو باريس أو بغداد. لكن ما يستلفت النظر هو فرقعة الأصابع.فما هي فرقعة الأصابع الخالدة تلك؟هي إخراج أصوات معينة بتحريك سبابة اليمني إلي فراغ السبابة والخنصر من اليد اليسري فيحدث صوت يستعمله المطربون.الاستنتاجمما تقدم نري أن العراقيين يتفردون عن سائر معاصريهم من الشعوب الشقيقة والمجاورة بتمسكهم بأشياء صغيرة من الماضي ليست بذي بال أشبه بالنمنم الملون. فما سبب هذا التمسك؟ وهل هو ظاهرة صحية أم مرضية؟في رأيي يعود تمسكهم بهذه المنمنات لأن العراق كان مركز إمبراطورية حضارية أولي لمدة أكثر من خمسة آلاف سنة، والتمسك في الأصول مع تطويرها مبدأ أساس في كل حضارة.أما هل هذا التمسك ظاهرة صحية أو مرضية فأمر يعود الحكم فيه إلي الفلسفة وعلم النفس والاجتماع وهذا ليس من اختصاصي.روائي عراقي مقيم في الولايات المتحدة وهذا نص محاضرة ألقاها في جامعة شيكاغو في الندوة العربية.0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية