الجزائر- “القدس العربي”: انتقد الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم الجزائرية، عبد الرزاق مقري، أدوار الدول الإقليمية الإسلامية المؤثرة من العدوان على غزة، في وقت كان ينتظر منها الكثير، في ظل ما وصفه بتخاذل الحكومات العربية في نصرة فلسطين ودعم المقاومة.
وكتب مقري، المعروف بانشغاله بالملف الفلسطيني منذ سنوات طويلة، تقدير موقف حول الوضع الحالي في فلسطين بعد عملية “طوفان الأقصى”، معتبراً أن “تجاوب الأمة لم يكن كما أراده قادة المقاومة”، حيث كان الواجب، حسبه، إسنادهم في الداخل والخارج الفلسطيني.
ووفق رئيس “حمس” السابق (التسمية المختصرة لحركة مجتمع السلم)، “فلا الفلسطينيون في الضفة الغربية تحركوا في مجملهم لمواجهة الاحتلال وتغيير المعادلة الفلسطينية المتحكم فيها من قبل عباس وسلطته وتنسيقه الأمني، ولا تحركوا بما كان منشوداً في القدس والخط الأخضر”.
مقري: القوى الشيعية التي اعتبر بعض قادتها الكبار بأن الكيان الصهيوني أوهن من بيت العنكبوت ضيّعوا فرصة التموقع في الطليعة القيادية
كما أن “التحركات الشعبية في الأردن لم تتوصل إلى إجبار السلطات لإنهاء اتفاقيات وادي عربة، أو الاقتراب من الحدود، ولا حدث شيء في مصر، من داخل النظام أو على المستوى الشعبي، يحرج الحكام لينهوا التطبيع الرسمي، أو على الأقل يهددون بذلك، أو على أقل الواجب يفتحون معبر رفح ويتحملون مسؤولية نجدة المدنيين وإدخال المساعدات، وبقيت الساحة المصرية للأسف الشديد، من أهدأ الساحات في العالم العربي والإسلامي تجاه ما يحدث في فلسطين”.
وللإنصاف -يضيف مقري- “يمكن أن نعتبر الدور القطري هو أهم الأدوار من الناحية الرسمية، من خلال تحمّل مسؤولية التغطية الإعلامية المستمرة التي تقوم بها قناة الجزيرة والتي تفضح أمام العالم كله الحقيقة الإجرامية للصهاينة، وتنقل بالصور وتحليلات المختصين منجزات المقاومة، خصوصاً ما يؤديه الضابط المتقاعد الشهم فايز الدويري”.
ويرى السياسي الإسلامي الجزائري أن “الصور التي بثتها الجزيرة ساهمت أكثر من غيرها في قلب الرأي العام العالمي لصالح فلسطين وضد الاحتلال الصهيوني، وذلك مكسب إستراتيجي كبير سيُحدث فرقاً كبيراً في القضية لاحقاً بحول الله، علاوة على ثقة المقاومة فيها في المفاوضات القائمة من أجل تبادل الأسرى”.
أما عن “محور المقاومة”، كما يسميه أصحابه، فخلص مقري في تحليله إلى أنه مجرد محور سياسي أكثر من أي شيء آخر، لخدمة مشاريع سياسية لإيران و“حزب الله”.
ولفت إلى أنه رغم خيبة الأمل في موقف هؤلاء، فإن “ثمة وجهاً إيجابياً في الأمر، حيث بدا جلياً أن المقاومة الفلسطينية ذات قرار فلسطيني سيادي، وأنها لا تتحرك إلا في إطار المصلحة الفلسطينية ورؤية التحرير”. ومن المؤسف، حسب الكاتب، أن “الأمة لا تزال بعيدة عن مفهوم وحدة المصير، وأن أجزاءها الأقرب لبعضها البعض في مقاومة الكيان الصهيوني لا تعرف مفهوم عبارة “أكِلت يوم أكل الثور الأبيض”.
ومن ملامح “طوفان الأقصى” أنها أظهرت، وفق مقري، “تفرد المقاومة الفلسطينية في الانخراط الكامل في المواجهة المسلحة ضد الصهاينة في هذه الواقعة”، وأن “من يقود المعارك التاريخية في الأمة ضد أعدائها– وليس في المعارك البينية بين المسلمين– هي طائفة مؤمنة تمثل الأغلبية السنية في الأمة”، وأن “القوى الشيعية التي اعتبر بعض قادتها الكبار– الذين يتوفرون على مكانة عسكرية لا يستهان بها– بأن الكيان الصهيوني هو أوهن من بيت العنكبوت قد ضيّعوا فرصة التموقع في الطليعة القيادية لإنهاء وجود هذا البيت الهش، حسب تعبيرهم، ولن يكون لهم ذلك في المستقبل”.
وذهب السياسي الجزائري إلى أن القوى الشيعية، ومنها “حزب الله”، بات يُنظر إليها لدى غالبية المسلمين في مستوى القوة الثانوية المشاركة مع جسم الأمة الكبير في معركة إنهاء الاحتلال”، حتى وإن كانوا في كل الأحوال “أفضل من الحكام العرب العملاء والمتخاذلين جميعهم، من حيث مساعدتهم الفعلية للمقاومة الفلسطينية، طيلة السنوات، بغض النظر عن مقاصدهم”.
وتابع مقري أن “حزب الله” “يُشكر على ما يقوم به من إشغال لجزء من القوة الإسرائيلية في جنوب لبنان، كما يُشكر الحوثيون البعيدون عن أرض المعركة على مبادراتهم ومحاولاتهم لإيذاء الاحتلال، دون الدخول في النقاش العقيم حول النوايا الذي يفضّله بعض المنشغلين بالكلام عن العمل في زمن احتدام المعركة”.
أما بالنسبة للأتراك، فيقول الكاتب إن “خيبة الأمل فيهم كبيرة كذلك، إذ لم يستجيبوا هم بدورهم لهذه الفرصة التاريخية العظيمة لإنهاء التطبيع والانخراط في حركة التاريخ المؤدية حتماً إلى إنهاء الكيان، خلافاً لما يريدونه، ولما يُصرّون عليه بشأن حل الدولتين، رغم الوضوح البيّن القطعي بأن قادة الاحتلال المتحكّمين في المؤسسات الرسمية والمجتمعية الصهيونية لا يؤمنون بذلك”.
وتابع يقول: “لقد كنت حاضراً في صبيحة اليوم السابع من أكتوبر في مؤتمر العدالة والتنمية كضيف، حينما بدأت تصل أخبار الأحداث الجارية في فلسطين، وسمعت بنفسي الموقف الباهت للسيد أردوغان، ولم يتغير خطابه إلا بعد استفحال قتل النساء والأطفال في غزة وتحرك المعارضة وبعض حلفائه”.
مقري: كل ما تصرح به القيادة التركية بخصوص الشحنات الكبيرة للمساعدات لا ترفع تركيا إلى مستوى ما توقعته الأمة من قادتها، إذ دول كثيرة تستعد لإرسال طائرات وبواخر
واستطرد مقري حول أردوغان: “لا شك أن تصريحاته الحالية أقوى بكثير من تصريحات كل الحكام العرب، وأجرأ وأشجع، تنم عن عِزّة شامخة وسيادة في القرار، ولكنها إلى الآن لم تتجاوز مستوى الخطاب،
وكل ما تصرح به القيادة التركية بخصوص الشحنات الكبيرة للمساعدات لا ترفع تركيا إلى مستوى ما توقعته الأمة من قادتها، إذ دول كثيرة تستعد لإرسال طائرات وبواخر”.
وأردف أنه “لو أرادت الحكومة التركية أن تستدرك فعلاً في هذه الأيام فلترسل، أو تسمح بأسطول حرية آخر تحميه ببوارجها العسكرية لإغاثة أهل غزة، والمساهمة في كسر الحصار، أو على الأقل تسمح للبواخر بالانطلاق من موانئها، وفي العالم ناشطون غير مسلمين كثر لهم الاستعداد للتضحية بحياتهم من أجل الحرية والإنسانية، وفي العالم الإسلامي أعداد لا حصر لها من مشاريع الشهادة الذين يتوقون أن يموتوا في سبيل الله فداء لفلسطين”.
وبموازاة المواقف الرسمية، انتقد مقري تحركات الشعوب في البلاد العربية والإسلامية الأخرى التي ليست بالمستوى الذي يتناسب مع أهمية وعمق وأبعاد معركة “طوفان الأقصى” إلى الآن، رغم اتساعها وانتشارها في العديد من الدول، مشيراً إلى أن الأنظمة في العالم العربي، قد توصلت إلى تحجيم أثر القوى الحية، ومنها التيار الإسلامي.
ومن مظاهر ذلك “ما نراه في دول مطبّعة كان المفروض أن تكنس فيها الشعوب سفارات العدو، أو الدول غير المطبعة التي بقي الحراك فيها محدوداً، كما هو الحال في الجزائر، وفق ما أراه بنفسي، إذ أغلِقت الساحات أمام المحتجين على جرائم الكيان الصهيوني، ولم يجرؤ حتى النواب المحصّنون قانوناً أن يقفوا وقفة احتجاج أمام السفارة الأمريكية، وبقي الطلبة في سكون مطبق في جامعاتهم، خلافاً لما كنا نقوم به خلال سنوات طويلة من قبل”.
وليس هذا الوضع، الذي يصفه مقري بالمزري، مؤشراً على فشل أهداف “طوفان الأقصى”، حسبه، بل على العكس من ذلك “يؤكد الانتصار المتعاظم، إذ لو لا الطوفان لاستمر هذا المسار الموصوف الخطر على الأمة في الاتساع”.
وتوقّعَ الكاتب أن تحدث موجات الطوفان المتلاحقة أثراً عظيماً مع الوقت بصور أخرى غير التي تمناها أبطال المقاومة، ولن يكون العالم بعد الطوفان كما كان قبله.