الرباط ـ ‘القدس العربي’: بدأت السلطات المغربية هجوما مضادا على ناشطي جبهة البوليزاريو في المدن الصحراوية، بعد سلسلة التظاهرات التي شهدتها هذه المدن منذ صدور قرار مجلس الامن 2099 نهاية نيسان (ابريل) الماضي.
وقامت قوات الامن المغربية فجر الخميس بشن حملة اعتقالات لعدد من ناشطي الجبهة وابعدت ناشطين نرويجيين مع تقارير تتحدث عن اطلاق حملة لقاءات ونقاشات حول الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية في المناطق المتنازع عليها مع جبهة البوليزاريو استباقا لتظاهرات يوم الاحد دعا لها الناشطون الصحراويون.
وقالت مصادر متعددة ان حملة واسعة من الاعتقالات شنت الخميس تقول السلطات انها شملت من تورط في اعمال شغب واعتداء على رجال الامن خلال الايام الماضية، وقالت هيئات حقوقية ان الاعتقالات تمت فجرا.
وقال بيان صادر عن الوكيل العام للملك (النائب العام) لدى محكمة الاستئناف بالعيون، انه ثم إلقاء القبض على بعض الأشخاص يوم الخميس، ممن ‘تورطوا في أعمال الشغب التي شهدتها مدينة العيون يوم السبت الماضي والتي جرح خلالها عدد من عناصر قوات حفظ الأمن، ومن ضمنهم عنصران في حالة غيبوبة. وتم فيها أيضا تخريب الممتلكات الخاصة والعامة وترويع الساكنة عن طريق سيارات الدفع الرباعي’.
وذكر البيان أنه ‘ستتم إحالة المتورطين مع الأدلة الموثقة على الضابطة القضائية لتعميق البحث تحت إشراف النيابة العامة لهذه المحكمة، وستتم إحالة المتورطين على العدالة بعد استكمال المساطر داخل الآجال المعمول بها قانونيا’، و’أن البحث لا زال جاريا من اجل اعتقال كل المتورطين في هذه الأحداث وتقديمهم إلى العدالة وفقا للمساطر القانونية المعمول بها في المملكة’.
وشددت السلطات المحلية على ان اية تجمعات او تظاهرات عمومية تحتاج الى اذن مسبق وانها لم تسمح بتظاهرة دعي لتنظيمها يوم غد الاحد ولن تسمح للتظاهرة الا بترخيص مكتوب.
ونفى مصدر مأذون من ولاية (محافظة) العيون بوجدور الساقية الحمراء وجود أي طلب ترخيص للقيام بوقفة يوم الأحد المقبل، في تحذير واضح لمنع الوقفة التي ذكر بين ولاية العيون أن وسائل إعلام روجت لها. وشدد على ان السلطات ‘لن تسمح بأي وقفة أيا كان موقعها أو منظموها داخل تراب الولاية، إلا إذا حظيت بترخيص مكتوب وفقا للمساطر القانونية المعمول بها بهذا الشأن’ وأن ‘أي مخالفة لهذه القوانين أو الضوابط ستعرض مرتكبيها للمساءلة والزجر وفقا للقوانين والاجراءات المطبقة في هذا الشأن’.
وتحدث تجمع الصحراويين المدافعين عن حقوق الإنسان (كوديسا) الذي ترأسه الناشطة اميناتو حيدر المؤيد لجبهة البوليزاريو، عن ‘اختطافات’، و’اقتحامات’ لبيوت في مدينة العيون وأن عناصر الشرطة داهمت في حدود الساعة الخامسة صباحا من اول امس الخميس مجموعة من منازل المواطنين الصحراويين بعدد من الأحياء بالمدينة’.
وذكر البيان أن المداهمات أسفرت ‘عن اختطاف مجموعة من الشبان الصحراويين من بينهم حسب المعلومات المتوصل بها طفل صحراوي قاصر، ويتعلق الأمر بالحسين أباه البالغ من العمر 17 سنة’.
واضاف البيان فقد ‘اختطفت الشرطة المغربية الشاب الصحراوي محمد عالي الساعدي والشاب الصحراوي ياسين سيداتي كما داهمت الشرطة مجموعة من منازل المواطنين الصحراويين بعدد من الأحياء بمبرر البحث عن شبان صحراويين’ حيث خضعت ثمانية منازل للاقتحام بحثا عن مطلوبين للأمن منهم محمد هداد ومنصور ظريف، بالإضافة إلى معتقلين سياسيين سابقين سألت عناصر الشرطة عنهم ويتعلق الأمر بـعبد العزيز اياي والبشير يايا ومصطفى لبرص والحافظ التوبالي بمنزل ومحمد بركان.
وقالت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ان أساليب الاختطاف وزوار الليل عادت كمظهر من مظاهر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالصحراء.
واتهم تقرير للجمعية وزير الداخلية امحند العنصر بتحريض الأمن ووسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية المواطنين من أصول صحراوية، وذلك على إثر تدخله أمام البرلمان عندما اتهم ‘جهات أجنبية’ دون ذكرها بالوقوف وراء المظاهرات التي شهدتها أكثر من مدينة في الصحراء وحملت شعارات سياسية تطالب بـ’تقرير مصير’. ووصف التقرير تصريحات وزير الداخلية بالبرلمان بـ ‘المحرضة ضد المواطنين الصحراويين بنعتهم بأقدح النعوت وتجريمهم في أفق شرعنة إجراءات قمعية وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان سترتكب ضدهم لا محالة’.
وأوضح التقرير أن قوى الأمن بالعيون استجابت ‘لعمليات التحريض الإعلامي والرسمي التي ساهم فيها مسؤولون في الدولة المغربية’ وتحدث عن سلسلة انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان مارستها أجهزة أمنية بالعيون ضد المواطنين الذين شاركوا في المظاهرات والمسيرات السلمية التي شهدتها مدينة العيون وضد منازلهم وممتلكاتهم.
وأضاف أن ‘التطورات الخطيرة تنبىء عن تدهور أوضاع حقوق الإنسان عبر اصرار السلطات الإدارية والأمنية الاستمرار في انتهاج مقاربة أمنية ضيقة’. وسجل ‘أن حملة الإختطافات هذه تأتي في سياق التحريض المباشر الذي مارسه وزير الداخلية المغربي في تعاطيه مع الحركات الاحتجاجية والمظاهرات والمسيرات السلمية التي شهدتها مدن الصحراء في اطار تفاعلات وتطورات ومستجدات ملف النزاع حول الصحراء’.
ووصف التقرير الإختطافات بـ’اجراءات تعسفية وغير قانونية تقع ضمن خانة الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان لأنها تمت خارج الأوقات القانونية و’بوشرت من طرف مجموعات متعددة من الأمن بعضها غير مخول له القيام بمهام الضبط والاعتقال ولم تخضع للمساطر القانونية الواجب اتباعها في الإعتقال كما هو متعارف عليه انطلاقا من المواثيق والعهود الدولية وكما هو منظم بالقانون المغربي على علاته’.
واعتبر التقرير ‘حملة الاختطافات والاعتقالات التعسفية هذه تأتي كإجراء عقابي انتقامي للحد من الحركية الإحتجاجية التي تشهدها منطقة الصحراء والمرتبطة بتطورات النزاع حول الصحراء، وبعد فشل كافة المقاربات الأمنية التي ما فتئت تنهجها السلطات الأمنية والإدارية بالمنطقة للرد على كافة مظاهر الإحتجاجات’.
وحذر التقرير من ‘انزلاقات وضعية حقوق الإنسان نحو التدهور بسبب ارتكاب القوى العمومية بالعيون انتهاكات لحقوق الإنسان في غياب للمساءلة والمتابعة القانونية في اطار تمكين مرتكبي هذه الانتهاكات من الإفلات من العقاب’. كما ندد بـ ‘التصريحات المغرضة والتحريضية لوزير الداخلية اتجاه الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وبالحملة الإعلامية المغرضة ضد المواطنين الصحراويين وضد الجمعية الإنسان’.
وجدد التقرير طلبه ‘بفك الحصار الأمني والإعلامي عن منطقة الصحراء وبضرورة اقرار آلية أممية للمراقبة والتقرير عن أوضاع حقوق الإنسان بالصحراء’.
من جهة اخرى ابعدت السلطات المغربية الخميس ثلاثة أجانب من جنسية نرويجية قالت مصادر ولاية أمن العيون انه ‘تم ضبط هؤلاء الأجانب الذين دخلوا مدينة العيون تحت غطاء السياحة وهم يحضرون لأعمال من شأنها المساس بالنظام العام’.
والناشطون النرويجيون هم Lise Resvold (طالبة 24 سنة) و Inger Langli (ناشط برابطة الطاقة الصناعية 28 سنة) وMatide Uaggerud ( طالبة 21 سنة).
وحسب بيان صادر عن أمن العيون فإن المدينة ‘تبقى مفتوحة لكل الوفود الأجنبية التي ترغب في زيارتها شريطة أن تسلك الطريقة القانونية المتعارف عليها في هذا الشأن’.
ونقل موقع ‘لكم. كوم’ عن مصادر موثوقة أن الأمر يتعلق بثلاثة ناشطين ينتمون إلى ‘اللجنة النرويجية للتضامن مع الشعب الصحراوي’، كانوا يعتزمون إنجاز تقرير ميداني عن التطورات الأخيرة التي شهدتها المدينة.
وطبقا لنفس المصادر فإن فرقة مكونة من عشرة عناصر من القوات الخاصة بزي مدني قامت في حدود الساعة التاسعة ونصف من صباح يوم اول امس الخميس بالتوقيت المحلي للعيون باقتحام الفندق الذين كان يتواجد به الناشطون ‘ليتم بعد ذلك وضعهم رغما عن إرادتهم على متن سيارة شرطة مدنية وطردهم نحو مدينة اكادير’.
وتستعد الاحزاب والجمعيات الاهلية المؤيدة لمغربية الصحراء لحملة نشاطات وحوارات في المدن الصحراوية لتدارس القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تشغل المواطن بالمنطقة والتي قد تشكل عاملا محرضا على تأييد جبهة البوليزاريو ودعوتها لانفصال الصحراء عن المغرب واقامة دولة مستقلة عليها.
واطلق حزب العدالة والتنمية الحاكم وجناحه النقابي الاتحاد الوطني للشغل وجناحه الدعوي حركة التوحيد والاصلاح نداء مشتركا أطلقوا عليه ‘نداء العيون من أجل حوار مسؤول’ أملته ‘دقة المرحلة التي تجتازها القضية الوطنية، ولأولوية تحكيم العقل ومبدأ الحوار المسؤول، واقتناع الهيئات الشريكة بضرورة البحث عن مقاربة جديدة للتعامل مع الوضعية في الصحراء تكفل للجميع حرية الرأي في إطار ديمقراطي و مسؤول’.
وارتكز ‘ نداء العيون’ على ستة منطلقات كفيلة بتفعيل مبادرة الحوار مع مختلف الفعاليات والانتماءات بالجهة دون توضيح ان كانت الجهات المؤيدة لجبهة البوليزاريو مدعوة لهذا الحوار ام لا، منبها أن سياسة الاحتكام للشارع ‘ستفضي حتما إلى توسيع دائرة العنف وتعقيد الوضع الأمني بالمنطقة’ والحسم في الخيار الديمقراطي بمحاربة الفساد واقتصاد الريع والقطع مع منطق التحكم في قضايا المنطقة، لضمان وتعزيز الوحدة الوطنية.
من جهته ادان حزب التقدم والاشتراكية (الحزب الشيوعي المغربي ) المشارك بالحكومة ‘أعمال التخريب والاعتداء على الأشخاص والممتلكات التي عرفتها بعض مدن الصحراء المغربية في الآونة الأخيرة’ التي اعتبرها محاولة يائسة من أعداء وحدة المغرب، خارج الوطن وداخله، لتحريف أنظار المجتمع الدولي عن الانتصار الدبلوماسي البين الذي حققه المغرب.
ودعا بلاغ للديوان السياسي للحزب ارسل لـ’القدس العربي’ إلى ‘التعامل الحازم والصارم، في إطار متطلبات دولة الحق والقانون، مع كل دعوات الانفصال والمحاولات اليائسة التي تهدف إلى النيل من الاستقرار وتمس بالأمن والنظام العام، والتي تتم في استغلال لأجواء الحرية والانفتاح التي تميز بلادنا.’
واعتبر البلاغ، أن الدولة مطالبة بالمضي قدما في تنزيل النموذج الديمقراطي لتدبير قضايانا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي مقدمة ذلك ملف وحدتنا الترابية، الذي يستلزم تدبيرا ديمقراطيا وتشاركيا فعالا، في إطار رؤية شمولية تمكن من تعزيز الجبهة الداخلية، وتسمح بإحراز التقدم المنشود على الواجهة الدبلوماسية والدولية، بمساهمة من مختلف الفاعلين وفي طليعتهم المؤسسة الملكية وما تضطلع به من أدوار حيوية مكنت من تحقيق مكاسب هامة في هذا الملف.