السؤال الذي يتهرب منه الجميع في مصر

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن، وبعد نزول مئات الآلاف من معارضي الرئيس مرسي متظاهرين في الشوارع، وميدان التحرير، وامام قصر الاتحادية، ما هي الخطوة التالية، ماذا سيحدث اليوم وغدا، والاشهر القادمة؟
دعونا نعترف بحقيقة يجب ان يتوقف عندها الجميع، وهي ان مصر تعيش مأزقا يتأزم ويزداد تعقيدا في تواز مع انقسام يتفاقم على المستويات كافة.
المؤسسة الوحيدة المتماسكة هي المؤسسة العسكرية، تماما مثل جميع دول العالم الثالث سواء الديمقراطية منها او الديكتاتورية، ومن الواضح ان هذه المؤسسة تراقب الوضع عن قرب، وتبحث خياراتها، وجميعها مقلق وغير مضمون.
المؤسسة العسكرية المصرية ممثلة بالفريق اول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع قائد الجيش، اعطت النخبة السياسية، في السلطة والمعارضة، مهلة لمدة خمسة ايام لحل الأزمة فيما بين اطيافها العقائدية، والاّ فإنها ستنحاز للشعب، وتتدخل لمنع انهيار الدولة ومؤسساتها.
هذه المهلة انتهت اليوم، والأزمة على حالها، ان لم تكن اسوأ، فكيف ستكون خطوتها القادمة، وهل ستنفذ تهديداتها وتستولي على السلطة، وتعلن حالة الطوارئ والاحكام العرفية بالتالي؟
امكانيات الحلول الوسط معدومة تماما، فكل طرف في الأزمة يتخندق في موقعه ويرفض التراجع مليمترا واحدا، معارضو الرئيس مرسي يرفعون شعارات تطالب برحيله وليس انتخابات رئاسية مبكرة مثلما كان عليه الحال قبل احتجاجات الامس، ومؤيدوه يصرّون على انه رأس الشرعية ومنتخب من الشعب ويجب اكمال مدته في كرسي الرئاسة لثلاث سنوات اخرى.
الرئيس مرسي لن يرحل استجابة للمظاهرات التي تطالبه بذلك حتى لو نزل الملايين الى الشوارع، ولكنه قطعا سيجبر على الرحيل لو تدخل الجيش واستولى على السلطة والحكم تماما مثلما فعل اثناء ثورة 25 يناير، ولكن هناك فارقا كبيرا بين الرئيس مرسي المنتخب والمدعوم من قطاع عريض من الشعب، والرئيس مبارك المكروه من الغالبية الساحقة منه.
‘ ‘ ‘
دعونا نفترض جدلا ان الجيش المصري تدخل واستولى على السلطة تنفيذا لتهديداته، ووجدت هذه الخطوة ترحيبا شعبيا، فهل سترحب النخبة السياسية بشقيها في السلطة والمعارضة بهذا التدخل؟ وان لم ترض عن هذه الخطوة، ونحن سمعناها تردد شعارها ‘يسقط يسقط حكم العسكر’ كيف سيكون رد فعلها، فهل ستنزل الى الشارع؟
نضيف سؤالا آخر ضروريا،هل لو رضخ الرئيس مرسي لمطالب المعارضة، وقبل بإجراء انتخابات رئاسية خرج منها منتصرا، فهل ستقبل المعارضة نتائج هذه الانتخابات، وتحترم رأي الشعب وحكم صناديق الاقتراع، ام انها ستعود الى الشارع مجددا؟
يكذب من يقول انه يملك اجابة عن هذه الاسئلة او بعضها، فالكراهية هي السائدة، والتحريض ضد الآخر هو العنوان الرئيسي للأزمة، والحلول الوسط الخلاقة ممنوعة من الطرح مهما كانت نوايا اصحابها سليمة ووطنية، وتضع مصلحة مصر فوق كل الاعتبارات.
الرئيس مرسي ارتكب اخطاء كبيرة، واعترف هو بنفسه انه ندم على اصدار الاعلان الدستوري، وحصيلة عام من الحكم لم تكن وردية، فقد هجره الكثير من مستشاريه الذين اختارهم بنفسه، والاهم من ذلك انه لم ينجح في ان يكون رئيسا لكل المصريين، وهناك من يجادل انه لم يعط الفرصة الكافية لاصلاح هذه الاخطاء، فسنة واحدة ليست كافية للحكم عليه، وهناك من يرى عكس ذلك.
من الواضح ان قدر الشعب المصري، او قطاع كبير منه، ان يظل متظاهرا في الميادين العامة، بتحريض من النخبة في الجانبين التي فشلت في التعايش، وفشلت في تقديم الحلول لأزمات البلاد المتفاقمة.
مصر باتت تستعصي على الحكم والحكام، واي شخص يتطوع لقيادتها في هذه المرحلة يقدم على مغامرة، او مقامرة، غير محمودة العواقب، مهما امتلك من ادوات الحكمة والذكاء والخبرة، ففي مصر تسعون مليون سياسي، واكثر من نصفهم يفتون في السياسة، وكيفية ادارة شؤون البلاد.
‘ ‘ ‘
ديون مصر تتفاقم وعجز ميزانيتها يصل الى 25 مليار دولار، ومياهها تتعرض للسرقة، والبطالة تصل الى معدلات قياسية، وسياحها هربوا، واشقاؤها العرب الاغنياء يديرون وجههم الى الناحية الاخرى، وبعضهم يشمت ابتساما وفرحا، وصندوق النقد الدولي يتصرف مثل شايلوك تاجر البندقية يريد المزيد من الجوع للشعب المصري مقابل كل دولار يقدمه.
يظل لزاما علينا ان نشيد بالشعب المصري العظيم الذي حافظ على سلمية مظاهراته، سواء في ميدان التحرير او ميدان رابعة العدوية، حتى كتابة هذه السطور على الاقل، فلم نر نقطة دم واحدة تسفك، ولا شعارا بذيئا يتردد، وهذه هي قمة السلوك الحضاري في اعتقادنا.
طرحنا الكثير من الاسئلة، ولكن هناك سؤالا آخيرا لا بدّ من طرحه، وهو: اين حكماء مصر، ولماذا غابوا عن المشهد، واين اعلامها واعلاميوها المسؤولون، لماذا لم يفكروا بمصلحة مصر اولا، وينظروا اكثر الى الامام، بمنظار وطني؟
النخبة اثبتت انها ليست نخبة، ولا تستحق هذه التسمية، لانها فشلت وافشلت كل طموحات الشعب المصري في الديمقراطية والتعايش والمستقبل المشرّف، ومن المؤلم ان البديل هو الجيش.
Twitter:@abdelbariatwan

 

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول علي محمد:

    اللهم احفظ مصر وشعب مصر امين

  2. يقول العربي سليم الجزائر:

    الديمقراظية تعني سلطة الشعب و لا يمكن تجسيدها الا من خلال صناديق الاقتراع ليخرج منه المسؤول الدي اختاره الشعب با لاغلبية و يجب في نفس الوقت علي الاقلية احترام اختيار الاغلبية و عدم عرقلة مسيرة الوطن في البناء و التقدم زد علي دلك الديمقراطية هي وسيلة وليست غاية يتم من خلالها ازالة الفسا د الي اقصي درجة من كل دوائر الدولة و هو ما ينعكس ايجابيا علي الشعب في طل مناخ من العمل المتواصل و تلعب المعارضة دور الرقيب البناء و ليس لضرب حزب اخر عاني ما عاني زمن عبد الناصر و مبارك مثلما يخصل اليوم في مصر

  3. يقول اوس:

    الشعب المصري والشعوب العربية يجب ان تقدم الولاء والطاعة
    للامريكان واليهود لانهم اسياد العالم..
    الجيش المصري هو اخر الجيوش العربية القوية بعد انتهاء الجيش العراقي والليبي والسوري عالطريق…

    عبقرية المصريين تقدم لنا نموذجا جديدا ؛
    رئيس جديد كل سنة

  4. يقول جمال الشابة:

    لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. والله يا أستاذ عبد الباري انا ضد الإخوان بان يحكموا وخاصة مصر الحبيبة. لدي كلام كثير ولكن لا استطيع ان اكتب……. حسبي الله ونعم الوكيل. انه ليس بربيع عربي انه (الكرسي العربي) والسلام

  5. يقول محمد فلسطين:

    انا مش معك في تماسك الجيش و اقول ان
    تشرذم الجيش المصري قادم
    و النصر لجند الاسلام العظيم
    نسأل الله ان ينصر الاخوان
    وندعوا الاخوان المنتسبين للجيش شق عصا الطاعة للفسقة امثال الحقير السيسي و مساندة دينهم

  6. يقول Hassan:

    الإسلام يرعبهم. الإسلام لا ينحصر في الإخوان. الإسلام يحاربونه بشتى الطرق.
    الإسلام سوف ينتصر في النهاية.

  7. يقول احمد عبد الرحيم * مصر:

    الحوار المنفرد رائع واعجبني جدااااااااا
    ولكن هل من احد عليه ان يجيب صاحب الاجابة الوحيد علي هذه الاسئلة وان كنت اكتب بعد فترة طويلة من الزمان من تدهور الاحداث هو الشعب
    هو صاحب الشرعية هو من يعطيها ويمنعها
    ان مرسي او مبارك هما معا جاء مبارك في فترة رائاسته الاخيرة عن طريق الانتخاب وان كانت مشكوك فيها ومرسي ايضاء ولكن …
    شعب 25 يناير لن ينتظر لكي يضع نفسه مرة اخري بين فكي قسوة خرجت من جعبة ديناصور طاغي فهما وجها واحد ( حزب وطني + حرية وعدالة )
    نحن اصحاب الكلمة الشعب المصري واعطي الاجابة يوم ان اطاح بنظام في 17 يوم كان عمره 30 عاماً فليس من الصعب ان يزيل نظام عمره سنه في 3 ايام

1 13 14 15

إشترك في قائمتنا البريدية