الروائية الجزائرية الشابة سارة حيدر: أصنف كتاباتي ضمن الأدب الهدام!
الروائية الجزائرية الشابة سارة حيدر: أصنف كتاباتي ضمن الأدب الهدام!الجزائر ـ القدس العربي سارة حيدر من روائيات الجيل الجديد في الجزائر، أصدرت منذ سنة تقريبا رواية زنادقة عن منشورات الاختلاف والتي نالت علي اثرها جائزة أبوليوس لأول رواية من قبل المكتبة الوطنية الجزائرية ولاقي عملها ترحيبا كبيرا من قبل القراء والنقاد علي السواء رغم صغر سنها، وهي تحضر نفسها هذه الأيام لاصدار عملها الثاني لعاب المحبرة في نشر مشترك بين الدار العربية للعلوم بلبنان ومنشورات الاختلاف بالجزائر. هنا لقاء قصير لرصد اهتماماتها وانشغالاتها الأدبية. لماذا تعتقدين أن الكتابة مهمة في حياتك، والعكس صحيح أيضا؟ لقد أصبت: العكس هو الصحيح ! ولكن ليس الي ذلك الحد الذي تصبح فيه الكتابة وسيلة للتسلية أو تمضية الوقت.. الأمر معقد نوعا ما؛ ذلك أنني عندما أباشر رواية ما، ينتابني شعور مكثف بعظمة هذه المهمة، بجمالها ومتعتها؛ وأحس بحاجة ماسة لأن أفعل كل ما بوسعي كي أجعل من روايتي عملا يستحق الاحترام..لكني لا أذهب في شهوتي هذه الي درجة القول بأن الكتابة هي الحياة .. ذلك في نظري مبالغة لا طائل منها، بل تكون أحيانا السبب المباشر لفشلنا في الحياة.. من السهل علي كاتب أن يكرس نفسه كليا للكتابة كي يبرر بها فيما بعد فشله في الحياة، وعندئذ تصبح الكتابة ملجأ لا أكثر! بالنسبة لي، الكتابة، تماما كالمال أو الأكل أو الدراسة، مجرد وسيلة نصل بها الي هدف معين.. وهدفي منها هو أولا: ارضاء للغرور (الغرور الناجم عن ادراك صائب لقيمتي الذاتية وليس ذلك الادراك المتضخم أو الوهمي)، وثانيا: جعل القراء يعيدون النظر في حياتهم وقناعاتهم، و ـ لم لا (تحطيم هذه الأخيرة ذلك أنني من دعاة: القناعة الوحيدة التي يجب أن تمتلكها هي ألا تمتلك أية قناعة ) وتخريب حياتهم! علي الاعتراف أنني أميل الي تصنيف كتاباتي ضمن الأدب الهدام! كنت رافضة لفكرة النشر من أساسها. لماذا غيرت وجهة نظرك؟ رفضت فكرة النشر لأنني ألقيت نظرة سريعة علي ما ينشر في وسطنا الأدبي فوجدت أنه ليس بالضرورة الأفضل، وغالبا ما يكون رديئا أو متماديا في الرداءة.. وتعززت قناعتي هذه عندما أتيحت لي فرصة الاطلاع علي كتابات بعض الأصدقاء التي يرفضون نشرها، وقارنتها مع ما يباع في السوق الجزائرية للكِتاب فصدمني الفرق! أنا لا ألمح طبعا الي أن امتناعي عن النشر كان ثمرة لاقتناعي بأن كتاباتي أعظم وأجود مما يكتب.. لكنني خشيت أن تُدمج أعمالي ـ ان نشرتها في سياق معين أوصم به الي الأبد.. وان كنت قد نشرت زنادقة فهذا لا يعني أنني غيرت وجهة نظري ـ كما تفضلت ـ بل طريقة التعبير عنها فحسب! تحبين ميشو رغم غرابة عوالمه وتعقد كتاباته. لماذا يا تري؟ في الحقيقة، لا أجد تفسيرا لهذا الانجذاب الرهيب الذي يربطني بميشو.. ليس انجذابا فحسب بل رابطة عقائدية كالتي تجمع بين أفراد حلقة دينية ما في الهند أو الصين.. الغريب في الأمر أنني لا أفهم كل ما يكتبه لكني أشعر به، لا أفك كل رموزه لكني أتلقفها غريزيا ودون تفسير معقول.. ان ما يربطني بميشو ـ تماما مثل ما يربطني بالمتنبي ـ يفلت من قبضة الكلمات. لماذا تقرئين بروست هذه الأيام؟ في بدايةالأمر، دفعني اليه الفضول لا أكثر. أردت أن أعرف من هذا الذي يكتب عشرين صفحة لوصف قبلة وأربعين صفحة لوصف غرفة نوم.. بدأت بـ حب سوان لكني عدلت عنه بسرعة لأسباب معروفة لدي الجميع.. أما الآن فأنا أقرأ ألبرتين الميتة الذي نصحني به صديق لي مضيفا هذه العبارة التي أضرمت فضولي: عندما تقرئينه، سوف تموتين دون ندم ! أنا الآن في الصفحة المئة وعكس سوان ، أشعر بلذة لا وصف لها. هل تعتقدين أن لعاب المحبرة تمثل لحظة مهمة في تجربتك بالمقارنة مع زنادقة ؟ لا وجه للمقارنة بين لعاب المحبرة و زنادقة .. زنادقة بالنسبة لي مثل الحب الأول (الذي يكون عادة في فترة المراهقة) بالنسبة للرجل.. ولا يخفاك أن أي رجل، مهما حاول أن يجعل من هذا الحب تجربة مميزة ورائعة، لا يستطيع الا أن يسخر منه! هذا هو الحال مع زنادقة.. أما لعاب المحبرة ، فتجربة جديدة، ناضجة وواثقة من نفسها.. رواية حاولت فيها أن أضع مسألة الكتابة في قفص الاتهام، أن ألعب في آن واحد دور النائب العام ومحامي الدفاع. أما الحكم النهائي فأتركه لهيئة المحلفين (القراء).. بالرغم من أنني قد حكمت عليها مسبقا: السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة! في روايتك، تشغلك قضايا عربية علي الرغم من أنك غير مبالية علي المستوي الشخصي بالالتزام وما شابه ذلك. يبدو أنك لم تلاحظ أن بطل الرواية (مثلي تماما) رجل لا منتمٍ، يتفرج علي مشاهد المهزلة العربية بسخرية ولامبالاة صادقتين.. وقد تعمدت أن أجعل بعض الشخصيات علي النقيض من ذلك: ملتزمة برابطة العروبة وقومية الي درجة مَرَضِيَّة.. فعلت ذلك لسببين: أولهما أن أتفادي أخطائي السابقة في زنادقة (التطرف والتمسك الصبياني بصحة رأينا)، وثانيهما أن أظهر بطريقة غير مباشرة سخافة هذا الانتماء وعقمه علي الصعيد العملي.. والمضحك في الأمر أنني اكتشفت في النهاية أنها طريق ملتوية للوصول الي النتيجة نفسها: أنا علي حق! كيف ربطت بين الموسيقي والأدب في لعاب المحبرة ؟ الموسيقي هي أصوات تفكر والأدب هو فكر يعبر عن نفسه بلغة تشبه الي حد بعيد النوتات الموسيقية.. انها علاقة ترابط كما تري.. أما بالنسبة لي فقد اكتشفت فجأة أنني لا أستطيع أن أكتب دون الاستماع الي بيتهوفن أو ألبينوني أو ريمسكي، وأنني عندما أنصت للموسيقي في جوف الليل، عندما يجافيني النوم، أقفز ملسوعة من السرير وأسارع لجهاز الكمبيوتر كي أكتب ما ألهمتني اياه هذه الأصوات المفكرة .. لا، ليست علاقة ترابطية بل هي علاقة حب. هل تعتقدين أنك تكتبين خارج ما تكتبه النساء في بلادنا أم هناك خط مشترك؟ لا أحب هذه التصنيفات الظالمة: الأدب النسوي ، أدب العشرية السوداء ، أدب الجيل الجديد …الخ.أنا أكتب بحرية، دون أن ألقي بالا لما يكتبه الآخرون، دون أن أحاول التشبه بهذا أو ذاك ودون أن أبذل أي جهد للاختلاف عنهم.. لكنني، عندما أعيد قراءة ما كتبت، أجده يصنف نفسه بنفسه في خانة: أدب سارة حيدر .التقاها: بشير مفتي0