الرجل غير المناسب في المكان المهم!

لطالما كانت معضلة عصية الحل على المسؤولين الكرويين لايجاد المدرب المناسب للمنتخب الوطني، فهي اليوم باتت مهمة ذات حساسية عالية كونها تؤجج مشاعر الملايين من أبناء الوطن.
فبعدما أصبحت كرة القدم هي الوسيلة الأكثر ملائمة لاستعراض غريزة التحدي بين الشعوب، عوض الحروب والصدامات العسكرية، فان مهمة اختيار من يكون على رأس هذا الجيش المسمى بـ«المنتخب الوطني» أكثر أهمية مما يبدو عليه الامر. فالمواطن العادي لن يعارض اختيار هذا المسؤول لهذا المنصب، او ذاك الوزير لهذه الوزارة، رغم أهمية المنصب، لكن لجهله بماضيهما ومقتضيات عملهما، فلا يتدخل أو يبدي رأياً أو حتى يكترث من الأساس بهكذا تعيين، رغم نشر الخبر في صدور الصحف اليومية وفي أهم المواقع الحكومية، لكن عملية اختيار المدرب للمنتخب الوطني لكرة القدم، يبدو وكأن الجميع يصبح خبيراً، ولكل رأيه بالمرشحين لهذا المنصب، بل الجميع يعلم كل صغيرة وكبيرة عن السيرة المهنية لكل مرشح، بل وأسلوب عمله وخصائصه، بالاضافة الى انجازاته وكبواته، واختياراته المفضلة، لتكون الصورة واضحة حتى قبل الاعلان الرسمي عن التعيين، وكأن هذا المدرب سينشل وطناً كاملاً من كبوته ويضح الفرحة على وجوه الجميع بمجرد نجاح فريقه في تحقيق الفوز والانتصار في المباراة المقبلة، وهذا ما لا يستطيع فعله أي مسؤول آخر بانجاز أي صفقة للبلاد مهما بلغت أهميتها.
هذه المقدمة ربما مدخلاً مهما لرؤية وتحليل نتائج المباريات الدولية في الأيام الاخيرة، في كل القارات، وأهمها ربما تصفيات كأس العالم في القارة الآسيوية، التي شهدت سقوطاً جديداً للمنتخب السعودي على أرضه امام المنتخب الياباني بهدفين مقابل لا شيء، وهي الخسارة الخامسة لـ«الأخضر» تحت ادارة الإيطالي روبرتو مانشيني في المباريات الرسمية والودية، والتي أعلن بعدها المدرب الايطالي أنه سينافس استراليا على المركز الثاني للتأهل الى كأس العالم، ما شكل خيبة وصدمة للجمهور السعودي العاشق بشغف لكرة القدم ولمنتخبه، وأيضا كانت نتيجة مخيبة ليلد يسعى الى أن يكون رائداً في عالم الرياضة، خصوصا في كرة القدم الآسيوية والعالمية، خصوصاً أنه بات المرشح الوحيد لاستضافة كأس العالم 2034، وفجأة انقلبت الأمور، وانعكس على المزاج العام، فبعدما كان الأمل بتعيين مدرب يعتبر من صفوة النخبة وبراتب سنوي عال جداً، أغرته بأن يترك وظيفته مدرباً للمنتخب الايطالي الذي أحرز معه كأس أمم أوروبا، لكن ذلك لم ينعكس على المنتخب السعودي، وبات هذا المنصب الحساس، يشكل لعنة على صاحبه، فرغم أن المدرب الايطالي يتعامل بواقعية تفتقد الى الحس التاريخي، ويلجأ عادة الى أساليب تعليق الاخطاء على شماعة الآخرين، ومنها اللاعبين، فان الجماهير لا تتوانى في التعبير عن غضبها ورؤيتها لعلل المدرب التكتيكية داخل الملعب، والتي تؤثر بالتالي على النتائج، لتكون ربما الصوة أكثر وضوحاً للمحللين والمتابعين، الذي يرون، ومنذ زمن، أن هذا المدرب غير مناسب لقيادة هذا الفريق، وربما قيادة حلم بلد يأمل بتحقيق الكثير في المستقبل القريب.
في الواقع هذا المثال المتجسد في مانشيني كان موجوداً في كل القارات، ففي انكلترا ثارت الصحافة والمشجعون على خسارة المنتخب في أرضه استاد «ويمبلي» العريق، أمام اليونان، هي خسارة تاريخية كونها الأولى أمام هذا المنتخب، لكنها جاءت تحت يدي مدرب «متدرب» هو لي كارسلي، الذي حاول أن يستعرض مرونته وحنكته التدريبية باللعب بدون رأس حربة صريح في ظل غياب المهاجم الاول هاري كاين المصاب، وجاء النتيجة عكسية وسلبية، ربما ستحرمه فرصة الحظي بتدريب المنتخب بصورة دائمة.
وفي أفريقيا، كانت هناك حساسية من تعيين البوسني فلاديمير بيتكوفيتش مدرباً للمنتخب الجزائري خلفاً لصاحب الشعبية الجارفة جمال بلماضي، لكن المدرب الأوروبي سرعان ما ذلل كل هذه المخاوف بعروض قوية، كان آخرها الفوز على توغو في تصفيات أمم افريقيا بخماسية مقابل هدف واحد، ومع ذلك اعتبر انه غير راض ويسعى الى مزيد من التحسن، ما زاد من حالة الاطمئنان لدى جمهور «محاربي الصحراء» أصحاب المراس الصعب.
النتائج الايجابية والانتصارات دائماً تقود الى الاستقرار، ما دامت الجماهير، أو الشعب، يشعر بالراحة والرضا، لكن في بعض الاحيان لا تكون النتائج ايجابية لكن العروض يجب أن تبقى دائماً مقنعة، ويجب أن يكون هناك تحسن وتطور، كي يبقى الرجل المهم في المكان المناسب، رغم ان لا أمان في عالم كرة القدم، ففي بعض الاحيان يكون الرجل غير المناسب في المكان المهم.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية