الربيع العربي: ولادة مبكرة أم فوضى مفتعلة؟

حجم الخط
0

لا أهمية كبيرة لتقليب صفحات الماضي القريب ولا البعيد، الذي أوجد حالة ما أصبح يعرف بالربيع العربي. ولـــكن السؤال الذي تدور حوله أحاديث الكثير من البشر: هل الربيع العربي ظاهرة طبيعية ضمن صيرورة التطور التاريخي، لأية أمة أو شعب، لا بد من المرور بها؟ أو السؤال بطريقة أخرى: هل الربيع العربي منا وفينا؟ أم أن الربيع العربي ليس أصلياً (فوضى من آخرين متآمرين)؟ والدلالة على ذلك أنه ‘إصفر’ قبل موعده وأصبح أي فصل عدا الربيع.
إن أي كائن حي لا بد له من تفاعل مع المحيط، والعرب ورغم حالة الإنحطاط التي كانت ولا زالت تعيشها الأمة العربية، فإنه لا بد لهذه الأمة الحية أن تتقدم. فأحداث عظمى في التاريخ، بدلت حالة الأمم بفعل صاعق تواجد ببطن التراكمات الحبلى بالضغط الإقتصادي والظلم الإجتماعي وسحق كرامة الإنسان، والتي لا بد لهذه الأحداث من لحظة ملائمة للولادة ؛ متأثرة بما تراه هذه الأمة من تقدم لأمم وشعوب في هذا العالم، بما تبنته من نظم وتشريعات، سهلت حياة تلك الأمم والشعوب (ويبدو واضحاً تأثر الشعوب العربية من بعضها: تونس، مصر، ليبيا، سورية). فأية أمة إذاً ستتطور عند توفر اللحظة، وهي بالتالي ستحتاج الظروف الموضوعية المناسبة، والعامل الذاتي المتمثل بالقوى التي تقود هذا التغيير. لقد تواجدت قوى تاريخياً في بلدان العرب، ولكن دون تفاصيل ولإسباب في هذه الأحزاب وبسبب قمع الأنظمة، بقيت تلك القوى دون مستوى القدرة على رسم الأهداف قبل الربيع العربي، وبعد الربيع العربي (من خلال الإجابة على ماذا سنعمل غداً؟ وكيف سنستثمر الربيع العربي لصالح الجماهير؟)، وهذا شكل مدخلاً ملائماً للقوى المهيمنة عالمياً، على المشاركة بهذا الحدث، في محاولة منها لإحداث تغيير يبقى ‘حنوناً ولطيفا’ إتجاه تلك القوى العالمية، بما يضمن علاقات جيدة معها، وكأن التغيير يمثل رأس الهرم وإصلاحات معينة، تساعد المواطن فترة من الزمن. وكانت مشاركة تلك القوى، متنوعة بإختلاف قدرات وهيمنة كل دولة وتشابك مصالح كل منها مع النظام السابق والمتوقعة مع النظام الجديد. فقد إستخدمت القوة كما حصل في ليبيا، وفي سوريا إلى حد ما، كما إستخدمت التحالفات القائمة مع بعض النظم العربية في التمويل والدعم العسكري وإمكانية عمل تحالفات مع بعض القوى. كما يبرز بعض الخلاف بين الدول المهيمنة حيال التصرف في الوضع المعقد في سوريا وغيرها أحياناً. إن هذه أمثلة لما قامت وما ستقوم به القوى المسيطرة عالمياً على تشويه الربيع العربي، لإجل أن ‘يصفر’ قبل موعده. وبالتالي ستحاول القوى تلك خطف ثمرة الربيع من أفواه العرب، أو تشويه الثمرة وتوزيعها بغير عدالة على أصحابها، أو على الأقل إزعاجهم عند تناول تلك الثمرة.
إن الربيع العربي ورغم كل ما آل إليه وما سيؤول إليه، لهو ربيع عربي لأمة لها تاريخها وحضارتها، وإن دفن تلك الحضارة الظلم والتخلف والمال (في غير محله). ولكن هذا الربيع قد يكون ولد مبكراً لم نستعد له كقوى محركة، وبالتالي، كل ما يحتاجه هذا المولود المبكر عناية زائدة، وبعدها سرعان ما ينهض صانعاً مجدها القادم.
أما الحديث بأن كل ما يحصل هو من تخطيط خارجي، فهذا هروب، ليرتاح المرؤ من التعمق في عمق الظاهرة. كما أن تمرير الدول العظمى لهذا الحديث، هو من باب إحباط الأمم والشعوب، وتصوير الوضع بأنه سيناريو مرسوم، لفيلم أبطاله أبناء المنطقة، ولكنه يبقى تمثيلاً. إن تاريخ الأمم ليس من السهولة توقع كل صغيرة وكبيرة ستحدث فيه، وكثيراً ما إنقلب السحر على الساحر. ولكن على العرب أن يعرفوا حقيقة الواقع وتغييره بإرادتهم، ليبقى الربيع العربي عربياً وليس فوضى مفتعلة غير عربية.

عبدالله ابو مازن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية