لعل أهم فرق ميز ثورات الربيع العربي عن الثورة الفرنسية الخالدة أنها ركزت فقط على تغيير النظام السياسي دون غيره من الأنظمة، الفرنسيون حين نجحوا في تغيير نظامهم السياسي الملكي الديكتاتوري قاموا فأعلنوا رفضهم لكل أشكال الحياة وأنماط المعيشة التي كانت تسود بلادهم تلك الفترة، فأعلنوا رفضهم لنمط الحياة الديني والعملي والاقتصادي والاجتماعي والفني.. إلخ، فكانت ثورتهم ناجحة بكل المقاييس، وآتت أكلها في حياتهم بعد قرابة العشر سنوات. الثورات العربية نسيت أو تجاهلت تغيير واقعها المعاش، واكتفت كما قلنا بخلع أنظمتها الفاسدة، لهذا ما زلنا نرى إعوجاجا ظاهرا في بقية مناحي حياة تلك الشعوب الثائرة، فمثلا أيعقل بعد ثورة مجيدة للشعب المصري الجبار أننا لا زلنا نرى مغنية كهيفاء وهبي تتقاضى نصف مليون جنيه مقابل ساعتين من الرقص وهز الأكتاف أمام الجماهير الغفيرة على وقع نغمات بوس الواوا، بينما بقيت رواتب أساتذة الجامعات والمهندسين في مصر في حدود الـ 2000 جنيه فقط؟! بالأمس وعلى شاشة فضائية مشهورة كنت أشاهد مجموعة من الفنانين وهم يعلنون حصريا عن أعمالهم الضخمة القوية التي ستعرض قريبا في شهر رمضان المبارك، مع العلم بأن هؤلاء الفنانين أنفسهم لا يزالون مجاهرين بأمانيهم لعودة نظام سابق بائد مخلوع، أو يدعمون نظاما حاليا مجرما سفاحا، وبعد جرمهم المشهود هذا نراهم وبكل وقاحة يملكون الجرأة في الظهور على الشاشات ومخاطبة الجماهير وعرض أعمالهم على الملأ دون خجل أو كلل.. إحدى الممثلات المصريات كانت تلعن علانية شباب ميدان التحرير في مصر الثائرين على مبارك لأنها فقط اشتهت تناول البيتزا فلم تستطع الخروج من بيتها بسبب خوفها على نفسها من شرور شباب الثورة! دريد لحام الذي تربينا صغارا على جملته الشهيرة: ناقصنا شوية كرامة يا أبي، رفس الكرامة التي شبع من ترديد عباراتها برجليه حين أتته وتمثلت أمامه حقيقة صادقة، بعد أن طالب بها الشعب السوري البطل المقهور. أخيرا أقول بأني لو قدر لي أن أساهم في صنع ثورة ما في بلد ما أو على الأقل أن أكون منظرا لها، لن أقبل خلع خوذة ثورتي عن رأسي حتى أطيح بجميع أنماط حياتنا السائدة العفنة، وعلى رأسها بعض هؤلاء الذين يدعون تمثيل الفن الراقي ظلما وزورا وعدوانا وهو منهم براء.