الخوف من الآخر

حجم الخط
0

الخوف من الآخر

أحمد السطاتيالخوف من الآخر كثيرا ما نشدد علي ضرورة الحوار والتفتح وعدم الانغلاق إن تفاعل الآنا مع الآخر عملية حيوية ودينامية، فكلما اكتشفنا الآخر اكتشفنا في الوقت نفسه ذواتنا. مرحلة التخلف التي نعيشها تتطلب التعرف علي الآخر الذي يتفوق علينا لنستفيد من فتوحاته العلمية وتجاربه الانسانية، إن كنا نشعر فعلا أننا متخلفون، فالشعور بالتخلف خطوة إيجابية علي طريق التقدم، فنحن أحيانا نتوهم أننا متقدمون ولا نحتاج لأحد لكي نتعلم منه، بل هو الذي يجب أن يتعلم منا، وقد سبق أن علمناه ما لم يكن يعلم، وهو يعيش اليوم علي ثمار ما تعلم منا، وهذا المتعلم المتنطع يحاول أن يرد إلينا بضاعتنا مسمومة ومحملة بكل الانحرافات والشذوذ وقيم التخريب، ولذلك يقتضي الحذر وألا نشرع أبوابنا ولا نقتبس ونستهلك من بضاعته إلا ما ينفع ويفيد.الخوف من الآخر والاستخفاف به لم يعد ينفع معه اليوم العزلة والانكفاء علي الذات، فالعالم، كما نعلم، بات قرية صغيرة تتقلص أبعادها يوما بعد يوم مع تقنيات التواصل السريعة المكتوبة والمرئية والمسموعة، والغير الذي يطل علينا، صباح مساء، من كل حدب وصوب لا نملك أن نغض الطرف عن محاسنه أو مساوئه أو القول أن نأخذ منه ما ينفع ونترك ما يضر قول غير دقيق، فلكي نختار أي شيء علينا الإلمام بكل شيء، وليست الأمور النافعة أو الضارة مصنفة في خانات مكتوب عليها (ما ينفع وما يضر)، نحن محكومون باستقبال ما يعرض علينا، وحرية الاختيار، كما نعلم، تغتني باتساع وتنوع المعروض، والذي لا يعرف ما يختار ولا كيف يختار عليه أن يتعلم ولا يترك هذه المهمة لغيره، لأنه يتنازل بذلك عن حريته التي تعد شرطا من شروط وجوده وجدارته، مع ما يصاحب الحرية أحيانا من قلق وحيرة وضيق، فامتلاك الحرية يعادل في نظرنا امتلاك المصير وتوجيه المصير.عملية الحوار مع الغير تتطلب التعرف عليه بدون أحكام مبيتة، قد يكون جاهلا لما نعرف، ونحن كذلك، وقد يكون معتدا بما يعرف، ونحن كذلك، وقد يعتقد أنه وحده يملك الحقيقة، ونحن كذلك، وقد يعتقد أنه في غني عنا، ونحن كذلك، والإصرار علي هذه المواقف بتعصب وعناد يعطّل عملية الحوار ويقود الي الانغلاق وعدم الاعتراف وما يترتب عن ذلك من كراهية وأحقاد.الحوار البناء المعقول والمطلوب يقتضي فتح الأبواب والعقول والقلوب، انطلاقا من أن التقدم في مختلف تجلياته، والحضارة بمختلف إنجازاتها ملك مشترك للإنسانية جمعاء لا يجوز احتكارها، فمن حق أي كان أن يساهم في عملية البناء والتطوير والابتكار؟ إن التنافس بين الدول لم يعد يتخذ صبغة صراع إيديولوجي أو حتي صراعاً حضارياً، بل صبغة تنافس بين نماذج وصيغ مطبقة ومتحققة علي أرض الواقع، فالشعوب لا ترتاح للنظريات والأفكار المجردة، بقدر ما ترتاح للإنجازات المشخصة التي تحقق التقدم والنماء والعيش الكريم.نحن، كعرب، منذ أن فكرنا في الخروج، نظريا، من التخلف منذ ما يقارب قرنين من الزمن، ونحن نتحدث ونلوح بمشروع حضاري ينقذنا وينقذ العالم كله من أزماته وتعثراته، مشروع تقاذفته تيارات أصولية وقومية وعلمانية واتجاهات اشتراكية وماركسية وليبرالية لم يتبلور لحد الآن في صيغة متحققة علي أرض الواقع، يمكن أن تكون مثار جذب لنا وللآخرين. ليس من حقنا أن نغلق الأبواب، فليس لدينا ما نخاف علي ضياعه سوي التخلف، التخلف المادي والفكري.ہ كاتب من المغرب8

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية