الخط الاحمر يرتفع

حجم الخط
0

إن أحد الاجراءات الأقل حكمة في إقرار السياسة هو رسم خطوط حمراء. إن الخط يبدو بصورة جيدة ويكون اللون الاحمر خفاقا يملأ شاشة التلفاز، لكن الجدوى مشكوك فيها. إن المثالين من الزمن الأخير يدلان على القاعدة: فقد حذر الرئيس اوباما من ان استعمال السلاح الكيميائي في سوريا سيكون اجتيازا لخط احمر. وحينما تبين ان قوات الاسد استعملت سلاحا كيميائيا، تذكر اوباما ان الكيمياء ليست هي المشهد العام فلحكومته مصالح وعليها ضرورات، وهو غير مهتم الآن بدخول حرب في سوريا ولذلك اضطر الى ان يطمس على خطه الاحمر بسلسلة تصريحات كان فيها في الأساس هواء ساخن.
ورسم نتنياهو في خطبته في الجمعية العمومية للامم المتحدة خطا أحمر حسنا على رسم لقنبلة. وأحبت شبكات اذاعة في العالم هذه البدعة. وهب خبراء بالذرة الى تفسير الخط وسمكه وارتفاعه ومعناه بالدرجات المئوية. وكان الايرانيون وحدهم هم الذين لم يرتاعوا من ذلك، فقد أدركوا ان الطريق من المكان الذي وجدوا فيه في تطوير قدرتهم الذرية الى الخط الاحمر خال. فسيصلون أولا الى الخط الاحمر ونرى ماذا يكون بعد ذلك.
ورسم نتنياهو خطا احمر آخر أقل ادعاءً وأوضح وعمليا أكثر يتعلق بنقل سلاح متقدم من مخازن الجيش السوري الى حزب الله ومنظمات اخرى. فسيتم القضاء على كل قافلة يُكشف عنها، وتُصاب كل شحنة مرسلة تُعد للتحميل. وتم التحذير بحكمة لأن كل حكومة في الغرب تستطيع ان تفهم الفرق بين سلاح تسيطر عليه حكومة مهما تكن متطرفة، وبين سلاح تسيطر عليه منظمة ارهابية؛ وتستطيع كل حكومة في الغرب ان تُسوغ عملا عسكريا يتم بعد تحذير واضح موضوعي. فلا عجب من ان العمليات في نهاية الاسبوع التي تنسبها مصادر أجنبية الى سلاح الجو الاسرائيلي تم تقبلها بدعم كامل في واشنطن ولندن.
لكن لهذا الخط الاحمر ايضا حدودا. فلا يستطيع أحد أولا أن يضمن ألا يجد سلاح متقدم برغم عمليات المنع طريقه الى حزب الله. وقد كان واضحا منذ البدء أنه لا سبيل لسد الطريق تماما من سوريا الى لبنان. والذي يصعب على السوريين أن يعطوه يستطيع الايرانيون ان يعطوه: فمخازنهم غنية بتلك الاشياء الحساسة الموجودة في مخازن السلاح السورية.
والشيء الأساسي هو ان قدرة ايران وحزب الله على التحمل ليست غير محدودة. وقد يأتي الرد من لبنان أو من سوريا أو من كل مكان في العالم فيه سياح اسرائيليون أو سفارات أو طائفة يهودية. فاسرائيل ليست اللاعبة الوحيدة في الملعب.
يمكن ان نفهم من ذلك عدم الاطمئنان عند سكان الشمال الذين كانوا يسمعون منذ نهاية الاسبوع هدير الطائرات في الأساس.
واستعد فرع الأكواخ الخشبية في الشمال لعدم تجدد اطلاق النار لاسابيع. ويمكن ان نفهم عدم اطمئنان اسرائيليين كثيرين تُرسل اليهم حكومتهم في كل يوم رسائل مزدوجة الحرب والسلام، والضجيج والهدوء.
كان رئيس الوزراء يوشك أن يشخص أمس الى الصين في زيارة تم التخطيط لها منذ زمن بعيد. ويعني هذا في الشيفرة الاسرائيلية أنه على يقين من أنه لن يحدث أي حدث أمني مهم منذ الآن الى أن يعود. ويمكن بمفاهيم عسكرية أن نأوي لننام بلا حذاء. وقد أخّر من جهة اخرى إقلاع الطائرة كي يجمع المجلس الوزاري المصغر لمباحثة عاجلة. وتشير هذه المباحثات في الشيفرة الاسرائيلية اشارة خفية الى حرب.
إنه يشخص الى الصين لزيارة تُعرف بأنها ‘استراتيجية’. وتوصف محادثاته مع قادة النظام بمصطلحات دراماتية: فهو سيُبين لهم أنه يجب عليهم الانضمام الى عقوبات على ايران؛ وسيغير تصورهم العام عن المشروع الذري والنظام الايراني فضلا عن سوريا. لكنه يأخذ إبنيه لهذا التباحث الاستراتيجي وسيخصص النصف الأول من الزيارة للتجوال السياحي في شنغهاي.
غطيت زيارتين سابقتين لقادة اسرائيليين للصين واحدة لوزير خارجية والاخرى لرئيس وزراء. واذا كانت التجربة تُعلم شيئا ما فان نتنياهو وعائلته سيحظون بضيافة سخية كعادة امبراطورية وبسلسلة صور جميلة في مواقع سياحية وبمحاضرات مدروسة باللغة الصينية على ألسنة قادة النظام لكنه لن يغير رأيهم أدنى تغيير.
بدأ نتنياهو ولايته الاولى لرئاسة الوزراء بزيارة اوروبا التي تم القضاء عليها بسبب أحداث نفق حائط المبكى. ويجب ان نتمنى له من أعماق قلوبنا زيارة مطمئنة هادئة للصين وقضاء أوقات ممتعة كثيرة مع أولاده. ونحن نعد بجمع الصحف التي ستجتمع عند مدخل منزله ونحفظها كي لا يستغل اللصوص غياب العائلة لمصلحتهم. وينبغي ان نأمل ان يُسهم احمدي نجاد ونصر الله والاسد بنصيبهم في الهدوء الى ان يعود على الأقل فهذا ما يفترض ان يفعله الجيران الصالحون.

يديعوت 6/5/2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية