الحوار الصحافي الأخير مع شارون!
الحوار الصحافي الأخير مع شارون! وأنا أقترب من سريره، كنت عاجزا تماما عن تحديد مشاعري التي تتأرجح بين الشفقة والشماتة والفرح والدهشة والتردد وعدم التصديق، وإن كنت أحاول جاهداً رسم امارات التأثر والحزن علي محياي، إذ كنت علي وشك مقابلة شارون علي الرغم من حالته الصحية الحرجة. قبل أن أبادره بالتحية التي أردتها أن تأتي ـ ولو كذباً ـ مشوبة بنبرة شفوقة سارع إلي القول بصوت قوي لا يتناسب البتة مع وضعه الصحي المتردي: لقد وافقت علي مقابلتك، بل طلبتها للصدق، فقط كي أثبت لك وللعالم بأسره أنني رجل أحب السلام، وأنني علي استعداد لمقابلة كاتب عربي متطرف لطالما هاجمني وهاجم سياسات دولتي بحدة وقسوة. قبل أن أتمالك نفسي من صدمة كلماته الهجومية أضاف: لا عليك لا عليك، سأبدأ بطمأنتك عن حالتي الصحية، مع أنني أعرف أنك تتمني لي الموت، ولكني لن أموت، فها أنا ذا مثل البلدوزر كما اعتدت أن أكون دائماً، وسرعان ما سأغادر سريري هذا، لأعود إلي ممارسة واجباتي في رئاسة الوزراء وقيادة حزبي الجديد.كنت أثناء حديثه قد استعدت شيئا من رباطة جأشي التي هشمتها كلماته الهجومية، فعاجلت إلي مقاطعته: ولكن أيها السيد شارون يقول الأطباء أن وضعك الصحي حرج للغاية وأنك لن تستطيع العودة لممارسة نشاطاتك السياسية، حتي وإن قيض لك النجاة! هه هه هه، قهقه شارون بصوت رعدي، وبصورة لا تعكس أبدا ما يشاع عن تهاوي حالته الصحية، وقال: ترهات وكلام فارغ، لقد انتصرت علي أمتك العربية كلها مرات ومرات ومرات، أفلن أستطيع الانتصار علي عارض مرضي تافه!؟كنت أشعر بالدم يصعد إلي وجهي، فقد يكون الرجل محقاً، وبعد انتصاراته المجلجلة علي الأمة العربية كلها، ربما يكون قادرا حقا علي مقارعة المرض وهزيمته!؟حسنا حسنا سيد شارون ، قلت بصوت يتظاهر بالثقة: هل أسهم المرض في دفعك إلي إعادة النظر في ســياساتك وتوجهاتك حيال الصراع الإسرائيلي؟سؤال جيد، بالطبع لا، فأنا أزداد ثقة مع كل لحظة تمضي من لحظات عمري بسلامة النهج السياسي الذي اتبعته في التعامل مع ما تسميه الصراع العربي الإسرائيلي، فلقد أثبت ذلك النهج وجاهته ونجاعته، علي الرغم من الانتقادات التي يمكن أن توجه إليه من جانب بعض الخصوم السياسيين. ولكن معذرة سيد شارون ، لقد كان نهجك السياسي زاخراً بالعنف والقتل والعدوان وانتهاك المواثيق والأعراف والمعاهدات و… وقبل أن أتابع وجدته يقول بنبرة صارمة ليست غريبة عنه: اسمع يا هذا، من أجل اقامة دولتي وتوطيد أركانها كنت وما أزال علي استعداد لفعل أي شيء، أتفهم ؟ أي شيء، يمكن أن أقتل وأن أكذب وأن أتحالف مع كل شياطين هذا العالم. ثم أن السياسة هي لعبة الممكن، وكل ما يمكن فعله نظرياً وعملياً أيا تكن درجة قسوته هو ورقة يمكن استخدامها في السياسة. ودع عنك حديث الأخلاق والرأفة والالتزام بالعهود والمواثيق، فهذا منطق الضعفاء والجبناء وحدهم. راجع التاريخ يا هذا، وستدرك صحة مزاعمي. ثم إنني في كل الأحوال لا أختلف كثيرا عن أصدقائي من حكامك العرب، فأنا أفعل بكم معشر العرب أقل مما يفعله حكامكم أنفسهم!يا لقوة منطق هذا اللعين، فهو محق تماماً فيما ذهب إلي قوله، فالسياسة أينما ذهبنا غدت مسرحاً طبيعياً لكل الشرور والجرائم وتغليب منطق القوة والبطش، و شارون نفسه لم يتفوق علي كثير من حكامنا في إذلالنا وإعمال سكاكين القهر والتعذيب فينا! خالد سليمانباحث عربي[email protected]