الحمد لله: نحن نباتيون
رشاد أبوشاورالحمد لله: نحن نباتيونحربان تدوران حاليّاً في العالم : الحرب علي الدجاج المتّهم بأنفلونزا الطيور، وحرب بوش التي ينطبق علي كل من يشارك فيها مثل نستعيره من الدجاج : جاجة حفرت علي راسها نثرت، وتفسيره أن من يحفرون إنّما يجلبون المصائب علي رؤوسهم. العالم مشغول حاليّاً بالدجاج تحديداًً، فالمطاردة، والملاحقة، والندوات علي الفضائيات بكّل اللغات، تدور حول أنفلونزا الطيور، والمستهدف هو الدجاج، وهو محسوب علي الطيور، مع إنه لا يطير سوي لبضعة أمتار، ثمّ يهوي كطائرة هليوكبتر أمريكيّة أصيبت وأسقطت في سماء العراق ! …في بلاد العرب ـ دولهم ـ صمت مطبق، وكأن أنفلونزا الطيور محرّمات ليس لأحد أن يخوض فيها، أو كما لو ان الأنفلونزا تصيب البشر في جنوبي شرقي آسيا، ودول أوربة الشرقيّة ـ أعلن عن اشتباه بإصابة في فرنسا ـ ولكنها تعجز عن التسلل عبر حدود (الدول) العربيّة، لأنها ترتعد رعباً من أن تقبض عليها أجهزة الأمن الساهرة ! …أحسب أن السلطات (المعنيّة) لا تقيم وزناً لصحّة مواطنيها (الأعزّاء) ، فهي لا تحتاط بالأدوية الشافيّة لأن ثمنها عملة صعبة، وهي تحتاج للعملة الصعبة والسهلة لمصروفاتها، ولا تفكّر حتي بحملات توعية في فضائياتها الرسميّة، فشاشاتها تكتّظ بمؤخرات، وخصور، وقدود تتلوّي، ووصلات رقص متّصلة لشباب لا يعانون من البطالة! وهي لا تري، ولا تسمع ما يجري في الدنيا من نداءات بالاحتياطات قبل استفحال وباء أنفلونزا الطيور.العالم يتابع تحرّكات الطيور المهاجرة، ويلقي القبض علي الدجاج في المزارع، وفي الأرياف، والسلطات العربيّة (المختصّة) ـ مختصّة بماذا ؟! ـ أذن من طين وأذن من عجين، فهي مشغولة بالصلوات ،غير المستجابة، لشريكها في السلام، الميّت سريريّاً، شارون.شخصيّاًَ بّت أشفق علي ملايين زملائنا الدجاج، وأنا أتابع عمليات الإبادة المنظمّة من حّز الأعناق، ونفور الدم، وتطاير الريش، والمكأكأة المستغيثة والمستهجنة لهذه الهجمة غير المبررة والمباغتة والغادرة، إلي (المحرقة) التي تلتهم ملايين الدجاج بلا رأفة، ولا تهّز الرأي العام العالمي، فحتّي بريجيت باردو التي ما فتئت تهاجم العرب والمسلمين دفاعاً عن الخراف التي يضحّي بها في عيد الضحي، ساكتة تماماً علي مذبحة الدجاج مع أنها ياما التهمته في بطنها الحضاري!الخنادق تحفر، وأدوية التعقيم والتطهير ترّش سائلة وجافّة، ورجال المكافحة بملابسهم الفضائية ينهمكون في الذبح، والحرق، وحفر الخنادق، واختراق شوارع القري النائية، ولا أحد يقول ما قاله جارنا أبوعبد الله : فتّش عن دور الإنبريالية في أنفلونزا الجّاج، والإيدس !…(دولنا) العربيّة دجاجها كمواطنيها في أتّم صحّته، لا يعطس، ولا يسعل، لأنه دجاج متربّي علي الولاء، والتضحيّة، وهو يبيض في اليوم مرتين إمعاناً في الولاء!فقراء بلادنا شامتون في آكلي الدجاج، فهم لم يشبعوا يوماً من لحم الدجاج، لا البلدي ،ولا المستورد، وهم لا يربّون دجاجاً بجوار بيوتهم، لأن بيوتهم بالكاد تتسّع لأطفال يعجزون عن تربيتهم وإطعامهم! هم نباتيون اضطراراً، وليس بطراً بعد أن ملّوا من التهام المشمّر والمحمّر، إنهم ينتسبون إلي جدّهم أبي العلاء الذي اختار أن يكون نباتيّاً بمحض إرادته شفقة منه علي كل مخلوقات الله ـ أسمعت بهذا يا بريجيت أنت ومن تمثلينهم ؟! ـ شاعرنا الكبير كان آكل عدس، ومن قبل كان يأكل الدبس، إلي أن سقطت نقاط من الدبس علي صدر قميصه، فعرف بعض زائريه بما تغدي، فما عاد إلي الدبس. بالمناسبة : ثمّة شعراء لا يطيب لهم إلاّ التهام العصافير ونقرشة عظامها، رغم أن شعرهم فيه رفوف من العصافير، لو طارت في سماء مدينة عربية لحجبت عنها الشمس (بعض عصافيرهم مصاب بأنفلونزا الطيور، فاحذروهم !). الناس ما عادوا يتهافتون علي شراء الدجاج، رغم تدنّي أسعاره، وبيعه بنصف السعر المعتاد، وعرضه في أقفاص علي قارعات الطرق، وجنباتها، وأرصفتها، وبكامل صحّته بنصف السعر المعتاد، ووسط دهشة الدجاج من هذا الأسلوب الرخيص في عرضه علي الطرقات، وذهوله من ازورار الناس وإشاحتهم عنه، كأنهم يهربون من وباء ! …الخوف من أنفلونزا الطيور انعكس علي كل مخلوقات الله، خذوا مثلاً القطط التي تفد إلي بيتنا، والتي اعتادت علي وجبة غداء يوميّة من العظام المكسوّة بشيء من اللحم (نحصل عليه ببلاش من اللحام).عندما سكنّا حيث نقيم حاليّاً، كانت البيوت قليلة، والأرض مهجورة ، ونباتات هائجة، وحفر، وثقوب، مّما يوحي بأنها تحوي زواحف يمكن أن تسبب لنا الأذي، وهكذا تفتقت عقولنا عن استدراج بعض القطط لحراستنا، نغويها بالعظام، وما تيسّر من البقايا الدسمة.مع الأياّم، وكأنما كانت القطط تخبر بعضها، صارت المنطقة حول البيت موئلاً للقطط، وكم وددنا لو نراها يوماً تصطّاد ولو فاراً …صارت (قططنا) بطرة، لامبالية، حتي إنني رأيت فئراناً تتنطط علي مقربة من أنوف تلك القطط وهي تهّر مقّعية كسولة !…لمّا خرجنا من قرانا عام 48 لحقت بنا قططنا الأليفة الوفيّة، لأنها اعتادت علي العيش مع أهلنا، ومعنا في (المخيمات) عاشت علي الخبز الحاف، وكلّما تحسّنت أحوالنا تراها وقد باتت لحميّة وما عادت نباتيّة مثل أياّم زمان.في زمن أنفلونزا الطيور، وقد هجرنا الدجاج، أصيبت القطط بحالة اكتئاب فهي تشمشم الأرض، تنظر إلينا بتساؤل بعيونها اللامعة التي بدأت تخبو نظراتها المتلهفة، ونحن لا نقدّم لها تفسيراً، خّاصةً وقد قاطعنا اللحوم بعد أن وصلت إلينا أخبار جنون البقر من جديد إثر فضيحة صفقة لحوم البقر الأمريكي إلي اليابان، والكشف عن عدم صلاحيتها للاستهلاك البشري، وهكذا ما عاد لنا سوي أن نكون نباتيين.العدس وأقاربه: الخبيزة، الهندبة، البقلة، الحمّص، الفول، والفلافل، هي وسيلتنا لحياة خالية من الجنون، والأنفلونزا، وفتّش عن الإنبرياليّة كما يقول العّم أبوعبد الله، فهي سبب كل علّة ومصيبة !منذ أيام قططنا جائعة وترفض تناول الخبز، ومن غير المعقول أن تلعق شوربة عدس، أو تأكل مقالي باذنجان، وكوسا، وزهرة …هي حرّة، ستجوع حتي تعود نباتيّة مثلنا، أو فلتبدأ بمطاردة الفئران!وأخيراً: طالبت تركيا الدول المجاورة بالاعتراف بالإصابات لديها بأنفلونزا الطيور، و.. غاب عن بال تركيّا أن الدول العربيّة إذا اعترفت فإنها تعترف فقط بـ(إسرائيل)!0