الحصان والسدرة في الأزمة السورية

حجم الخط
0

يبدو أن الغرب استحضر التاريخ العربي في الجاهلية، وأراد أن يعيدنا إليه، ولا بد أنه خطط من خلال التاريخ المليء بالصراعات المريرة على ناقة أو سباق خيل، واتخذ منها أسلوبا لتدميرنا وإرجاعنا إلى الجاهلية الأولى، ولكنه ليس غبيا لدرجة أن يستخدم أدوات الصراع السابقة (الناقة والسباق) فاتخذ أدوات أخرى مستغلا بعض الاختلافات المذهبية ليؤجج من خلالها الصراع، ونتحول إلى ممالك وطوائف عرقية أو مذهبية، تقصي بعضها بعضا، باعتبار أن الهدف هو الفتنة والشقاق، وليس تأكيد الحرص على الإسلام في أوساط أتباعه، ولا بد لنجاحه ألا يعرض مواضع الخلافات بيننا بصورة مباشرة، لان أمره سيُكشف سريعا، ولكنه استغل حب السلطة والتمسك بها، وما تملكه من أموال وحياة مرفهة لدى بعض الدول، لتسخر إمكاناتها وأدواتها في تنفيذ هذه الغاية.
ورغم أن الاختلافات المذهبية والعرقية موجودة بين أبناء كافة الأديان والدول إلا أنه وجدها قابلة للتفعيل في مجتمعاتنا دون غيرها، للأسف الشديد، ونظرا لجهل الكثيرين بيننا بالتاريخ فانه استطاع إعادة دورته على أرضنا، للحصول على ذات النتائج الكارثية علينا مرة أخرى، تماما كما حصل لنا في حملات الغزو الصليبي للمشرق العربي، وما حصل في الأندلس في عصر ملوك الطوائف.
اليوم يعيدها في ثورات الربيع العربي برفعه للغطاء عن الأنظمة المكبلة للشعوب لتنطلق نحو التناحر والانشقاق.
الفرصة كانت ومازالت متاحة للشعوب أن تفوّت عليه، وعلى أتباعه أهدافهم، بأن تتجاوز الشعوب هذه الخلافات وتتوجه إلى رص الصفوف وتوحيد الجهد من أجل التحرر والبناء، وهذا لا يتأتى بالطبع إلا بنبذ التطرف ومعالجة الأمور بالحكمة والموعظة الحسنة.. ثم أن هذه الشعوب لديها قاسم مشترك، لا يدّعي أحد أنه مناقض له، ذلك هو توحيد الصف من أجل تحرير فلسطين وقدسها الشريف.. فإذا صدقت النيات يمكن للشعب السوري والنظام والمسلحين الداخلين للقتال على أرضه أن يتوافقوا على التوجه لتحرير فلسطين والجولان. وليترك الطرفان الاتهامات المتبادلة جانبا، لأنها متحققة في الطرفين بتداعيات الحرب ذاتها، وبذلك ينسحب البساط من تحت أقدام المدعي بأنه مسلم، ويسعى لتحرير الأرض من ربقة الاستعمار والهيمنة الصهيونية.. وكل من يدّعي أن تحرير فلسطين لن يتحقق إلا بإقصاء الأخر يكون قد كشف عن نواياه الخبيثة في الفتنة وخدمة العدو ويحرجهم الموقف على رأي المثل الشعبي الشهير ( هذا حصانك وهذه السدرة ) لمن ادعى أن حصانه قفز فوق السدرة. بعد الغارة الإسرائيلية على دمشق مؤخرا أعلن النظام تحوله إلى المقاومة ضد إسرائيل، فهل يمكن للمسلحين أن يعلنوا توافقهم معه ويتوجها معا نحو هذه الغاية السامية، وعندها فقط تتحول الفتنة برسم أصحابها إلى مشروع تحرري عظيم بإرادتنا، وينقلب السحر على الساحر، بإذن الله.
عند التحرير يمكن بسهولة الوصول إلى تفاهمات هامة لان الثقة تعود إلى النفوس، ومخالب الفتنة تخلع بالواقع المستجد.
لنرجع إلى قواعد الفقه الإسلامي التي يتحجج بها الجميع، فهي تقول بالأولويات، فهل هناك أولى من تحرير فلسطين وقدسها الشريف؟ هذه واحدة.
والثانية، وهي أن القتال واجبا ضد من أخرجنا من ديارنا واحتل قدسنا، وقد اجمع على ذلك كل المسلمين.
إذن، فالاستشهاد ثابت للمقتول في هذه المواجهة، بينما لم يجمع المسلمون على وضعيته في المواجهات الجانبية، والتي هي محتدمة بين المسلمين في مواضع عديدة من بلداننا.. فهل يمكن أن نتوحد في المتفق عليه شرعا، ونتجنب ما هو محل شك، ولم يجمع عليه المسلمون بمختلف طوائفهم؟
حرامأن تسيل دماء شبابنا على أيدينا من الطرفين، وندمر بأسلحتنا بلداننا وعوائلنا، والعدو يرقص طربا، لما آلت إليه أحوالنا .. إلى متى يستمر النزيف، في غير محله، وبغير ابسط قواعد المنطق والتفكير السليم؟ تُرى هل صدق المتنبي بعد ألف سنة في قوله: يا أمة ضحكت من جهلها الأمم؟
الشاذلي خالد المهرك
[email protected]

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية