الحرية مع الفقر استعباد والسلطة الابدية استبداد

حجم الخط
0

الحرية مع الفقر استعباد والسلطة الابدية استبداد

عبد العزيز بن محمد الخاطرالحرية مع الفقر استعباد والسلطة الابدية استبدادما أقصده بالحرية هنا هو ذلك النمط من الحرية الشخصية الذي افتقدته المجتمعات الاشتراكية في فترة الحكم الشمولي كحرية التملك والسفر وغيره، أما ما قصدته بالفقر ليس هو ذلك المفهوم التقليدي الذي يتبادر الي الذهن بمعني الحرمان والافتقار لما هو ضروري للرفاه المادي ولكنه التعريف الجديد الذي أدخلته الأمم المتحدة في تقريرها حول التنمية البشرية تحت مسمي الفقر البشري ويعني الحرمان من الفرص والخيارات التي تعتبر أساسية للتنمية البشرية وتطوير المجتمعات واتجاهها نحو الديمقراطية وبعدها بالتالي عن أشكال الحكم القمعية والتسلطية ومن أهم مقايسة الاستبعاد الاجتماعي أي عدم القدرة علي اقتحام مناطق معينة داخل المجتمع وتقليل الحراك الاجتماعي لفئاته وتحديد الفرص وتحديد كذلك سقف المستقبل لكل فئة من فئات المجتمع. فالأدوار بالتالي محددة سلفاً لهذه الفئات ولا يمكن تجاوزها. بهذا المعني تدخل جميع دول عالمنا العربي والإسلامي ضمن دائرة الفقر البشري فجميع شعوب الدول فقيرة بشرياً ولا يمكن بحال من الأحوال أحداث التطور السياسي الفعلي دونما تفكيك لآليات الفقر البشري المشار إليه بتوسيع الخيارات المتاحة لدي الناس وإلغاء الاستبعاد الاجتماعي وفتح سقف المستقبل لجميع الفئات بحيث يمكن لكائن من كان أن يصل الي أعلي مراتب السلطة وهكذا. وقد سبق لماركس أن أشار الي أن المجتمع الرأسمالي مجتمع فئوي والحرية فيه في تقابل مع الفقر وقد وصف الفلاح في المجتمع الرأسمالي بأنه حر لكنه فقير. لذلك فأن أنصاف الديمقراطيات لا تنفع مع هذا المفهوم الجديد للفقر الذي تحددت أبعاده في الحرية مع إمكانية للحراك الاجتماعي دون قيود ودون سقوف تحدد من يصل الي المواقع المتقدمة دون غيره ومن لا يحق له سياسياً أو ربما تاريخياً تحقيق ذلك. إن ما حدث في العقود الأخيرة من اقتناص غير بريء لمفهوم الديمقراطية مجاراة للعصر وهرباً من بشاعة الوصف بإهدار حقوق الإنسان ومصادرة الحريات لا يخرج من كونه جراحة تجميلية لتلك البشاعة يفضحها ويكشف عيوبها هذا المفهوم الجديد للفقر بالرغم أن هناك مزيداً من الحرية تتمتع بها تلك الشعوب إلا أنها فقيرة ومحددة الطموح والمستقبل سلفاً وجميعنا يلحظ الانتكاسات المتكررة علي التجارب الديمقراطية المنقوصة وسبب ذلك في مضامينه يعني الاستبعاد الاجتماعي لفئات أخري لم تتمكن بالطريقة السليمة من تغيير الوضع الراهن. ولابد هنا من الإشارة الي أن مفهوم الفقر البشري يتضمن العديد من المؤشرات التي لابد من اعتبارها للأخذ به في سبيل تطور المجتمع فهو عملية تنموية في حد ذاته، من هنا تبدو الإشكالية فيما يتعلق بالدول النامية فلا يمكن بحال من الأحوال العمل علي تلافي مضامين الفقر البشري إذا كان في ذلك تهديد للأنظمة القائمة لأن في ذلك زوالها واستبعادها من السلطة. فمن صالحها بالتالي الإبقاء علي مؤشرات هذا النوع من الفقر لأنه يرتبط بقيامها واستمرارها. في حين تحتل الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية المراكز المتقدمة في هذا المقياس الجديد كما يشير تقرير الأمم المتحدة عام 1998م فليس هناك استبعاد لفئة أو تنظيم أو طبقة من إمكانية التحرك الي الأمام أو الي الخلف وكل ذلك مرتبط بقدرتها علي تنظيم نفسها وما يمكن أن تقدمه من برامج في جميع المجالات، بينما تحتل الدول الأفريقية والأسيوية بما فيها دولنا العربية والإسلامية مراتب في ذيل القائمة لجمود مجتمعاتها واقتصارها علي تكويناتها التاريخية السابقة فالملك ملك والخفير خفير. فكل الذي شهدته العقود الأخيرة ونشهده الآن في خضم هذا العالم النامي هو مزيد من الحرية الفردية يقابلها تجسيد واضح لمؤشرات الفقر البشري الذي أشرت إليه خاصة مفهوم الاستبعاد الاجتماعي فحقيقة تلك الشعوب الواضحة تتجلي في أنهم أحرار لكنهم فقراء ومن الصعوبة بمكان كسر هذه المقابلة التي تقبض ثمن الحرية باهضاً حيث تقرنه بالفقر وفي ذلك ضياع لقيمة الحرية ما بعده ضياع. ہ كاتب من قطر[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية