الثورة السورية بين مخالب حلفاء الاسد وأنياب السياسة الأمريكية

حجم الخط
0

إن الأحداث المأساوية والمعاناة اليومية التي تعيشها الثورة السورية تحتاج إلى وقفة موضوعية مع الذات ومراجعة لكافة الخطوات والقرارات والمواقف الدولية والإقليمية التي أوقعت سورية الوطن في شباك مؤامرة دولية كبيرة بحجمها وثقلها، لا يحتملها الشعب السوري الذي عانى من الفقر والقهر والاعتقال والتهجير في ظل نظام سياسي أمني قاس وقذر على مدى العقود السابقة، حيث استغلت القوى الدولية المتصارعة على النفوذ والهيمنة في العالم انطلاقة الثورة السورية السلمية البريئة في شعاراتها ومطالبها ‘الحرية والكرامة’ لتقدم إليها المغريات والوعود في الدعم والمساندة بكافة الامكانيات المتاحة سياسياً وإعلاميا ومالياً وحتى عسكرياً وتوفير الغطاء اللازم لضمان حماية الشعب السوري الأعزل إن لزم الأمر ذلك.
ـ إن هذه الدول التي عاشت على حساب دماء الشعوب والأوطان عبر التاريخ والتي ترفع شعارات الديمقراطية والحرية ومحاربة التطرف والإرهاب، هي من عملت على تعقيد الثورة السورية وإطالتها وعدم تحقيق أهدافها، بل وإدخالها في عراك مظلم لا يعرف أحد مداه وحدوده ومصيره. هي من نصبت الفخ للنظام السوري الضعيف وإيقاعه في حفرة تصفية الحسابات، ولكنها لم تساهم في إطلاق الثورة السورية، كما يدعي النظام وأبواقه، بل ركبت هذه الدول شعارات الثورة وأهدافها النبيلة في الحرية والكرامة لتصفية الحسابات والانتقام من النظام لتحقيق أهدافها في تحديد دور سورية القادم في المنطقة، مهما بلغت تضحيات الشعب السوري. فرسمت قارب الحياة للمعارضة السورية لتبحر من شواطئ تونس الدافئة إلى روما ومعها في الأفق طوق النجاة لمن لا يعرف الغوص والسباحة، كما أنها سمحت في دخول المجموعات الجهادية المسلحة الوافدة من مختلف أصقاع المعمورة إلى سورية، الأمر الذي أعطى مبرراً للذرائع والحجج الأمريكية في عدم دعم المعارضة السورية المسلحة في إسقاط نظام الأسد المجرم من جهة، وخلق بيئة في الساحة السورية مناخها الاحتقان والمنافسة وتهيئة أسباب الصراع في النقلة القادمة من جهة ثانية.
ـ لقد رسمت الأجندة الأمريكية مع حلفائها في الغرف المظلمة سياسة إطالة الصراع بين النظام والمعارضة في سورية، لاستنزاف الوطن وإيقاعه في مستنقع الدمار والخراب بما يحقق ويضمن أمن إسرائيل وتفوقها اللامحدود في الصراع العربي ـ الإسرائيلي. وعملت على تهيئة الظروف المناسبة لتأمين المتطلبات اللازمة لذلك، حيث غضت الطرف بشكل غير مباشر عن استخدام النظام السوري لأعتى أصناف الأسلحة الثقيلة ضد شعبه وارتكاب أبشع الجرائم الإنسانية اليومية بحقه محددة له الخطوط الحمراء فقط بعدم استخدام الأسلحة الكيماوية، ‘تصريح الرئيس الأمريكي أوباما’، كما سمحت في المقابل إلى دخول بعض الجماعات الجهادية إلى الساحة السورية ‘جبهة النصرة الوريث الشرعي للقاعدة’، مما أهدى النظام السوري الحجة والمبرر والغطاء في استخدام القوة والبطش ومنحه حق توسعة رقعة لهيب الصراع والقتل والدمار ضد جميع أطياف الشعب السوري المسكين من دون استثناء، بما فيها المعارضة السياسية والمسلحة بحجة محاربة الإرهاب وملاحقة عناصر ‘القاعدة في بلاد الشام’، فوضعت رموز النظام السوري على لائحة العقوبات الدولية، كما وضعت فئة من المعارضة السورية على لائحة الإرهاب الدولي بتهمة التطرف، والبدء في تهيئة الملفات اللازمة للتلويح فيها عند أبواب محكمة لاهاي واستدعاء من يلزم إن تطلب ترتيب الواقع السياسي في المرحلة القادمة، لذلك ‘على سبيل المثال حالة رئيس السودان عمر حسن البشير ورئيس جمهورية يوغسلافيا الأسبق سلوبودان ميسولوفيتش’، ثم ما لبثت أن أفرغت النظام السوري القبيح من شرعيته في المحافل الدولية ضمن سياسة الازدواجية والضغوطات، وكسر الإرادات وتبادل الأدوار والتصريحات، وعقد المؤتمرات والاجتماعات، وطرح المبادرات السياسية عبر أدواتها المختلفة والمنشرة في كل الأزقة والدروب السياسية.
كذلك أدخلت بالمقابل المعارضة السورية في طريق المزاد العلني لتفريخ كيانات حادة ومتعددة تتصارع فيما بينها بحجة الاعتراف فيها كممثل وحيد للشعب السوري ‘المجلس الوطني السوري ـ الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية ـ مجالس الإدارات المحلية ـ الحكومة السورية الانتقالية ـ بقاء بعض أطراف المعارضة تغرد خارج سرب الائتلاف.. ‘، مما أدخل الجميع ‘النظام والمعارضة’ في اتجاه واحد مسدود الأفق سياسياً وعسكرياً بعيد عن لغة العقل والحكمة في التحكم بإدارة الصراع بين الطرفين وبذلك حققت السياسة الأمريكية ما أرادت في الجزء الأول من إستراتيجيتها البعيدة.
ـ عملت السياسة الأمريكية مع حلفائها على اتخاذ قرار دولي يشمل حظر توريد السلاح إلى سورية ولو دققنا في الأمر مليا لوجدنا أن مخالب حلفاء النظام السوري ‘روسيا وإيران’ انغمست في الصراع حتى الثمالة ولم تتردد لحظة واحدة في دعم النظام السوري وتأمين جميع متطلباته من الأسلحة وبالكميات والنوعية المطلوبة إليه فحسب، وإنما بالدعم المالي واللوجستي والغطاء السياسي اللامحدود، إضافة إلى تزويده بالخبراء والمقاتلين في المهمات النوعية، بينما نشاهد على الضفة الأخرى من الصراع ما يسمى بحلفاء المعارضة السورية وأصدقاء الشعب السوري حوالي (130 دولة) يتفننون بالغزل والغرام والوعود واللقاءات والإغراءات الإباحية في أروقة الملاهي السياسية من دون رادع أخلاقي وإنساني لما يعانيه الشعب السوري من حملة إجرامية وإبادة جماعية لم يشهدها التاريخ المعاصر. يجتمعون ويتناقشون ويتبادلون الأدوار بطريقة غزل العذارى في كيفية رفع قرار الاتحاد الأوروبي حظر السلاح عن سورية من دون العمل الجاد والضغط اللازم واستخدام النفوذ السياسي والاقتصادي على الدول الممانعة لقرار رفع الحظر حتى تتم عملية الحسم، إلا أن أنياب السياسية الأمريكية القذرة والمكشوفة في إطالة عمر الصراع ومعاناة الشعب السوري باتت واضحة للقاصي والداني ومنذ بداية الأزمة في السعي لتركيع سورية والسوريين في مستنقع الانهيار والمجهول.
ـ ويتساءل المرء هل تحتاج أمريكا وبريطانيا وفرنسا إلى قرار للتدخل في دعم المعارضة السورية المسلحة؟
ـ هل عجزت هذه الدول الفاعلة دولياً عن إيجاد آلية أو طريقة في تزويد المعارضة السورية بالسلاح المطلوب؟
ـ هل تنتظر هذه الدول قراراً برفع حظر السلاح عن سورية لتزويد المعارضة السورية بما تحتاجه؟
ــ ألم توافق هذه الدول وغيرها في السماح للمجموعات الجهادية في الدخول إلى الساحة السورية عبر أراضي حلفائها؟
ـ ألم تصمت على استخدام النظام السوري للدبابات والمدرعات والحوامات والطيران الحربي ‘ميغ 21ـ 23 ‘ والمدفعية الثقيلة والقنابل الفوسفورية والبراميل المتفجرة والصواريخ الباليستية (سكود) في قصف المناطق الاهلة بالسكان؟
ـ ألم تصمت على تجاوز النظام السوري للخطوط الحمراء التي حددتها له سابقاً باستخدامه النوعي والمحدود للأسلحة الكيماوية في ريف دمشق وخان العسل بحلب؟.
ـ إن الازدواجية السياسية الغربية القبيحة تبحث عن مصالحها فقط ولا تهتم حتى إلى مصالح حلفائها ولا إلى عدد الضحايا والدمار والماّسي ومعاناة الشعوب والمؤسف أن العرب يبحثون عن تنفيذ مصالح الغرب على حساب مصالحهم القومية والوطنية مقابل توفير الحماية لهم وضمان بقائهم في السلطة والحكم.
ـ إن الدول الفاعلة في الساحة السورية تحاول الوصول إلى ترسيخ واقع معين ينتقل من مقولة ‘حرب جيدة أفضل من سلام سيئ’ إلى القبول ‘بسلام سيئ أفضل من مواصلة الحرب’.. فهل ينتظر السوريون سقوط ما بقي من كيان وطنهم حتى يتحول الصراع العسكري من صراع بين الجيش النظامي والجيش الحر إلى صراع وحرب بين ميليشيات مسلحة وقتال بين المرتزقة وأمراء الحروب وتدخل جيش الصحوة السوري الذي يعد تحت إدارة أمريكية في الأردن لفرض إيقاع الصراع المسلح مستقبلاً في سورية..؟ هل يوافق السوريون في نهاية الأمر على أن ينقسم الوطن إلى كانتونات جغرافية مشرذمة أو القبول في نهاية الصراع إلى اتفاقية تقوم على التقسيم وتوزيع النسب والحصص وفق الطوائف والأعراق والمذاهب؟.
لذلك لابد للمعارضة السورية بجميع أطيافها من أن تعي المخاطر الجسام التي تنتظر وطنهم والارتقاء إلى مستوى المسؤولية التاريخية والاعتماد على الذات والانتباه إلى خبث ومكر مخالب وأنياب السياسة الدولية وما تخبئه من نوايا سيئة تجاه وطنهم وشعبهم .. لأن القادم المنظور وفق معطيات الاخرين لا يبشر بنهاية الصراع عن قريب وهذا ما يأمله النظام .. فالمخاطر كبيرة جداً وعلى جميع أطياف المعارضة السياسية والعسكرية البحث السريع والفوري عن حلول وطرق مختلفة تساهم في دعم الثورة السورية التي شارفت على الاقتراب من تحقيق أهدافها علهم يفشلون مخططات الدول المارقة ويبعدون عن الوطن شبح الانقسام والتقسيم والوقوع تحت الوصاية الخارجية وعودة الثورة إلى نقطة البداية لا سمح الله.

‘ كاتب وباحث سوري في ألمانيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية