التغير المفاجئ في طروحات مفكرين خليجيين حول إيران

حجم الخط
6

دعونا نتصارح حول ما يطرحه مفكرون خليجيون عن أن (إيران تتعامل في الخفاء مع إسرائيل وأمريكا والغرب ضد مصلحة دول الخليج العربي وضد السنَّة لمصالحها، وأن عداءها أو عداء إسرائيل وأمريكا والغرب معها دعائي وخادع لإيهام العرب والسنَّة أن إيران عدو لإسرائيل ونصيرة للإسلام، ويسوقون أمثلة لعل أبرزها كما يفترضون تسليم أمريكا العراق لإيران ويصورون للرأي العام الخليجي والعربي والسني أن إيران هي العدو للخليج والعالم العربيين وللسنَّة في العالم، وأن حربي ‘حزب الله’ ضد إسرائيل كانت مُمسرحة..إلخ..) نرى أن ثمة سذاجة ومبالغة في تبني نظرية المؤامرة في مثل كذا طرح تفنده شواهد الواقع وتكرس خداع الإيباك وإسرائيل وأمريكا والغرب للعرب والسنَّة (أن إيران هي العدو الوحيد بل الأوحد لهم وليست إسرائيل). صحيح أن بيننا وبين إيران اختلافات تصل إلى درجة الخلاف وتصعيد اللهجة أحياناً، يصعدها متطرفون على الجانبين خدمة لمصالح آنية وخدمة لأجندات خارجية، لكن أيضا بيننا وبين إيران علاقات جوار جيو/ سياسية واقتصادية وتجارية ومالية وسوسيو/ تاريخية وجيو/ بيولوجية.
أجل، لإيران مصالح ومن حقها، كما من حق أي دولة أن تحافظ على مصالحها وأن توجد لها نفوذا وأن تقوي ترسانتها العسكرية وأن تحقق في الحد الأدنى قوة ردع نووية وغير نووية مع الدول القوية في العالم، خاصة في إقليمها الشرق أوسطي كإسرائيل وتفعل ما تراه مناسبا لأمنها القومي وأن تتخلص من التبعية القاتلة لأمريكا والغرب ومن خلالهما إسرائيل.
والسياسة هي الآلية الرئيسة للمناورة والمداورة لتحقيق ذلك، على أساس أن ‘الحرب خدعة’، فما الضير أو العيب؟ لماذا مثلاً لا نفعل نحن في الخليج العربي ذلك ونحافظ على مصالحنا ونخلق لنا نفوذا في العالم، مستغلين دعم حكوماتنا غير المحدود لاقتصادات أمريكا والغرب ومن خلالهما إسرائيل، بدلا من أن نكرس كل يوم نظرة العالم إلينا على أننا بقرة تحلبها أمريكا والغرب ومن خلالهما إسرائيل، لا سيما مثلاً من خلال عقد صفقات الأسلحة والطائرات الأحدث بعد أن صدئت الطائرات التي كانت الأحدث وقيل لحكوماتنا ‘عليكم بشراء الأحدث، لأن قطع الغيار لتلك التي ابتعتموها قبل ثلاث سنوات نفدت وغدت تلك الطائرات منتهية الصلاحية’ وهلم جرا.
القول إن أمريكا سلمت العراق لإيران لأنها أزاحت نظاما سنيا معاديا للشيعة المزعومين أنهم الأكثرية، وكان ذلك من أجل إرضاء إيران والشيعة غير دقيق في المطلق، فنظام صدام كان علمانيا وكان يعاديه كما كان يواليه سنُّة (وخاصة بعد قراره الإجرامي والمدمر بغزو الكويت) وكان يواليه شيعة وكان في حكمه قادة سنة، وشيعة وأكراد ومسيحيون وغيرهم من الأقليات العراقية، حتى ان إسرائيليين وأمريكيين وغربيين يستهزؤون من شيوع هكذا تأويلات.
الذي فعلته إيران بذكاء سياسي بارع – وإن كان لا يروق لنا علينا أن نتعلم منه أنها تولت إلى الظل وجلست ومستقبل العراق بعينيها تتفرج على أمريكا وبريطانيا، وهما تتلقيان الضربات من المقاومة الوطنية العراقية بطيفيها السني والشيعي، وإن كان هذا الأخير محدوداً، إلى أن انسحبت أمريكا وبريطانيا خاسرتين حاسرتين عسكريا واقتصاديا وسياسيا وأخلاقيا، تاركة للشيعة المعارضين لنظام (صدام حسين) ومعظمهم جاؤوا من أمريكا والغرب وإيران اليد العليا ليس حبا في الشيعة وإيران، وليس كما بدا كراهية كذلك للسنَّة، وإنما نكاية بحكم (صدام حسين) الذي هدد بأن ‘إنخلي النار تاكل نص إسرائيل’ كما صرح في أعقاب مؤتمر القمة العربي ‘الصمود والتحدي’ في بغداد عام 1979، الذي ضرب إسرائيل وكانت ضربات موجعة وإن كانت لأسباب غير صحيحة، فهجمت إيران على العراق من خلال لعبة سياسية لم تخسر فيها ريالاً واحداً. كان بإمكان دول الخليج العربي مثلاً أن تفعل ذلك غير أنها آثرت السلامة، والآن تدفع الثمن بتحول العراق رسميا إلى دولة شيعية يُنظر إليها على أنها شوكة في خاصرة الخليج العربي ذي الأكثرية السنية.
والقول إن اتخاذ إيران القرار بالتخلص من التبعية لأمريكا والغرب ومن خلالهما إسرائيل مجرد عمل دعائي وبروبغاندا، كلام ينقصه الكثير من حقائق الواقع ويسلمنا أكثر إلى نظرية أو حقيقة أن المسلمين أو العرب أو دولة ما في العالم الثالث غير قادرة على اتخاذ قرار سيادي بمستوى التخلص من التبعية، لأنها لن تستطيع أن تعيش من غير الغرب.
إن من يزور إيران ويتأمل بعين موضوعية لا يلقي بالا لا لكلام الإيرانيين ولا لكلام خصومهم أو أعدائهم، يستطيع أن يلحظ مدى تخلصهم من التبعية متحملين على مدى ثلاثة عقود الحظر الاقتصادي ومعتمدين على قدراتهم الذاتية، وقد نجحوا وأجبروا الغرب من خلال مفاوضات 5+1 أن يجلسوا معهم وهو مؤشر على أن الغرب وأمريكا وإسرائيل من خلالهما مترددون على الأقل في المجازفة بالتحرش بإيران وهي مفاوضات شاقة تسعى إيران بين ما تسعى إليه إلى الاعتراف بها قوة نووية، كما تفعل كوريا الشمالية ومن حقهما السيادي ذلك.
نعم نتائج الغزو الأمريكي ـ الصهيوني البريطاني صبت في مصلحة إيران بَيْدّ أن القول إن أمريكا وحلفاءها فعلوا ذلك من أجل إيران كلام ينقصه الكثير من النضج السياسي. فلا شك أن (غرفة العمليات) لضرب إيران النووية أو التي ستصبح نووية
التي أقامها وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيـــغل ونظيره الصهيوني يعلون في (تل أبيب) يوم 23 نيسان/إبريل والتصريحات النارية الأقوى التي صدرت منهما في المؤتمر الصحافي لا تدع ذرة شك في عقل امرءٍ راجح التحليل أن أمريكا والغرب وإسرائيل بتوجيه مباشر من الإيباك واتحاد اللوبيات الصهيونية في أمريكا والغرب أعداء حقيقيون لإيران أو لنقل في صراع نفوذ هائل على منطقة الخليج العربي الإستراتيجية عسكريا واقتصاديا.
وأما عن ‘حزب الله’ فأنا لا أزيد على ما قاله الزعيم اللبناني الدرزي وليد جنبلاط إن دعم ومشاركة ‘حزب الله’ مع النظام السوري لإجهاض الثورة السورية يشوه تاريخ الحزب المشرف والناصع في الانتصارين التاريخيين على الصهاينة في
2000 و2006 بدعم إيراني سوري. نعم نحن ندين بشدة دعم الحزب ومشاركة قوات منه في ضرب الثورة السورية، غير أننا نختلف مع الطرح الجديد والمفاجئ من مفكرين خليجيين حول مسرحية ذلك الانتصارين، مطبقين قول شاعر العرب القديم: ‘عَينُ الرضا عن كلِّ عيبٍ كليلةٌ.. ولكن عينَ الّسُخطِ تُبدي المَساويا’ وكما يقول شاعر خليجي: ‘حُبٍّ يِرِفعِكْ سِما وحُبٍّ يْنَزْلِكْ قاعْ’. إذن ليس من الذوق أن نمسح انتصاري ‘حزب الله’ ونطلق ما لا يليق من النعوت، رغم عدم اتفاقنا مع الحزب ولومنا الشديد له على موقفه من الأزمة السورية.

‘ أستاذ جامعي وكاتب قطري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول حسن ابو زينـب:

    فضيحة ايــران جيت قد كشفت الكثير من العلاقات السرية بين الادارة الامريكية في زمن الرئيس رونالد ريجن، وكيف ان الادارة الامريكية قد اعطت الضوء الاخضر للكيان الصهيوني بتزويد الجمهورية الايرانية الاسلامية ما تحتاجه من اسلحة اثناء الحرب العراقية الايرانية، وكيف ان ادارة الرئيس ريجن قد مكنت مستشار الامن القومي الامريكي الجنرال Oliver North بلعب دور الوسيط بين الادارة الامريكية والكيان الصهيوني من جهة وجمهورية ايران الاسلامية ! وقد وثق مستشار الامن القومي الامريكي اوليفــر نورث مجمل سفراته المكوكية بين تل ابيب وطهران وواشنطن في كتابه :
    Under Fire
    An American Story
    Oliver North
    with William Novak
    First Edition 1991
    ISBN 0-06-018334-9

  2. يقول مصطفى:

    هذا هو الكلام … تحيه الى د. علي الهيل

  3. يقول عصام الحلبي:

    العرب ليس بينهم وبين الشعب الإيراني مشكلة ونحن لانتدخل في شيئون ايران وانما الحكومة الايرانية هي التي تدخل في كل المشكلات العرب انظر لقدطوقت الخليج العربي من العراق سوريا لبنان السودان اليمن الحوثيين و باب المندب و جيبوتي والآن مصر ثم بدأت إثارة النعرات الطائفية في دول مجلس التعاون من اجل زعزعت استقراها من الداخل . والدستور الإيراني في مادته الثالثة والمادة ١٥٤ نص على تصدير الثورة الى كل العالم وخصوصا الدول المجاورة لإسقاط حكوماتها وقيام حكومات تدور في الفلك الإيراني نظرية (بسط الثورة) وأرجو ان تقراء كتاب حزب اللة في لبنان لبنان مجتمعا إسلاميا للصحفي اللبناني (الشيعي) وضاح شرارة لتعرف مخططات ايران الخطيرة واستراتيجيتها للهيمنة على المنطقة . اعتقد ان الموضوع خطير وأخطر من تفكيرك ….. فهل هذه دعوة من إخوان المسلمين للتقارب مع ايران .

  4. يقول ابراهيم:

    المؤسف أن كثير من الأخوة العرب يتكلمون بعواطفهم القومية أو المذهبيه تاركين عقولهم في غيبوبة ومادام أن أضغاث الأحلام تنسيهم مر الهزائم والخذلان فالرجاء عدم الازعاج بالحقائق ولهذا السبب تمكن 4 مليون عبري من إذلال 240 مليون عربي.

  5. يقول محمد الخالد:

    نعم من حق ايران أن تقوى وتتخلص من التبعية ولكن ليس لها الحق أن تخمد الثورة السورية أو حتى أن تشارك في اخمادها.

  6. يقول سارة علي:

    الله يفتح عليك يا شيخ!

إشترك في قائمتنا البريدية