البحث عن شكل لقصيدة النثر العربية
الشاعر المغربي محمد الصالحي في كتابه شيخوخة الخليل :البحث عن شكل لقصيدة النثر العربيةالمغرب ـ من عبدالحق ميفراني: في تقديمه لكتاب الشاعر والباحث محمد الصالحي شيخوخة الخليل بحثا عن شكل لقصيدة النثر العربية والصادر عن منشورات اتحاد كتاب المغرب، يؤكد الناقد المغربي العربي الذهبي أن هم محمد الصالحي، في هذه الدراسة، هو السعي ما أمكن نحو تبديل موقع وآليات النظر الي موضوع قصيدة النثر، بحكم أن النقاش لم يخرج في إشكالاته ومحاوره وزوايا النظر المشاركة فيه.. عما عرفته الستينات من طابع سجالي ودعائي حينا أو اختزالي سطحي حينا آخر، وإهمال للوقائع الشعرية أحيانا أخري .إن الهدف غير المعلن للشاعر والباحث محمد الصالحي هو الاقتراب من ممكنات الصياغة العلمية الملائمة للواقع الشعري لقصيدة النثر، بدل الإبقاء علي ترجيع الشعارات التنظيرية التي رسبها هذا التراكم الهائل لهذا ينحصر هم هذه الدراسة في البحث ـ نظريا ـ عن الأسئلة الحقيقية للشعر .يتوقف بحث الناقد محمد الصالحي علي فرضيتين أساسيتين:1 ـ الشعر العربي نسق كلي يستوعب عددا لا نهائيا من الأشكال الشعرية بما فيها قصيدة النثر.2 ـ معالجة المسألة الأجناسية عليها ـ ابستيمولوجيا ـ أن تؤول الي تمييز وضبط حدود النثري والشعري وليس الخلط بينهما.لذا يشير الناقد العربي الذهبي الي أن كتاب الباحث محمد الصالحي هو مدخل نظري ضروري للبحث في النص الشعري والكشف عن آليات انبنائه لأن تحليل النصوص هو الفيصل في تأكيد أو تفنيد التصورات الشعرية كيفما كانت طبيعتها .في مقولة تداخل النصوص بين الأشكال الأدبية يخصص الباحث محمد الصالحي فصلا كاملا لتحديد المصطلح ما دام المتأمل للدرس النقدي العربي الحديث حول الشعر سيلاحظ الفوضي السائدة بسبب من عدم تدقيق المصطلح أولا، وبسبب من عدم توحيده ثانيا، لذلك يسرد الباحث في بداية فصله مختلف التعريفات التي تناولت مفهوم قصيدة النثر، لكن الجزء الكبير من الجمع بين مفاهيم متعددة عكس مدي القلق الاصطلاحي الذي ساد الممارسة النقدية والشعرية العربية الحديثة .لذلك ورث الخطاب النقدي وقصيدة النثر معا خلطا مفاهيميا وتشابكا اصطلاحيا سيحول دون قراءة هذا النص، قراءة شعرية بعيدا عن الأهواء والحسابات، ويمكننا أن نستدل علي هذا الخلط بوهم الشكل الخارجي الذي وقعت فيه معظم التعريفات التي صاحبت تنامي الأشكال في الشعر العربي الحديث، لكنه لا يخلو من جهة ثانية من قلق كبير اتجاه مصطلح قصيدة النثر .ويري الباحث محمد الصالحي أن التسابق علي الاشكال الشعرية دال علي يأس وخيبة وليس علي حيوية وفاعلية، وفي تعريفه للمصطلح يؤكد الباحث أن قصيدة النثر ضرب من الغنائية المجنحة المثقلة بالضجر من الحياة والغارقة في عالم قدري لا يملك الشاعر فيه إلا الانسياق وراء قوة تلهو به كيفما تشاء، ، فإن الفوضي الشكلية التي لا تستقر ولا تهدأ منحت الشاعر والقارئ متنفسا يعكسان من خلاله موقفا ضبابيا من واقعيهما العام والخاص .في المقابل لم يواز هذه الحرية تمحيص نظري يفسرها، بمنحها الشاعر أشكالا جديدة، وكيف تعمل في النص، وتصنع شعريته ؟؟ولا يمكن اعتبار هذه الحرية مقياسا خاصا بقصيدة النثر فالحرية هي التي ينهض عليها أي نص أدبي، من هنا تتحول اللاقاعدة التي أريد لقصيدة النثر أن توسم بها الي قاعدة ليظل السؤال الأساسي حول شعرية قصيدة النثر؟يثير الباحث كون قصيدة النثر لا تبتعد كثيرا عن الروح الإيقاعية للشعر..هي ليست أرقي ما وصل إليه الشعر العربي. بل هي إمكانية أخري. لذا لا يمكن الحديث عن أفق خالص، أي أن قصيدة النثر شكل نهائي خالص هو أفق منتهي لتطور القصيدة، ولعل هذا التمييز المغيب في المراس النقدي قد أوصل الإشكال لغير موضعه.وعودة للتعريف الاصطلاحي ينطلق الباحث من مقولة الكلام الموزون المقفي ليشير الوزن حاضر في الشعر لأنه جزء من جوهره..أما المتغير فهو الشكل الخارجي للنص.. مهمة الباحث.. مطالب بالقبض علي البنية الإيقاعية لنص ذي شكل جديد تخلي عن معطيات ومؤشرات ألفتها الذائقة العربية وجعلتها المكون الأساسي للشعر لذلك يتساءل الباحث هل القصائد العربية منذ العصر الجاهلي الي عصر النهضة كانت ذات إيقاع واحد؟ وإذا كان لكل قصيدة نثر إيقاعها الخاص، فلم نسمي كل القصائد مختلفة الإيقاع قصائد نثر ؟؟إن النقد مطالب بشحذ أدواته لتأسيس خطاب علمي حول هذا النص يكون كفيلا بتوحيد الرؤية إليه وحوله، وكفيلا بالقبض علي الوحدة في الاختلاف، وحدة الإيقاع والشكل والتجربة في اختلاف الممارسة الابداعية .في الباب الثاني: الشعر والنثر: التقاطعات والهوية الأجناسية ضمنه الباحث فصلين :ہ الأول: الشعر والنثر: مكر الشكل، وفاء الإيقاع. ہ الثاني : هوية النص الشعري.لقد دفعت التغيرات الشكلية التي مست جسد القصيدة العربية إثارة قضية العلائق بين النثر والشعر..ويعترف الباحث بصعوبة تحديد المعيار الذي نحدد به الشعر والنثر..لقد انبنت العديد من المقدمات علي اعتبار النثر أصلا وضيعا لجنس أرقي يخرج من صلبه هو الشعر، وستثبت الدراسات النقدية والانتروبولوجية والأنتولوجية أن العكس أصح . وينتهي الباحث في الفصل الثاني هوية النص الي مقولة زئبقية مفهوم الشعر، أما في باب تشاكل النص الشعري ينطلق الباحث محددا أن الأشكال تتغير ويبقي الإيقاع دالا علي جنس الشعر ومؤشرا علي هويته مادام الشعر يعمد دائما الي تجديد أنساقه وأشكاله، وهو تجديد يفرض بالضرورة تجديدا في التيمات والرؤي والفلسفات .في باب الإيقاع مهيمنة، هذه الرؤي، هذه الأخيرة التي تحولت مع ياكبسون لبؤرة حولها تتمحور كل مكونات النص يشير الباحث الي أن الذي يؤدي دور المهيمنة هو الإيقاع وهو نفسه الذي يخضع أنساق النص كاملا.في الفصل الثالث والأخير، قصيدة النثر بحثا عن شكل والذي تناول فيه الباحث أربعة أبواب: ہ الإيقاع ـ القوة البادئة.ہ وضعية المقامة.ہ غواية الصوت.ہ شعرية النص ـ الحصة الغائبة.تحديد أساسي مفاده أن القصيدة تتخلق عالما متشابكا تشكل لحمــــته العناصر الصوتية واللفظية والتركيبية والوزنية بطريقة آنية.. لأنها تصـــــدر عن الشاعر كاملة البناء مع استحالة الحديث في نص شعري عن زوائد نثرية تقتضي شعرية النص إزالتها.إن تملك القوة الشعرية الهاجعة في الدلالة الشعرية إمكانية لفت الانتباه الي اللعبة الإيقاعية في النص علي نحو يجعل المكونات اللفظية للنص مجرد علامات وإشارات ومسالك . ينتقل الباحث لوضعية المقامة من التراث الأدبي العربي بصفتها جنسا أدبيا استثمر مكتسبات النثر والشعر معا لتأسيس دلالته وإيقاعه الخاصين به كجنس مستقل للتأكيد علي أن الشعر يغير في منعطفات تاريخية معينة استراتيجيته الإيقاعية فيبدو فاقدا لخاصيته الإيقاعية مستسلما للنثر .في باب غواية الصوت تنبيه الباحث الي خطورة سقوط قصيدة النثر في السجع تنبيه الباحث هنا، ينطلق من سؤال ماكـــر هو: ما الذي علي شاعر قصيدة النثر الخضـوع له وهو ينشيء قصيــدته؟ فالسجع كتنظــــــيم صوتي ودلالي يبدو صالحا لمقـــاربة قصيدة النثر العربية باعتباره نثــرا مقفي وموقــــعا وذا تواز ملحوظ في الكلمات والمقاطع لكنه يفتقر الي الوزن بمفهوميه العروضي والإيقاعي.. وهنا يستدعي الباحث مساءلة الوزن كملمح إيقاعي وكجزء من دلالة الخطاب..في الباب الأخير شعرية النص يركز الباحث علي النص كعالم متشابك غير قابل للتجزئة فالشعرية مطالبة بالجمع بين مكتسبات البلاغة القديمة وإنجازات السيميائيات الحديثة قصد تفادي قصور اللسانيات وعجزها عن فهم النص الشعري، هذا الأخير هو دلالة مستقلة ومكتفية بذاتها ويجب النظر إليها باعتبارها كذلك.إن رهان النص الشعري هو أن يكون شعرا بدلالته وإيقاعه لا بوزنه وبعروضه ثمة نقد صريح للباحث محمد الصالحي لافتقاد الأذن العربية في جل ما كتب باسم الشعر منذ نهاية 50، الخصائص الإيقاعية للشعر مما أفرز كلاما هجينا يفتقر الي التنظيم الصوتي والدلالي الملازم للقصيدة هذا، مهما يكن التغير الذي لحق باستراتيجية الإيقاع، فكلما قلت في الشــكل الشعري تلك العناصر الظاهرة التي تميز الشعر عن النثر، اشتدت الحاجة الي توكيد حقـــيقة أننا لسنا بإزاء نثر، وإنما بإزاء شعـــــر، إذن الخطاب النقدي العربي الراهن حول الشعر مطالب حسب الباحث بـ تعميق البحث في الإيقاع وتحديد مفهوم علمي متطور له، تحديد إيقاع النص الشعري بعيدا عن ثنائية: اللغة أداة / اللغة مادة، ولتكتمل هوية قصيدة النثر، بوصفها جنسا شعريا عليها أن تكتشف نظامها الإيقاعي الخاص . إن عمق هذا البحث ينطلي علي مفارقات عديدة لعل أهمها أننا أمام بحث متماسك موحد في الرؤية والاشتغال فعكس بعض الإصدارات التي احتوت علي مجموعة من الدراسات، تماسك بحث محمد الصالحي في تناوله قصيدة النثر من زاوية المقاربة تمحيصا وتناولا، لكن المقاربة تحركها هواجس نقدية تبحث عن تجاوز هذه الأوهام التي رسختها الحركة الشعرية العربية الحديثة بعيدا عن التناول النقدي الرصين.وإذا كان كتاب شيخوخة الخليل للباحث محمد الصالحي يروم البحث عن شكل لقصيدة النثر العربية، إن وجد، فإنه حاول قدر الإمكان مساءلة ضبابية هاته الخطابات، مع الجدة في الطرح ولعل الاشتغال الثاني للباحث كشاعر مكنه من التقيد في طرح القضية الجوهرية، بل الإمساك الواعي الذي يجعلنا نعتبر كتاب محمد الصالحي أرضية صالحة للنقد الشعري من أجل معاودة الإمساك بالرؤية قصد الفهم، كما أن الاعتراف بقصور النقد لا طبيعة قصيدة النثر يزيد من عمق التناول ويعضد الاستراتيجية الاستقرائية نفسها. 0