الاستخبارات الاسرائيلية ومعها الاستخبارات العالمية فشلت في توقع انتصار حماس الساحق
الوقت أصبح متأخرا جدا الآن لعمل اي شيءالاستخبارات الاسرائيلية ومعها الاستخبارات العالمية فشلت في توقع انتصار حماس الساحق عشية الانتخابات في السلطة الفلسطينية، أُعدت سيناريوهات لتغطية كل الاحتمالات القائمة: ماذا ستفعل حماس اذا حظيت بنسبة 10 في المئة من الاصوات؟ (ستجدد العمليات)، 20 في المئة (ستفاخر بالانجاز)، 30 في المئة (تعلن عن نصر كبير)، وذكروا حتي نسبة الـ 40 في المئة وإن كانت غير واقعية كضمانة لتغطية انفسهم في اسوأ الاحوال. أما امكانية حصول حماس علي 60 في المئة فلم تُطرح بتاتا.الانتخابات جرت في يوم الاربعاء. وقد كنت قد قضيت اليوم في رام الله. مثلما كانت جفعتايم هي معقل لحزب العمل كان من المفترض أن تكون رام الله معقلا لفتح. الشريحة الأقوي والأكثر قدما في المدينة هم مسيحيون. الملابس، الأجواء، الحياة الليلية مفتوحة نسبيا وغريبة وعلمانية. والأهم أن فيها نسبة عالية من الاشخاص الذين يعيشون من الحكم: قوات أمن وموظفين، وسياسيين ورجال اعمال علي علاقة بهم. انتصار النظام القائم كان مسألة وجودية.وبالرغم من ذلك، كانت شوارع رام الله مليئة بحماس. الانقلاب كان في الأجواء: في أحاديث سائقي السيارات العمومية وفي حنين بائع التوت في ميدان المنارة للحكم الاسرائيلي وفي الأجواء المتكدرة ومكاتب قادة الحزب الحاكم.في ذلك المساء التقيت بضابط كبير في الجيش لاجراء محادثة خلفية لمقالتي: شخص ذكي وصاحب تجربة واسعة في القتال ضد الفلسطينيين. حدثته عما شاهدته. الضابط ابتسم عن وعي وقال جماعتنا أعطوا فتح تفوقا بنسبة 7 في المئة .في ذلك المساء ألقي اولمرت خطابه التتويجي في مؤتمر هرتسليا، وكانت عباراته مرتكزة علي التقديرات التي وصلته من رؤساء الاجهزة الأمنية. أنا لست موافقا علي كل عمليات التخويف التي يسردونها علينا حول مدي الصعوبة التي ستكون هنا بعد الانتخابات الفلسطينية ، قال اولمرت. (الآن أصبح شريكا في هذه الآراء).في شعبة الاستخبارات العسكرية أمان ، يقدحون زناد عقولهم الآن حول مسألة كيفية حدوث الاخفاق الاستخباري ومن الذي يتحمل المسؤولية ولماذا. خسارة علي وقتهم المهدور. الاستخبارات الاسرائيلية قادرة علي احصاء الامور الصغيرة الملقاة تحت مكتب فتحاوي صغير في قلب مخيم بلاطة. هي قادرة علي اقتباس ما همست به امرأة لزميلتها في الدكان في الخليل، وماذا قال أبو مازن لصائب عريقات في مصعد المقاطعة. قوته تكمن في هذه المسائل. أما التغيرات العميقة في الوضع القائم والسلوك السياسي والميول فهي كبيرة عليها. من يعتمد علي الاستخبارات في تقدير نتائج الانتخابات مثله مثل من يراهن في اليانصيب معتمدا علي محللي كرة القدم: هو لن يفوز بالجائزة الكبري.ليس علي الجيش و الشاباك أن يجلدا أنفسهما بسبب نزعة المغامرة. الكلمتان الوحيدتان اللتان لم تُذكرا في المحادثات مع أصحاب الرأي والمشورة الاسرائيليين قبل الانتخابات كانتا: لا أعرف . كانت لديهم فرضية متكاملة: الانتخابات ستتمخض عن اغلبية ضئيلة لفتح وشركائها. الصراع سيكون حول فرض القانون والنظام في مناطق السلطة ونزع سلاح الميليشيات. الانتخابات هي في نهاية المطاف محطة واشارة ضوئية علي طريق الكفاح الهام فعلا.كلهم تمسكوا بالفرضية وبحثوا عن القطعة النقدية تحت ضوء المصباح: الادارة الامريكية، المحللون الاعلاميون، الاستخبارات، صانعو السياسات في الحكومة وعلي رأسهم شارون. شارون قرر قبول الإملاء الامريكي وإفساح المجال أمام الانتخابات بما في ذلك انتخابات لحماس في شرقي القدس. هو لم يكن ليفعل ذلك لو اعتقد أن حماس ستنتصر.اسرائيل تبذل جهودا كبيرة في المجال الاستخباري وأكثر من أي دولة اخري في العالم نسبيا. هذه الجهود تتمخض عن نتائج مدهشة في كل ما يتعلق بصغائر الأمور والأحداث. أما في القضايا الكبري ـ القضايا الوجودية مثل القنبلة الايرانية أو سيطرة حماس علي فلسطين ـ فالاستخبارات تقف عاجزة لا حول لها ولا قوة. ليس لدينا من نعتمد عليه علي ما يبدو باستثناء مشاعر وزرائنا الداخلية.بعضهم، مثل اولمرت، ملزم باستخلاص العِبر من هذه القضية وتوخي الحذر في تبنيه لتقديرات وآراء الاستخبارات. الحقائق نعم، أما التقديرات والفرضيات فلا. وهناك عِبرة اخري: عدم المسارعة في السخرية من المثيرين للفزع : ما يتنبأون به في الظلام يخرج الي الضوء احيانا.ناحوم برنياعمحلل رئيس للصحيفة(يديعوت احرونوت) 30/1/2006