الاختبار الديمقراطي الفلسطيني

حجم الخط
0

الاختبار الديمقراطي الفلسطيني

عبد الباري عطوانالاختبار الديمقراطي الفلسطينييتوجه ثلث ابناء الشعب الفلسطيني الي صناديق الاقتراع لانتخاب اعضاء المجلس التشريعي الذي من المفترض ان يراقب اداء السلطة الوطنية، المكلفة بادارة شؤون الاراضي المحتلة في الضفة وقطاع غزة.وعندما نقول ثلث ابناء الشعب الفلسطيني فاننا ننوه الي ان هناك حوالي ستة ملايين من ابناء هذا الشعب، يعيشون في المنافي ودول الجوار، يحملون صفة لاجئين ، ويتطلعون الي حق العودة، ولم تعد هناك اي جهة رسمية تمثلهم بعد ابتلاع السلطة، من خلال اتفاقات اوسلو، منظمة التحرير الفلسطينية، وتجميد جميع مؤسساتها.هذه الانتخابات، ورغم تسليمنا بانها ناقصة الشرعية لكونها تعقد في ظل احتلال اسرائيلي، ووفقا لاتفاقات فقدت صلاحيتها (اوسلو وتبعاتها) قد تشكل نقطة تحول اساسية في الحياة السياسية الفلسطينية، ومستقبل الصراع العربي ـ الاسرائيلي، وذلك للاسباب التالية:اولا: ستنهي هذه الانتخابات اذا ما جاءت نزيهة وحرة، وبغض النظر عن نتائجها، مرحلة هيمنة وديكتاتورية الحزب او الفصيل الواحد، علي عملية اتخاذ القرار في الحياة السياسية الفلسطينية، وستؤسس لتعددية حقيقية، سياسية واعلامية.ثانيا: ستضع نقطة النهاية لمرحلة الابوات ، التي تحكمت بمنظمة التحرير اولا، ثم السلطة الفلسطينية ثانيا، علي مدي ثلاثين عاما علي الاقل، وستدفع بدماء جديدة الي المجلس التشريعي، اكثر شبابا واكثر تفهما لمشاكل الشعب الفلسطيني، واصدق تمثيلا لطموحاته المشروعة في الاستقلال والعدالة.ثالثا: ستضع هذه الانتخابات حجر الاساس لمؤسسات وطنية جديدة تقوم علي اساس الكفاءة والنظافة والتعددية، وتضع حدا للفساد ومافياته ، وتعيد فتح ملفاته، بطريقة علمية قانونية صرفة، وتقدم رموزه الي محاكمات عادلة، وغير ثأرية لاستعادة اموال الشعب الفلسطيني المنهوبة.رابعا: ستؤسس لدولة القانون، وتقديم مصلحة المواطن علي مصلحة الفصيل، او الحزب او العشيرة او المنطقة، لان نواب المجلس التشريعي الجديد سيدركون جيدا ان هناك ناخبا سيحاسبهم، ويراقب اداءهم، فان احسنوا، اعاد انتخابهم وان اساءوا حجب عنهم صوته.خامسا: بعد ظهور نتائج هذه الانتخابات من المفترض ان لا تكون هناك سلطة تملك تفويضا مفتوحا للتفاوض مثلما كان عليه الحال في السابق، تقدم تنازلات جوهرية، تفرط بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، مثل حق العودة والقدس المحتلة، وتنصب نفسها ناطقا باسم الفلسطينيين جميعا داخل الارض المحتلة وخارجها.سادسا: ستنهي هذه الانتخابات زمن هيمنة الفصائل علي الخريطة السياسية الفلسطينية، وتعيد تصحيح اوضاع المؤسسات الفلسطينية، وفق قوة كل فصيل وحجمه علي الساحة الفلسطينية، سواء داخل المجلس التشريعي، او في مؤسسات منظمة التحرير التي من المفترض ان تتم اعادة إحيائها. فبعض الفصائل والقوي التي استمدت مكانتها ومقاعدها من مرحلة تواجد العمل الفلسطيني المسلح في بيروت ودمشق، انقرضت ، او تضاءل حجمها بشكل ملموس، وظهرت مكانها قوي جديدة علي الارض، تمثل المقاومة في الداخل (حماس والجهاد وكتائب شهداء الاقصي) والمجتمع المدني (مثل الطريق الثالث وفلسطين المستقلة والبديل والتغيير).ما نريد قوله ان ثقافة الفاكهاني بعجرها وبجرها التي حكمت العمل الفلسطيني، وتحكمت فيه، علي مدي الثلاثين عاما الماضية قد انتهت، واسدل الستار عليها، ليس لانها سيئة او جيدة، وانما لأن مرحلة جديدة تتبلور عمادها انتقال المقاومة من الخارج الي الداخل، واتباعها اساليب جديدة متكاملة، مثل الانتفاضة، والعصيان المدني، والعمليات الاستشهادية، وصواريخ القسام.المجلس التشريعي الجديد سيعكس حتما هذه التحولات الجديدة بصدق وموضوعية، ولن يكون، ولا يجب ان يكون، مجرد بصامة ، او صورة مصغرة لبعض برلمانات الديكتاتوريات العربية الموروثة من زمن الحرب الباردة. فهذا المجلس لن يكون دوره التصفيق والهتاف للرئيس، واقرار سياساته دون نقاشات مطولة معمقة، ولن يقبل بتوزيع الحقائب الوزارية لارضاء هذا او ذاك، مثل وزارة مفاوضات في وقت لا توجد هناك مفاوضات، ووزارة للتخطيط في ظل حال من الفوضي، ووزارة للامن الوطني في ظل الفلتان الامني، ووزارة للعدل في ظل انعدام العدل، كما انه لن يقبل، ولا يجب ان يقبل، بوجود سفارات للسلطة اكثر من سفارات الولايات المتحدة الامريكية.المجلس التشريعي الجديد لن يقبل ولا يجب ان يقبل حصول اعضائه علي سيارات فارهة، ورواتب ضخمة، وامتيازات مالية واجتماعية غير مسبوقة، فمجلس العموم البريطاني الذي يمثل اعرق الامبراطوريات في العالم لا يوزع سيارات اودي علي اعضائه، ولا مرتبات شهرية ضخمة مدي الحياة حتي بعد فقدانهم لعضويتهم، ولا جوازات دبلوماسية ابدية لهم ولنسلهم المبارك. فمن المؤسف انه في الوقت الذي يعيش فيه تسعون في المئة من ابناء الشعب الفلسطيني علي اقل من دولارين في اليوم يتقاضي ممثلوهم في المجلس التشريعي مرتبات شهرية تفوق نظراءهم في البرلمانين السويسري والسويدي.ابناء الارض المحتلة من المأمول ان يختاروا ممثليهم اليوم علي اساس الكفاءة والنظافة، والالتزام بالثوابت الوطنية، واذا فعلوا ذلك سيغيرون خريطة المجلس التشريعي بالثوابت الوطنية، واذا فعلوا ذلك سيغيرون خريطة المجلس التشريعي وسيكون النواب الجدد في معظمهم من الشخصيات الوطنية الأمينة علي هذه الثوابت، سواء كانوا من حركة حماس او فتح او الاحزاب والكتل الجديدة المستقلة .فمجلس علي هذه المواصفات ربما يجعل الشعب الفلسطيني في الوطن والمهجر اكثر اطمئناناً الي مستقبله، لان اول واجباته منع اساليب الارتجال والمفاوضات السرية، والاتفاقات الكارثية، مثل اتفاقات اوسلو والمعابر، وربط الاقتصاد الفلسطيني بالكامل بنظيره الاسرائيلي.الشعب الفلسطيني يريد من ممثليه في المجلس الجديد قضاء مبرما علي المحسوبية الفصائلية في التعيين في الوظائف المحلية والدبلوماسية، والتأسيس لنظام قضائي مستقل فعلا، وبناء اجهزة امنية محترفة، علي اسس عصرية، تطبق القانون، وتضعه فوق الجميع، وتفرض العدالة، وتضم الاكفاء ابتداء من القاعدة وحتي قمة القيادة، وتقيم علاقات صحية بعيدة عن المجاملات ونهج التبعية مع دول العالم ودول الجوار خاصة.هذه الانتخابات هي الاختبار الأهم للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، لتقديم النموذج الديمقراطي الوطني الذي يخدم مصالح هذا الشعب وطموحاته ويتمسك بثوابته، وكل المؤشرات الراهنة تدل علي انه سيجتاز هذا الاختبار بعلامة نجاح عالية.

mostread1000000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية