الاتفاق الروسي الامريكي ينص على رحيل للاسد كنتاج للعملية السياسية وليس شرطا لبدء المفاوضات

حجم الخط
0

لندن ـ ‘القدس العربي’: هل اصبحت جبهة النصرة لاهل الشام، جيش تحرير سورية الجديد؟ وهل تفوقها الميداني وتسيدها للساحة القتالية مبرر للغرب خاصة بريطانيا وفرنسا لتسليح المعارضة ‘المعتدلة’؟ يقول جون كيري، وزير الخارجية الامريكي ان نجاح المؤتمر الدولي الذي اتفق على عقده مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف يعني ان لا حاجة لتسليح المعارضة، ولكن الكونغرس الامريكي يتجه للتسليح.
يضاف الى ذلك هل الحديث عن استخدام الاسلحة الكيماوية في النزاع بات مبررا لتسليح المعارضة تحت ذريعة حماية المدنيين من هذه الهجمات؟ ما يجمع كل الجهود الدبلوماسية والعسكرية هي المخاوف من خسارة الساحة للجهاديين وضرورة تأمين الاسلحة الكيماوية حتى لا تقع في يدهم او جماعات غير مرغوبة.
والتقرير الذي نشرته صحيفة ‘الغارديان’ اشارة لهذه المخاوف، فقد بدأ الجيش الحر يخسر الكثير من مقاتليه لصالح جبهة النصرة ، الجماعة الجهادية المنظمة والمسلحة بشكل جيد اكثر من بقية الفصائل المقاتلة في الانتفاضة السورية. وقد اظهرت شهادات جمعتها صحيفة ‘الغارديان’ من مناطق عدة في سورية الى قوة وتأثير الجبهة التي قالت مصادر في المعارضة ان زعيمها ابو محمد الجولاني قد اصيب بعد استهدافه من قوات الحكومة. وبحسب هذه الشهادات فقد انضمت وحدات بكاملها للجبهة فيما يقول قادة انهم خسروا ربع مقاتليهم لصالحها.
ونقلت عن ابو احمد والذي يقود فرقة كتيبة في ريف حلب ‘يشعر المقاتلون بالفخر للعمل في صفوف الجبهة لان هذا يعني القوة والتأثير’، واضاف ان مقاتلي جبهة النصرة ‘نادرا ما اضطروا للانسحاب بسبب قلة الذخيرة والمقاتلين ولا يتركون اماكنهم الا بعد تحريرها’، ووصف تصرفات المقاتلين في الجبهة التي اعلنت الشهر الماضي ولاءها للقاعدة بانهم ‘يتسابقون على تنفيذ العمليات الاستشهادية’.
ويقول ابو احمد انه خسر عددا من مقاتليه الذين انضموا للنصرة في حلب وادلب وحماة ودير الزور ودمشق. وتقول الصحيفة ان علاء الباشا قائد ‘كتيبة السيدة عائشة’ حذر رئيس هيئة اركان الجيش الحر سليم ادريس من خطورة الوضع الميداني وذلك الشهر الماضي. ويقول الباشا ان 3 الاف من مقاتلي الجيش الحر قد انضموا الى جبهة النصرة في الاشهر القليلة الماضية وذلك بسبب نقص الاسلحة والذخائر. وفي الوقت نفسه هدد مقاتلون في منطقة بانياس بترك الجيش الحر لانه لم يكن لديهم العتاد الكافي لوقف مجزرة النظام في البيضا.
ويقول التقرير ان ‘كتيبة احرار الشام’ قد انضمت بالكامل الى النصرة، فيما خسرت ‘كتيبة سفيان الثوري’ في ادلب 65 من مقاتليها قبل اشهر بسبب نقص الاسلحة. وبناء على هذه التطورات فقد خسر الجيش الحر ربع مقاتليه.
وبحسب قادة في الجيش الحر فقد زرعت الجبهة جنودا لها داخل الجيش الحر من اجل التقاط من تراهم ناضجين للانشقاق وتجنيدهم في صفوفها وذلك حسب ابو حسن من ‘كتيبة اسود التوحيد’. وقد يكون نقص السلاح واحدا من العوامل لكن الايديولوجية هي عامل اخر فالمقاتلون يختارون العمل معها بسبب ‘الالتزام الاسلامي، الاخلاص اضافة للتمويل الجيد وتوفر السلاح’ كما يقول ابو اسلام من ‘كتيبة التوحيد’ في حلب.
وكان سليم ادريس قد قدم تعهدات بأن الاسلحة التي سيزود بها جيشه سيتم اعادتها بعد نهاية الحرب حيث سيتم اتخاذ كل الاجراءات للتأكد من وقوعها في يد الجماعات غير المرغوب فيها. وقال في تصريحات ‘للراديو الوطني العام’ (ان بي ار) انهم مستعدون لاعداد قائمة بالاسلحة وتسجيل ارقامها. واكد ان الجيش الحر منظم بشكل جيد ‘وعندما نوزع الاسلحة والذخائر نعرف بالضبط لمن والى اين تذهب’.

خطة بريطانية

وقد تدفع هذه التقارير الدول الغربية المنخرطة او المعنية بالوضع السوري لتخفيف القيود على تسليح المعارضة، حيث كشفت صحيفة ‘ديلي تلغراف’ عن خطة بريطانية دعت فيها الى ‘ اعفاء كامل’ للمعارضة السورية من القيود المفروضة على حظر تصدير السلاح الاوروبي لسورية، والهدف من هذه الخطوة هو حماية المدنيين من الاسلحة الكيماوية. وتحدثت الوثيقة عن خيارين تقوم من خلالهما فرنسا وبريطانيا بتزويد المعارضة السورية بالسلاح في اقرب وقت ممكن، من بداية حزيران (يونيو) ذلك ان ‘الوضع في سورية يتدهور بشكل كبير، وباحتمال استخدام الاسلحة الكيماوية وتزايد التطرف فقد دخل النزاع مرحلة خطيرة’، و’علينا ان نفكر بكل الخيارات، بما فيها تقديم دعم اضافي للمعارضة المعتدلة، مما يعني حماية ارواح المدنيين. وبشكل حاسم، فستجعلنا قادرين على الرد وبمرونة على اي تصعيد كبير في النزاع من مثل الهجمات الكيماوية’.
وسيتم وضع الورقة امام وزراء خارجية الدولة الاوروبية في اجتماعهم في 27 ايار (مايو) الحالي والذي سيعقد في بروكسل. ومن المتوقع ان يواجه الطلب البريطاني معارضة من المانيا ومن مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد، البارونة اشتون. ويؤكد دبلوماسيون بريطانيون على انه لم يتم اتخاذ اية خطوات لتسليح المعارضة على الرغم من دفع الحكومة باتجاه رفع حظر تصدير السلاح. حيث ترى الوثيقة ان الحكومة البريطانية تفضل خيار ‘استثناء الائتلاف الوطني من حظر السلاح’ لان الحظر على تصدير السلاح لسورية جاء من اجل ‘منع نظام الاسد ترويع شعبه’، حيث اضافت ‘ان هناك رأيا قويا يرى بعدم شمل الائتلاف الوطني بالحظر لانه لم يكن مسؤولا عن العنف والقمع المنظم للمدنيين الذي مارسه النظام. وهذا الموقف يشبه ما تبنته الدول الاعضاء (في الاتحاد الاوروبي) فيما يتعلق بالحظر والعقوبات المالية والتجارية’.

مدعاة للأمل

ووصفت صحيفة ‘نيويورك تايمز’ الاتفاق الروسي – الامريكي حول الملف السوري بانه ‘حراك دبلوماسي حول سورية’ واعتبرته علامة تدعو للامل مع ان الدبلوماسيين عادة ما يتفقون على لقاءات عندما لا يتوصلون لحلول. وقالت الصحيفة في ان كلا من الروس والامريكيين وضعوا مصداقيتهم على المحك، مشيرة الى مبادرة الامم المتحدة والجامعة العربية الفاشلة التي هدفت لازاحة الاسد عن السلطة وتعبيد الطريق امام تحول ديمقراطي، قد فشلت لان الروس كما تقول واصلوا مع ايران على ارسال السلاح للنظام السوري ورفضوا تطبيق نظام العقوبات الدولي على سورية. ولا تعرف الصحيفة ان كان الموقف الروسي تغير تجاه الاسد، وان كانت فعلا قررت وقف مساعداتها للنظام واستخدام تأثيرها كي تدفع الاسد للتفاوض.
في الوقت الذي حاول لافروف وضع مسافة بين الحكومة الروسية والاسد عندما قال ان حكومته لا تدافع عن ‘اشخاص’ الا ان الحكومة الروسية قالت هذا الكلام من قبل. ولا تعرف الصحيفة ان كانت المحادثات المتسارعة بين واشنطن وموسكو لها علاقة بالتقارير التي قالت ان البيت الابيض قد يغير سياسته تجاه تسليح المعارضة، لكن ما تعرفه الصحيفة ان من مصلحة روسيا او الولايات المتحدة التوصل لحل سياسي في سورية، لان حربا طويلة الامد ليست من مصلحة سورية او روسيا خاصة ان النزاع مرتبط بخطوط امداد الطاقة، وليس من مصلحة الجميع تحول سورية الى بلد يسيطر عليه المتطرفون. ويظل المؤتمر الدولي تحديا لادارة باراك اوباما التي تحاول بناء حركة معارضة قوية ومتجانسة.

كم تأخرنا

وبنفس السياق قرأت صحيفة ‘اندبندنت’ البريطانية الاتفاق الروسي ـ الامريكي واعتبرته تقدما وان كان ضئيلا، على الرغم من الموقف الحذر وتفريقها بين الاتفاق على عقد المؤتمر وموعد انعقاده. وقالت ان الجدول الزمني لانعقاده قد يؤخر وحتى لو التأم فسيكتشف الجميع كم من الوقت ضيع، فبين اتفاق جنيف في حزيران (يونيو) العام الماضي واليوم تغير الحال، ففي ذلك المؤتمر تم الاتفاق على تشكيل حكومة انتقالية ولم ينفذ الاتفاق بسبب عدم الاتفاق على وضعية الرئيس الاسد. وتعتقد الصحيفة ان تطور الوضع والمخاوف من انتشار الحرب للدول الجارة، والهجمات الاسرائيلية الاخيرة، واستمرار تدفق اللاجئين كانت وراء التنازلات الامريكية والروسية، حيث بدا لافروف وكيري اقل اهتماما بالدفاع عن مواقفهما السابقة. وفي النهاية فالامر متعلق بالمتحاربين وموافقتهم على الجلوس الى طاولة المفاوضات. ومن التعقيدات الاخرى هي عدم قدرة المعارضة على الحسم او الاتحاد كمقدمة للحكم. ولكن الخيار بين تصعيد للحرب التي لم ينتصروا فيها وبين حكومة انتقالية بضمانات دولية يجب ان لا تكون خيارا.

تفاصيل

ويقول ديفيد اغناطيوس في ‘واشنطن بوست’ ان الاتفاق ما هو الا بداية ولكنها محفوفة بالمخاطر والمشاكل، ويرى ان كلا من روسيا وامريكا توصلتا الى ان الاتفاق على حل سياسي احسن من القتال حتى الموت وزعزعة استقرار المنطقة. ويبدو ان الآلية التي تسير عليها المحادثات هي ان جعل رحيل الاسد جزءا من نتائج المحادثات وليس شرطا لبدئها، حيث سيتنحى الاسد عن السلطة ساعة تم فيها الاتفاق على حكومة انتقالية. فالروس الذين يدعمون الخطة علنا تعهدوا بتقديم شخصيات في الحكومة السورية كي يكونوا جزءا من الحكومة الانتقالية.
وعلق الكاتب هنا على تعهدات كيري عندما قال ‘سنؤكد على التزامنا بالحل التفاوضي كوسيلة رئيسية لانهاء النزيف الدموي’ وكيف سيتم الوفاء به؟ هل ستسمح واشنطن لايران المشاركة في المفاوضات حيث ستصر روسيا على حضورها. فالموقف الرسمي الامريكي هو عدم السماح لها، لكن اغناطيوس يتكهن بموافقة اوباما ان كان يعتقد ان في حضورها تسوية دائمة تنزع فتيل التوتر في المنطقة. وهل ستمارس روسيا الضغط على ايران والاسد وتدفعهم للقبول بحقيقة ان نظام الاسد قد انتهى؟ ويشير الى ان لافروف تحدث مع وليد المعلم، وزير الخارجية وهو شخصية براغماتية وقد يكون لاعبا في حكومة انتقالية ولكن من المشكوك فيه ان تقبل المعارضة المعلم او غيره. ويرى الكاتب ان روسيا وامريكا بحاجة لانجاح المؤتمر في انشاء قوة دولية تقف بين الحكومة الانتقالية والجماعات المتشددة للتأكد من نجاح المهمة.
ويرى الكاتب ان سليم ادريس هو وجه معتدل حيث ضبط عناصر جيشه الحر من الانتقام من المذابح الاخيرة، وعرض التفاوض مع النظام والروس وحماية العلويين وتأمين الاسلحة الكيماوية، لكن التحدي الاكبر هو ان يظهر ادريس قوة عسكرية تجعله من يسيطر على ميزان الحرب لا الجهاديين، ونجاح ادريس يعتمد على التزام الدول الداعمة للمعارضة بالسلاح وهي السعودية وقطر وتركيا بنقل الاسلحة عبره لا الجهاديين. وهنا يمكن ان تضغط امريكا باتجاه تعزيز قوة ادريس من خلال توسيع برامج التدريب ودعمه بالاسلحة غير الفتاكة والاسلحة. ويعتقد انه من اجل انجاح المفاوضات على فلاديمير بوتين ان يضع كل ثقله وراءها، بدلا من ترك التفاصيل للافروف. وفي النهاية هل سيقبل المتطرفون من الطرفين، العلويون والجهاديون، وهل سيرضى حزب الله بنهاية الاسد كل هذه معوقات لكن البداية احسن من لاشيء كما يقول.

القوة وحدها

ولم تبد ‘فايننشال تايمز’ متفائلة من الاتفاق وقدرته على التصدي للاسد حيث ترى في افتتاحيتها ان ‘الدبلوماسية لا تكفي وحدها للتعامل مع نظام الاسد’. وتعتقد ان الحرب السورية تتحول الى حرب اقليمية، مشيرة الى تقارير موثوقة تتحدث عن استخدام الاسد السلاح الكيماوي والقيام بعمليات تطهير عرقي، مما ادى الى تحول سورية خطرا على المنطقة و’تراجيديا لا يمكن فهمها’. وقالت ان الاتفاق الروسي ـ الامريكي جاء في وقت ‘لم يعد فيه احد يعتقد بنجاح الضغوط الدبلوماسية وحدها’. فالاسد لا يفهم سوى لغة القوة، وتجربة الماضي علمتنا انه يتراجع عندما يواجه بقوة حقيقية، كما فعل مع الاكراد عندما حشدت تركيا جيوشه على حدوده، وعندما هدده الامريكيون بوقف تصدير الجهاديين للعراق. وترى ان الاسد فشل في قمع المعارضة ويقاتل حربا من اجل بقائه، وفشل حله الامني ضد الجهاديين ‘المدعومين من الوهابيين والصهاينة والامبريالية’ كما يقول.
ولم يعد قادرا على اعادة السيطرة على المناطق التي خسرها، ويحاول جاهدا تأمين منطقة صغيرة في العاصمة التي لم تفلت من الهجمات التي قتلت اركان قيادته العام الماضي. ولانه عجز على تأمين الطريق بين حمص والساحل فقد استدعى حزب الله للقيام بالمهة نيابة عنه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية