الإعلام العربي: حرية نشر الخبر أم مسؤولية نشر الخبر؟
حسني ابو المعاليالإعلام العربي: حرية نشر الخبر أم مسؤولية نشر الخبر؟اتخذت بعض الفضائيات العربية من جسد العراق الجريح مادة دسمة لاستعمال سكاكين برامجها المسمومة ضده طعنا وتفرقة، وأعني هنا أحد المنابر الإعلامية الفاسدة والمعروفة عربيا وعالميا، والتي تدعي بأنها المنبر الإعلامي العربي الحر والمتميزالذي رفع راية الديمقراطية في الحوار، والمنبر الإعلامي الذي يحترم الرأي والرأي الآخر، إلا انها عملت و تعمل، في الحقيقة، علي خلاف تلك الأهداف، ولا هم لها سوي ان تضع السم في العسل باتجاه معظم قضايا أمتنا العربية و تعمل جاهدة علي صب الزيت فوق النار في أية مساحة عربية تجد فيها مجالا يسمح لها بالتخريب أو التفرقة بين أبناء الشعب الواحد. فقد تمكنت في بداية مشوارها الفضائي أن تلقي القبض علي قلوب ملايين العرب وذلك بتوجيه معسول ولكنه مشبوه عبر نافذتها التلفزيونية التي تطل كل يوم علي المواطن العربي في عقر داره وتدعوه للمشاركة في الحوار بحرية تامة في جميع المجالات وخاصة علي صعيد القضايا التي تهم أمته العربية الحبلي بالأزمات والمحن، بعيدا عن الخوف والرقابة والقيود التي يعيشها الانسان العربي يوميا في ظل الاستبداد السياسي الذي تمارسه معظم الانظمة العربية عليه، ومن هذا المنطلق عرفت القناة الفضائية المعنية، من أين تؤكل الكتف من خلال أسلوب صراع الديكة الذي طبع معظم برامجها بخاتم النفاق والشقاق والتصيد في الماء العكر، وهو القاسم المشترك في جميع برامجها، فالملفات العربية تنطوي علي الكثير من الأزمات المختلفة والمتعددة في السياسة والدين والاقتصاد والإرهاب وغيرها، وقد وجدت في الملف العراقي أرضية خصبة لتمرير أسلوبها وكرست معظم برامجها للإيقاع بين أطياف شعبه وخصوصا السنة والشيعة عبر برامجها غير الهادفة، وكعادتها تستضيف في كل برنامج غريمين أو أكثر من المتعصبين السنة وآخرين من المتعصبين الشيعة وتدخلهم حلبة الصراع ليقوموا بلعبة حوار الأضداد ” الإخوة الأعداء” أمام المشاهدين الأبرياء ويقوم معدو البرامج ” بدهاء كبير” بتثوير طاولة النقاش ليضاعفوا من لهيب الحوار شراسة وفتنة لإكمال اللعبة، وأعتقد بأن مثل هذه الحوارات لايمكن أن ترقي إلي مستوي مسئولية الإعلام الشريف والمحايد، ولا تساهم في تدعيم مبدأ الحقيقة ولا في إثراء المتلقي بالفائدة، وأكثر من ذلك فانها ألغت حتي مبدأ الرسالة الإنسانية والأخلاقية الملقاة علي مسؤوليتها والتي أقسمت عليها بأن تكون قناة موضوعية لا منحازة، ولو ذهبنا بعيدا فإن تأثير تلك البرامج وهي تمارس لعبة الحوار اللاديمقراطي، علي الفئات العريضة من المشاهدين العراقيين لا يقف عند حدود اختلاف وجهات نظر بين أشخاص وإنما يتجاوزه إلي اختلاف المشاهدين فيما بينهم وينقسمون الي مؤيدين للشيعة في شخص هذا المحاور ومعارضين للسنة في شخص غريمه، بحيث يعيش المتلقي العراقي لحظات عصيبة وحاسمة، مشحونة بالتوتر والاستفزاز وهو يتابع أبطال حلقات البرامج وهم يتنابزون وينشرون غسيل بعضهم البعض أمام الملأ، والأدهي أن يتم اختيار ضيوف البرامج بشكل دقيق ومقصود من الذين هم أكثر جهلا وأعمق تعصبا من الطائفتين لغرض ربط المشاهدين بحبال أعصابهم لهذا البرنامج أو ذاك.ومن أجل أن نبتعد عن التعميم ونكون منصفين فان القناة تزين صورتها أحيانا بوجوه وازنة تطعم بها برامجها من أجل ذر الرماد في العيون ولكنها لا تعطي الفرصة لمثل هؤلاء لتوضيح أفكارهم التنويرية وإنما تحاصرهم باسئلة محددة هدفها الايقاع بهم للوصول إلي غاية ما تنشدها القناة أكثر مما ينشدها الضيف وبالتالي توهم المتلقي بصحة ما تورده القناة، وينسحب هذا السيناريو علي مجمل الضيوف العرب وفي معظم البرامج السياسية التي تهم قضايا الأمة وذلك للغرض نفسه وهو زرع بذور الفتنة بين الأخوة في كل مكان من الوطن العربي، ما يحيلنا – مثلا- إلي وجود خلاف حاد بين حركة حماس وحركة فتح في فلسطين، وخلاف بين حزب الله والقوي الوطنية اللبنانية، وكذا تدخلهم السافر في الشأن الداخلي السوداني ومصر وسوريا وغيرها حتي وصل بهم الامر إلي ان ينقلوا الصراع إلي فضاء الوطن العربي، بين بلد عربي وآخر، فلا غرو أن تزرع مثل هذه التناقضات وطريقة تقديمها للجمهور العربي جملة من الاحقاد والضغائن بين أبناء الشعب الواحد من جهة وبين العربي وأخيه العربي من جهة أخري، خاصة بعد أن دخل التلفزيون بفضائياته بيوت كل العرب وهو المنهل الأهم لثقافة وتربية اكثر من سبعين بالمائة من الأميين من أبناء الوطن العربي، فالتلفزيون لا يفرق بين الانسان العربي المثقف الواعي وبين الانسان الأمي، وهذه الطريقة من الحوارات في مثل تلك البرامج قد أخذت شكل المهاترات والنقاشات الحادة التي أغرت الكثير من المشاهدين البسطاء ومنحتهم فكرة خاطئة عن طرق الحوار السليم، وغسلت أدمغتهم بحيث لا يعرف المرء كيف يفرق بين الغث والسمين وبين الصحيح والخطأ. فهل ديمقراطية الحوار تعني بالضرورة استمرار الخلاف بعيدا عن التسوية والائتلاف؟ ما هو الدور الحقيقي للإعلام في ظل القنوات الفضائية؟ أليس من الحكمة أن تدعو تلك القنوات الفرق العربية المتصارعة عبر برامجها إلي التهدئة والمصالحة، باعتبارها قنوات عربية غيورة علي مصالح العرب ويهمها الشأن العربي، بدل العبث بمقدرات الشعوب؟ وهل تفتقد الأمة العربية إلي مفكرين ومبدعين وسياسيين يحسنون شروط لغة الحوار حتي تختار قناتنا الموقرة كل من هب ودب ليشعلوا نار الفتنة بين أبناء الوطن الواحد؟ وهل النقاش يعني بالضرورة إسقاط أزماتننا الشخصية علي أزماتنا المصيرية؟ أم اننا أصلا نمثل عناصر الأزمة؟ كاتب وفنان تشكيلي من العراق2