الإعدام الرحيم : من السيف إلى الطلقة.. السعودية على طريق إعادة تأويل النص

في الثالث عشر من شهر آذار (مارس) الماضي، نفذت السلطات السعودية حكم الإعدام رميا بالرصاص بدل قطع الرؤوس بالسيف ضد عصابة مكونة من سبعة أفراد، وذلك لأول مرة في تاريخ المملكة منذ تأسيسها عام 1932. وقد اعتقل أفراد المجموعة عام 2006 بتهمة القيام بالسطو على محلات مجوهرات في مدينة أبها وحكم عليهم بالإعدام عام 2009. وقد تدخلت لدى المملكة العديد من المنظمات الإنسانية لعدم تنفيذ الحكم أو تأجيله على الأقل، خاصة أن اثنين على الأقل من المتهمين كانا قاصرين أثناء ارتكاب الجريمة، إلا أن عملية الإعدام قد نفذت.
وقال فيليب لوثر، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية: ‘إنه يوم دامٍ عندما تقوم حكومة بإعدام سبعة أشخاص على أساس اعترافات تم الحصول عليها باستخدام التعذيب، وعبر محاكمة لم يتح لهم فيها أي تمثيل قانوني أو حق الطعن في الحكم’. والذي يهمنا في هذا الخبر جانبان الأول الإعدام بالرصاص بدل السيف، والجانب الثاني إذا ما كانت جريمة السرقة تستحق الإعدام إذا لم ينتج عنها جريمة أكبر منها وهي القتل.
رياح التغيير تهب على المملكة
اتخذت المملكة العربية السعودية ثلاث خطوات مؤخرا تستحق التشجيع، ونتمنى أن تستمر في هذا الاتجاه حتى لا تبقى منفردة من دون أمم الأرض بممارسات تجاوزها الزمن تنتمي لعصر غير عصرنا، وأصبحت لا تسيء للشعب السعودي فحسب، بل وللعرب والمسلمين قاطبة. من بينها عدم السماح للمرأة بقيادة السيارة، وعدم السماح للمرأة بالسفر إلا بصحبة محرم، وبقاء البلاد بدون دستور ينظم تفاصيل الحياة اليومية ويتوسع فيما جاء مقتضبا في الشريعة، ومنها الإعدام بالسيف ومنها جماعات المطوعين الذين يرهبون الناس واختلاط السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية جميعها وحصرها في يد شخص واحد وغير ذلك الكثير. والخطوات الثلاث هي:
الخطوة الأولى: إدخال 30 سيدة في مجلس الشورى
في 11 كانون الثاني /يناير من هذا العام انضمت 30 سيدة لعضوية مجلس الشورى وعدد أعضائه 150. وقد أدين القسم الجماعي أمام الملك عبدالله بن عبد العزيز. صحيح أن جميع أعضاء المجلس يعينون تعيينا بإرادة ملكية، والمجلس لا يملك الكثير من الصلاحيات ومهمته تنحصر في إبداء المشورة فحسب وللملك حق القبول أو الرفض ولا يحق للمجلس المراجعة أو الاعتراض أو التعديل أو الإلغاء. لكن وجود خـُمس أعضاء المجلس من النساء، من بينهن طبيبات وجامعيات وأميرتان شيء مهم وخطوة على طريق الألف ميل. ويكفي أن أعرف أن السيدة ثريا عبيد من بين هذه المجموعة لأقول إنها خطوة صحيحة في الاتجاه الصحيح. فقد تعرفت عليها وهي تشغل منصب المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان برتبة وكيل أمين عام لمدة عشر سنوات، وكانت مثالا مشرفا للمرأة العربية المثقفة الواعية ذات الصفات القيادية العالية. فكيف من تستطيع قيادة مثل هذه الوكالة المتخصصة العاملة في نحو 150 بلدا لا يسمح لها أن تقود سيارة في بلادها؟ ننتظر المزيد من الخطوات على طريق تصحيح وضع شاذ لم يعد مقبولا ولا مبررا ولا مفيدا.
الخطوة الثانية: السماح للمرأة بقيادة الدراجة
الأول من نيسان/أبريل عادة مرتبط في الذهن بالكذبة البيضاء. خلت الأمر كذلك عندما طالعت في الصحف سماح السلطة الدينية في السعودية للنساء بأن يركبن الدراجات ولكن بشرطين اثنين فقط: وجود محرم وارتداء لباس محتشم. وكلا الشرطين لا ضرورة لهما لأن النساء يلبسن أصلا لباسا محتشما ولا نتوقع أن نرى سيدة تعتلي دراجة ببنطال الجينز الضيق أو الشورت لا سمح الله. أما المحرم فهو أيضا مرافق للسيدة زوجا أو أبا أو أخا أو ابنا في نزهات البحر والحدائق العامة. نعتبر هذا القرار خطوة صغيرة في الاتجاه الصحيح وتمرينا تطبيعيا لعقلية رفض رؤية المرأة تسوق أي شيء. فهذه الخطوة ربما تكون ما قبل الأخيرة لرفع الحظر عن حق المرأة السعودية في قيادة السيارة.
الخطوة الثالثة: الإعدام بالرصاص بدل السيف
لقد شكلت لجنة لمراجعة عملية الإعدام بالسيف بهدف إلغائها مكونة من وزارة الداخلية والعدل ودائرة مصالح السجون وغيرها وسترفع توصيتها للعاهل السعودي. لقد آن الأوان لإنهاء هذه العادة القبيحة والقاسية، خاصة أنها تنفذ أمام جمهور يراقب قطع العنق ودحرجة الرأس أمام الناس بمن فيهم الأطفال. لقد ظلت هذه الممارسة تثير انتقادات واسعة لغلاظتها وعدم مناسبتها للعصر الذي نعيش فيه. فإذا كان الحفاظ على هذه العادة الفظيعة بحجة استخدامها أيام السلف الصالح في عصور الدولة الإسلامية الأولى فلماذا الانتقائية إذن. هناك ممارسات كانت متبعة وتخلى عنها المسلمون كلهم في مشارق الأرض ومغاربها بسبب تطورات العصر، خاصة التكنولوجيا. فمثلا كان الناس يذهبون إلى الحج ‘رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق’ فاستبدلت كلها بالسيارات والطائرات، وكانت قيادة الدولة الإسلامية تعد للمعركة بقدر المستطاع ‘من قوة ومن رباط الخيل’ فاستبدلت بالدبابات والمدرعات والطائرات والصواريخ العابرة للقارات، وكان المؤذن يصعد على رأس المئذنة كي يرسل صوته إلى أقصى مدى فاستبدل ذلك بالميكرفون، أما ساعات التوقيت الدقيقة فتعلن وقت الإفطار في رمضان ووقت الإمساك من دون حاجة ‘حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود’ واستبدل المسواك بمعجون الأسنان والفرشاة وغير ذلك الكثير. سنة الحياة التطور والتقدم والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة التي سهلت الحياة ووفرت لنا كثيرا من الوقت لنستخدمه في أشياء نافعة. فما شاهده ابن بطوطة في رحلات استغرقت 22 سنة يمكن مشاهدته في أقل من شهرين. نأمل أن تنتهي مهمة السيافين في السعودية، كما نأمل أن يأتي اليوم الذي ينتهي حكم الإعدام إلا في حالات نادرة جدا وبعد المرور في كل حلقات نظام العدالة السليم الذي يحفظ للناس حقوقهم ويعاقب الجاني بطريقة لا تدمر إنسانيته.
عن السرقة وأنواعها وإقامة الحد
هناك نص واضح في القرآن الكريم بقطع يد السارق والسارقة لسببين ‘جزاء بما كسبا نكالا من الله’ (المائدة 38). أي القصاص والعبرة للناس. ولغلاظة الحكم تشدد العلماء والفقهاء، وأنا لست منهم لكنني قارئ لما أجمعوا عليه، في وضع شروط عديدة ودقيقة قبل بتر اليد. بعض هذه الشروط أقرب إلى التعجيز كإقامة مجتمع المساواة والعدل التامين سلفا وبعضهم وضع 12 شرطا، وبعضهم زاد عن ذلك بكثير. فمثلا يجب أن يكون السارق بالغا وعاقلا وعامدا وليس سارقا لمال عام ولا سارقا لمال من والد أو أم ولا لمال سائب عرض عليه بدون تخطيط مسبق. وإذا لم يكن هناك شاهدان عادلان أو اعتراف واضح طوعي من السارق بالسرقة ‘مرتين’ فلا يقام الحد. ولا يقام الحد إذا سرق من جوع (مثلما فعل الفاروق رضي الله عنه) كما يطلب من السارق أن يعيد المال الذي سرق فإذا أعاده فلا يقام حد القطع. والمال المسروق يجب أن يكون حلالا، فلا حد يقام على سارق الخمر أو الخنزير أو مال مسروق أصلا. وعلى المال أن يؤخذ من حرزه أي من مكان مخبئ فيه يكسر الباب أو القفل عمدا للوصول إلى المال والسرقة تكون خفية وليست علنية.
لنفرض جدلا أن كل هذه الشروط توفرت في ما سرق هؤلاء السبعة فأقصى العقوبة حسب الشريعة هي قطع اليد فلماذا الإعدام؟ أكلهم متساوون في الجريمة أكلهم فعلا وبدون لبس أو شك يستحقون الإعدام؟
من جهة أخرى هل هناك ضرورة للإبقاء على حد بتر اليد؟ كانت تقطع اليد لأنها أداة السرقة في مجتمع بسيط معظمه من الفقراء. فسرقة شاة أو ناقة أو صرة من المال تصيب صاحبها بكارثة حقيقية. أما اليوم فنحن نعيش في زمن معقد تعددت فيه الأملاك والمقتنيات وتعددت كذلك وسائل السرقة. وأستطيع أن أضع قائمة بمئة نوع من السرقة تختلف عن السرقة التقليدية باستعمال اليد، فكيف يمكن أن توضع كلها في سلة واحدة؟ فلو سرق موسيقار نوتة موسيقية من مؤلف آخر فماذا نقطع؟ ولو سرق شخص خط كهرباء من عامود تابع للبلدية فكيف يعاقب؟ ولو قام مترجم بترجمة كتاب بدون إذن مؤلفه الأجنبي أليس هذا نوعا من السرقة؟ ولو سرق شخص رقم هاتف جاره واستخدمه بدون إذن ألا يعد هذا سرقة لئيمة سهلتها التكنولوجيا؟ وماذا نقول لمن يسرق التكنولوجيا المتطورة في بلد وينتج أنواعا شبيهة منها في بلد آخر؟ أو يسرق علامة مسجلة لمصمم مشهور ويضعها على بضاعة شبيهة ولكنها رخيصة؟ القائمة تطول ولكنها تعكس تعقيدات الزمن الحالي.
نحن نعيش الآن في زمن معقد ومتطور وما أحوجنا إلى مواكبة العصر وإلا بقينا أسرى لماض بعيد لن يعود حتى لو حاولنا ذلك مرارا. نحن نعيش عصر الشعوب وعصر المساواة وعصر احترام حقوق الإنسان وعصر التعددية وحرية الاختيار ومساءلة المسؤولين ومحاسبتهم وأنسنة القوانين. وقبل هذه وذاك لا توجد دولة بدون دستور ينص على هوية الوطن وشروط المواطنة وحقوق وواجبات المواطنين وحماية البيئة والتراث وتحديد أسلوب الحكم وتداول السطة وفصل السلطات بهذا تتقدم الأمم وليس بمقدار ما تبني من قصور ومطارات وطرق ومبان حكومية ولا بمقدار تعلقها بحرفية النص وتجميده كما كان يفهم قبل أربعة عشر قرنا أو يزيد.

‘ أستاذ جامعي وكاتب عربي مقيم في نيويورك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عصفور:

    إذا كانت فلسطين ماركة عربية مسجلة بامتياز ،نريد معرفة حكم سارقها من وجهة النظر الخليجي والسعودي خاصة ؟

  2. يقول khader:

    تحيه لابي لافي
    الاسلام دين لا يعارض الحداثه والعصرنه والدليل ان فيه باب الاجتهاد

إشترك في قائمتنا البريدية