اعلام الانظمة وقضية الرسوم: الضحايا يتساقطون والوضع مستقر!

حجم الخط
0

اعلام الانظمة وقضية الرسوم: الضحايا يتساقطون والوضع مستقر!

توفيق رباحياعلام الانظمة وقضية الرسوم: الضحايا يتساقطون والوضع مستقر!في الجزائر هذا القول الشعبي طرشة وقالوا لها زغرتي فقلبت الدنيا بزغاريدها. ينطبق هذا تماما علي ردود الفعل المزايدة علي نشر الصور المسيئة للنبي الكريم محمد (ص)، وعلي تعصب بعض الغربيين. حقد غير مبرر هنا وهستيريا هناك، وتعال انت حلها.المزايدة هنا ثنائية الوجه: من انظمة فاشلة وتعاني من غرق سياسي تحاول ايهام شعوبها انها حريصة علي مقدساتها بعدما عجزت عن ان توفر لها حياة آدمية كريمة، ومن شعوب فقدت البوصلة وخطوط الاضاءة فأفرغت مخزونا كبيرا من الغضب والشعور بالغبن في رد فعلها علي هذه الرسوم.هناك امثلة صارخة تجعل المرء يحتار. في المغرب، مثلا، ساهم المخزن في قيادة حملة دعائية علي صحيفة لوجورنال ايبدومادير (بالفرنسية) غير المتحزبة لانها اعادت نشر بعض من الرسوم الدنماركية، كما وردت في صحيفة فرانس سوار ، بشكل لا يُري بسهولة بالعين المجرّدة. ومنحت (الصحيفة) الكلمة لرجال دين وعلماء ابرزوا بطلان ما بدر عن الصحف الاوروبية. استغل المخازنية صدق عواطف الناس وانسياقهم وراء عواطف جيّاشة ايقظتها موجة الغضب العالمية، فوجّهوا الامور وفق مصالحهم ولتصفية حسابات محلية، جنّدوا الموظفين والعاطلين والشيوخ وعبأوهم للتظاهر امام مقر الصحيفة بالدار البيضاء وامام مقر البرلمان بالرباط (احتجاجا علي الصحيفة ايضا). مهم التوضيح ان الاسلاميين، احزابا وجمعيات، لم يشاركوا بالمظاهرات ضد الصحيفة لانها كانت موجهة و حق اُريد به باطل .لكن المخزن لم يتوقف عند هذا الحد الرامي الي ضرب عصفورين بحجر واحد: الاساءة لواحدة من اكبر الصحف بالبلاد لانه عجز عن تركيعها لحد الان، ثم الاقتراب من عواطف رأي عام مجروح في مقدساته.. بل جنّد قنواته التلفزيونية وأمر مذيعيه بان يقولوا، في مساءين متتاليين، اثناء بث خبر التظاهرات العفوية امام مقر لوجورنال ايبدومادير ، ان هذه الصحيفة متعودة علي المس بمقدسات الامة .بتعبير اخر، هذه فتوي بالقتل.لم يكن منتظرا من القنوات التلفزية المغربية ان تشذ عن شقيقاتها العربية والاسلامية في مجاراة الموقف الشعبي الذي تحالف مؤقتا مع الموقف الرسمي. ولم يكن مطلوبا منها ان تحكّم عقلها واحترافيتها في مثل هذه الازمات، فهي خاضعة، راكعة، مستسلمة، لكنه ايضا لم يكن منتظرا منها ان تزايد علي زملائها في لوجورنال ايبدومادير وتصدر وتتبني دعوات لقتلهم او نبذهم اجتماعيا واخلاقيا.بالتزامن مع حملة الحقد، كان القضاء ينظر في قضية اتُهم فيها مدير لوجورنال ايبدومادير واحد صحافييها، واصدر حكما بتغريمهما ما يزيد عن 270 الف يورو، وهو رقم، بمقاييس المغرب، تعجز آلات الحساب عن تحويله وقياس قيمته.يبدو ان مفعول الرسوم الدنماركية بلغ القضاء فانساق هو الاخر وراء الموجة/الموضة. اذا كان في كليات الاعلام بالعالم مَن يُجري بحثا او دراسة معمقة عن علاقة التلفزيون بالسياسي/السلطة في الانظمة الشمولية، او ذات الواجهات الديمقراطية الزائفة، فها هو المغرب نموذجا.ولأن ما في حدا احسن من حدا ، كما يقول زملائي المشارقة، هناك نموذج اخر: الجزائر. في الجزائر التي يحاول اعلامها الرسمي ايهامنا بان حكومتها وضعت موضوع الرسوم الكارتونية في مقدمة اهتماماتها، وراسلت عدة جهات وتفرّغ عبد العزيز بلخادم (وزير بدون حقيبة لدي الرئيس بوتفليقة ويقوم بدور وزير خارجية مواز) ليقود تجمعا شعبيا للتنديد بالرسوم.. في هذه الجزائر رفض التلفزيون الحكومي، الذي لا يوجد غيره، بث رسالة اعتذار تقدم بها سفير الدنمارك السابق (1991 ـ 2000) بالجزائر، مما اضطره الي الاستنجاد بصحيفة الوطن الناطقة بالفرنسية. هذا ما اوردته هذه الصحيفة في عدد الاربعاء الماضي ولم يكذّبه احد.صحيح ان الرسالة كانت شخصية، لكن هذا لا يقلل من قيمتها الادبية والاخلاقية. بقي ان عذر السفير المسكين انه لم يتعلم شيئا من الجزائر التي اقام بها ما يقارب عشر سنين، الا اذا كان ـ مسكين مرة اخري ـ صدّق انحياز التلفزيون للتوجه العام وتبنيه لغضب الشعوب المسلمة محليا ودوليا، واعتبره صادقا ودائما.في كل الاحوال، غريب ان يتبني التلفزيون الحرائق ويغطي وقائعها، وفي نفس الوقت ويرفض التعاطي مع محاولات الاطفاء. والتلفزيون الجزائري هنا وفي لمنطق كثير من وسائل الاعلام المحلية التي تتحمس للخبر الاساسي، بغض النظر عن صدقه من عدمه، وتنسي ردود الفعل عليه، تكذيبا كانت ام تصحيحا. خصخصة! عن التظاهرات والرسوم اياها دائما. ان تحتج فافعل مثل الليبيين لان ضربة بالفأس خير من عشر بالمعول . صمت الليبيون وعندما تحركوا (في بنغازي المدينة المعارضة تقليديا) كلّف تحركهم 11 روحا (في رواية اخري اكثر) ووزيرين في ضفتي البحر المتوسط وجرح في العلاقات مع ايطاليا وفي علاقات الليبيين مع حكّامهم.اما التلفزيون الليبي، فليس هنا ابدا، كأن الحدث يقع في المريخ. لم يتطرق للحدث الا بعد صدور البيان الرسمي الذي ندد بـ حرق السيارات والتعدي علي الشرطة وحرق جزء من القنصلية .بدأت الوقائع يوم الجمعة واستمرت. رغم ان الحدث، برغم ما فيه من مأساوية، كان يمكن ان يشكل فرصة لنفض شيء من الغبار عن هذا التلفزيون.وقعت الوقائع يوم الجمعة، ورغم استمرارها السبت بحرق ما تبقي من السفارة والتوجه نحو الضمان الاجتماعي والتجمهر امام مستشفي المدينة، ورفع شعارات سياسية بعضها منددة بالزيادة في اسعار الوقود.. رغم ذلك، نفض التلفزيون الليبي يديه من الموضوع يوم السبت. بل في يوم الجمعة، وبينما كانت الارواح تتساقط، كان هذا التلفزيون يبث ندوة عن خصخصة الاقتصاد الليبي.لست هنا بصدد لوم التلفزيون الليبي علي اخفاقه او تجاهله اسئلة مهمة من نوع لماذا استعمال الذخيرة الحية من الوهلة الاولي، او لماذا تأخر الصور برغم ان الانظمة القمعية (والان حتي الديمقراطية الحنونة) لا تفوّت فرصة مظاهرات شعبية دون ان تصوّرها، اما لاسباب امنية او للدعاية. لست بصدد اللوم لان الاحداث الكبري هي التي تعرّي التلفزيونات المحلية المملوكة للدولة، ارضية وفضائية. (ولتتأكدوا، حوّلوا ريموتكم علي اي بلد تسمعون ان به حدثا كبيرا يستحق الاهتمام). فضّلت ان لا ألوم القناة الليبية مذ رأيت تغطية أم الفضائيات ، الجزيرة للاحداث: علي غير العادة، لم تكلف القناة القطرية مراسلها في طرابلس بالسفر الي بنغازي فظلت تستقبل منه معلومات وتفاصيل وهو في العاصمة (للمعلومات، بين المدينتين 1000 كلم تُقطع في نحو ساعة بالطائرة) يتحدث عن عودة الهدوء والاستقرار!في ساعة متأخرة من مساء الاحد، كانت الفضائية الليبية تتحدث عن اجتماعات رسمية صباح يوم السبت.كاتب من أسرة القدس العربي [email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية