اعتماد نموذج كوسوفو لدارفور وأزمة الاتحاد الافريقي

حجم الخط
0

اعتماد نموذج كوسوفو لدارفور وأزمة الاتحاد الافريقي

د. عبدالوهاب الافندياعتماد نموذج كوسوفو لدارفور وأزمة الاتحاد الافريقيفي مبادرة يبدو انه قصد بها استباق قمة الاتحاد الافريقي التي افتتحت امس الاثنين في الخرطوم، أعلنت الامم المتحدة علي لسان امينها العام كوفي عنان وممثله في السودان يان برونك انها تعتزم دعوة قوات دولية لتتولي مهمة حفظ السلام في اقليم دارفور السوداني، ويعتبر هذا الاعلان الذي تؤيده الولايات المتحدة ودول غربية (وبعض الدول الافريقية ايضا) بمثابة شهادة وفاة لأول مبادرة افريقية من نوعها، واعلان اليأس من الاتحاد الافريقي وطموحاته للعب دور في حفظ السلام في القارة.ويبدو ان هذا التوجه لم يكن المسعي الوحيد لافساد عرس السودان باستضافته القمة الافريقية لأول مرة في عهد حكومة الانقاذ، بعد ان كان السودان اقل الدول الافريقية اصدقاء في القارة. فقد كانت هناك مساع حثيثة اولا لمنع انعقاد القمة في الخرطوم، تحولت الآن كل مساع (يبدو انها ستنجح) في حرمان السودان من تولي رئاسة الاتحاد الافريقي لهذا العام.وقد كانت رئاسة المنظمة الافريقية في السابق تؤول تلقائيا للدولة المضيفة، ولكن تعديلاً جري علي انظمة الاتحاد الافريقي انهي هذا التقليد. وقد كان المقصود به حينها حرمان دولة عربية اخري ـ هي ليبيا ـ من تولي رئاسة الاتحاد تلقائيا، ولعل التعليل لهذه الخطوة هو ان الاتحاد الافريقي يختلف عن منظمة الوحدة الافريقية التي نشأ فيها في انه يسعي لتولي دور اكبر في ادارة الشؤون الافريقية، بما في ذلك الشؤون الداخلية للدول ـ وهذا يعني ان رئاسة الاتحاد لم تعد مهمة شرفية كما كانت في السابق، بل تشتمل علي مهام تنفيذية وسياسية متشابكة لا بد ان تتوفر فيمن يتولاها مؤهلات معينة، ابرزها القبول الافريقي الواسع النفوذ في القارة.وعلي الرغم من ان ليبيا لعبت الدور الاكبر في بناء الاتحاد الافريقي، الا انها لا تعتبر حتي الآن من ضمن الحلقة الداخلية ذات النفوذ الأكبر في الاتحاد، وهي حلقة تتشكل من دول أبرزها جنوب افريقيا ونيجيريا وكينيا والسنغال واثيوبيا تليها دول مثل يوغندا ورواندا والجزائر. وكانت ثمان من هذه الدول اقامت ما وصف بأنه التنظيم الداخلي في الاتحاد، وهو الشراكة الجديدة للتنمية في افريقيا (نيباد)، والتي توسعت لتضم 24 دولة، منها السودان ـ وقد وقع السودان قبل القمة علي ما يعرف بآلية مراجعة النظر، وهو ترتيب يجعل الدول الاعضاء خاضعة لـ التفتيش من قبل المنظمة علي ادائها في كل المجالات الاقتصادية والسياسية وغيرها.وقد انتقد البعض نيباد ومبادئها التي رأي البعض فيها تمثالا للنموذج الاقتصادي والسياسي الغربي في تجليه الليبرالي الجديد، حيث تركز علي التوجه نحو اقتصاد السوق، والديمقراطية الليبرالية. ويقول المنتقدون ان فكر نيباد يحمل القارة مسؤولية التخلف الاقتصادي والتفكك السياسي، ويهمل مسؤولية الاستعمار القديم والجديد في ذلك.مهما يكن فان الافكار الجديدة اكتسحت القارة واصبح الجميع يتسابقون علي تبنيها ـ وكان المروج الأكبر لهذا التوجه هو رئيس نيجيريا الحالي اولوشون اوباسانغو، حيث كان تقدم في العام 1990 بمبادرة سماها مبادرة التنمية والسلام والاستقرار في افريقيا، تنص علي ضرورة وجود آلية علي مستوي القارة لتشجيع الديمقراطية واحترام حقوق الانسان، وتحقيق الأمن والسلام. وقد واجهت مبادرة اوباسانغو، الذي كان وقتها خارج الحكم في بلاده، معارضة عنيفة علي مستوي القارة، فقد عارضتها امانة منظمة الوحدة الافريقية باعتبارها محاولة لانشاء منظمة موازية، بينما رأي فيها عدد كبير من الزعماء محاولة غير مقبولة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول.وكانت المفارقة ان الجهود الحثيثة التي بذلتها ليبيا، اضافة الي التحولات السياسية في دول مثل نيجيريا نفسها والسنغال وكينيا، لعبت دورا في تحويل هذه المبادرة الي ما يشبه الواقع ولكن ليبيا لم تجن من ثمارها الا القليل.من هنا يعتبر الحكم علي الاتحاد الافريقي بالفشل في اول مبادرة لاحلال السلام في احدي دوله ضربة موجعة، وينتظر ان تواجه معارضة قوية من بعض الزعماء، ولكن من جهة أخري فان هناك أطرافا افريقية تؤيد هذا الرأي. وكنا أشرنا في وقت سابق الي موقف وزير خارجية السنغال الذي ناقض علنا وفي مؤتمر صحافي مع وزيرة الخارجية الامريكية، الطرح الذي يقول ان جهود الاتحاد الافريقي تكفي لمواجهة أزمة دارفور. ولعل هناك من يشارك هذه الرؤية بين دول القارة الاخري، بل لا بد ان هناك من يشاركه الرأي.الاشكال في مبادرة الامم المتحدة الجديدة ليس فقط انها تسحب البساط من تحت اقدام الاتحاد الافريقي، بل هو انها قد تعقد الأمور في دارفور اكثر، فالأمم المتحدة تسعي علي ما يبدو لاتباع نموذج كوسوفو في دارفور، وذلك بتدخل عسكري علي سنة تدخل حلف الناتو في هناك. ولكن هذا يفترض تشابها في الوضعين، اي ان المشكلة في دارفور، كما هو في كوسوفو، هي في وجود حكومة مركزية تفرض هيمنتها غير المرغوب فيها علي غالبية سكان الاقليم بقوات منه ومن خارجه. وفي هذه الحالة فان التدخل الاجنبي يحرر سكان الاقليم من هذه القضية ويحقق لهم الامن والاستقرار.ولكن هذه قراءة غير صحيحة. فالاشكال في دارفور كان دائما هو الاقتتال الداخلي بين طرفين متساويين في العدد والاحقية في الوجود في الاقليم. وقد كان ذنب الحكومة هو اولاً في انها عجزت عن حسم واحتواء هذا النزاع، ثم انتقلت بعد اندلاع التمرد في عام 2003 الي تأجيجه واستخدامه كأداة في الصراع.من هذا المنطلق فان اي تدخل خارجي في الاقليم سيكون اشبه بحرب العراق منه بتحرير كوسوفو او الكويت، حيث سيضع القوات الاجنبية في مواجهة مع الطرف المتضرر من هذا التدخل.الاشكال في المعالجات الحالية لأزمة دارفور هو انها ما تزال تراوح مكانها اقتصارا علي النظر في اعراض المشكلة دون التعرض لجوهرها. فالنقاش يدور حول علاقة دارفور بالمركز، دون تحديد عن اي دارفور يتحدثون، ذلك انه حتي لو ان من يقودون التمرد في دارفور تولوا الحكم في المركز اليوم، فانه سيكون عليهم معالجة أزمة دارفور المتمثلة في استمرار النزاع داخل الاقليم. وما سياسة الهروب الي الامام بالحديث عن مشكل قوي الا تكرار لمزاعم الحكومة بوجود مؤامرات اجنبية تقف وراء الأزمة.ان الأولوية في دارفور هي بلا شك لوقف العنف والتأكد من انه لا يطال ضحايا جددا، يلي ذلك انهاء محنة المهجرين واعادتهم الي مساكنهم في ظل الأمن والدعم اللازمين، ثم معالجة جذور الأزمة داخل دارفور نفسها بمفاوضات مباشرة بين الاطراف المتنازعة. والمفتاح لكل هذا هو اتفاق سياسي عاجل بين الحكومة وحركات التمرد في دارفور ينهي الجزء الأسهل من الصراع، ويجعل كل الاطراف تتفرغ لاحتواء الجزء الأصعب. ثم تأتي بعد ذلك الأمور الأخري مثل تعويض المتضررين وتحقيق العدالة لهم.هذه الخطوات ستكون مطلوبة سواء جاء التدخل ام لم يأت، سوي ان التدخل قد يوجد طرفا ثالثا (او خامساً في هذه الحالة اذا اضفنا الحكومة والاتحاد الافريقي) لا بد من اخذه في الاعتبار. واذا كان في العراق عبرة، فهي ان وجود هذا الطرف الزائد سيجعل توصل الاطراف المعنية الي تفاهم اصعب بكثير، لأنه سيدخل اجندته الخاصة في اللعبة، ويقلب توازناتها، ان خيبة الأمل في قدرات الاتحاد الافريقي علي الاضطلاع بدور حاسم في حل الأزمة مبررة الي حد كبير. ولكن دور الاتحاد هو في نهاية المطاف دور العامل المساعد. وليس بوسع الاتحاد او اي قوة اخري ان توقف الاقتتال بين اطراف لا تريد ذلك. ومرة اخري فان في العراق عبرة، حيث نجد اقوي جيوش العالم لم تستطع احلال الأمن في ذلك البلد المنكوب، بل ان وجودها أجج الصراع.ولكن منع التدخل الاجنبي وعواقبه رهن بقيام الاطراف السودانية، وخاصة الحكومة، يواجبها علي الوجه الأكمل والاضطلاع بدورها في تحجيم ووقف العنف ومعالجة اسباب الجوهرية، وهو أمر لا بديل عنه. ومن يعجز عن تحمل مسؤولياته فان اضعف الايمان هو ان يتنحي ويسمح لغيره بالمحاولة.9

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية