اسماعيل كاداري.. وترجمة انكليزية لرواية الوريث : عمل يحول القمع الي عصابة ورئيسها لعراب يعيش رهابه وتيرانا مدينة القتامة والالغاز

حجم الخط
0

اسماعيل كاداري.. وترجمة انكليزية لرواية الوريث : عمل يحول القمع الي عصابة ورئيسها لعراب يعيش رهابه وتيرانا مدينة القتامة والالغاز

ابراهيم درويشاسماعيل كاداري.. وترجمة انكليزية لرواية الوريث : عمل يحول القمع الي عصابة ورئيسها لعراب يعيش رهابه وتيرانا مدينة القتامة والالغازالخليفة/ الوريث هي الرواية الثامنة التي تترجم للكاتب الالباني المقيم في فرنسا للانكليزية وقام بترجمتها ديفيد بيلوس. كاداريه معروف بتوثيقه للحياة الالبانية منذ بداية القرن الماضي، خاصة زمن الشيوعية التي اجترحها فيما بعد انور خوجة مبتعدا اكثر عن موسكو ومقتربا من الصين بزعامة ماوتسي تونغ، ومع ان الكتابة الابداعية التي انتعشت في ظل ما كان يعرف باسم الستار الحديدي، اما اختفت تماما او لان كتابها تحولوا عنها ليصبحوا مدافعين عن الوضع الجديد والدفاع عن النموذج الليبرالي الرأسمالي الذي اعلن انتصاره او بشر به فرانسيس فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ والانسان الجديد، الكتاب الاعتذاري الذي كتب في ظل انهيار النموذج الشيوعي السابق، ولكن كاداري القاص الحريص علي ابداعه الروائي يواصل تقاليده التي بدأها منذ فترة، ويعيد قراءة تاريخ بلاده وارثها من الخوف والتخلف عبر منظار جديد، ومع انه يدور في نفس الحقبة الشيوعية التي عاشتها البانيا في ظل انور خوجة الا انه يطور ادواته السردية، ويحول المنظور كله الي عالم بوليسي، ولغز مقتل الرجل الثاني في النظام، بحيث تتحول الرواية في اطارها الي عمل درامي مؤثر، يبرز في انور خوجة المرشد/ هو نفسه في الراوية الي عراب كبير يشبه كثيرا عراب ماريو بوزو في الرواية والفيلم الشهيرين، فهناك تمازج بين المرشد ودن كورلياني، خاصة في تجلياته الاخيرة قبل موته. يبدو انور خوجة، في ايامه الاخيرة ايضا، رجلا مسكونا بحس الخوف من المنافسين، وينشغل كثيرا بما يدور في شوارع العاصمة تيرانا وما يكتبه البوليس السري عن الشائعات، ففي ظل القمع، والاختفاء والسجون، والخنادق الكبيرة (900) التي بناها للاحتراس من الغزاة، يقوم بمراقبة اعضاء حزبه الطامحين لكي يتولوا المنصب من بعده. من المعروف ان البانيا كانت تحكم ولاكثر من اربعين عاما من خوجة وزوجته نجمة، وزيرة الثقافة التي استطاعت من خلال هذا المنصب السيطرة علي البوليس السري (سوغيريمي).والرواية قائمة علي حادث انتحار/ اغتيال الرجل الثاني او الوريث محمد شيحو عام 1981، اي قبل وفاة خوجة باعوام، حيث ينتحر في بيته الجديد، الذي تسكنه اللعنة كما تشي الاسطورة الالبانية بذلك والمسكون بارواح الموتي. وهنا يوزع كاداريه، السرد علي محاور متعددة، يحاول فيه المتهمون الافتراضيون، ابنة القتيل الوريث ، والمعماري الذي باع نفسه وتدريبه للوريث، والذي يعترف بقتل الوريث انتقاما لكرامته، ووزير الداخلية ادريان هاسيبيو، الذي كان مسؤولا عن البوليس منذ عقود طويلة، سرد حكاياتهم مع الوريث او المرشد .كاداريه، قادر علي بناء حس الترقب والتوتر في سرد سهل وجميل، يستعيد من داخله، تاريخ البانيا (بلد النسور)، عزلتها، خصوصيتها، اوروبيتها الضاربة في القدم، ومعتقداتها الدينية، فالالبان، يعودون في اصولهم الي العراق الارياني، والبانيا كفكرة ودولة يعبر عنها بالبانيا الداخل والبانيا الخارج، كوسوفو ويلخص تاريخها بايجاز، طبعا من خلال الملفات ، وكاداريه في كل اعماله الروائية يحرص علي تقديم صورة من الرهاب الذي يعيشه النظام ويفرضه علي المواطن، ويتمثل في التقارير ، فالتقارير مليئة بالشروحات عن طبيعة وانماط حياة الالبان، هل هم مسلمون ام مسيحيون، وهل عددهم مليون ام ستة ملايين، كما يقول تعليق علي التقرير. ولكن البانيا الحديثة لم تبرز الا من خلال انهيار الدولة العثمانية او فترة تحللها، في عام 1912 عندما حكمها ملك اسمه زوع، ومن ثم وقعت تحت الحكم الفاشيستي، موسوليني عام 1938 ونجح خوجة بعد خمس سنوات من تحريرها من قبضة الطليان، ويضعها اسر نموذجه الشيوعي الحريص علي الستالينية، ولهذا عادي الاتحاد السوفييتي السابق بعد ان تهجم خروتشوف علي الستالينية، وقطع علاقاته مع الصين الماوية، بعد ان اقام النظام الصيني علاقات مع يوغوسلافيا بزعامة تيتو. وتبدو البانيا، كبلد خيالي يشبه العوالم الخيالية في روايات الاطفال، تماما كما كانت البانيا تمثل نهاية العالم لدي بعض السكان في بلاد الشام، وعبر عنها المثل المعروف علي شكودرا . بعد ربيع الديمقراطية الذي عاشته البانيا مثل غيرها من الدول التي نفضت ركام سنوات الشيوعية لا تزال البلاد تعيش تحت رحمة ذلك التاريخ الذي لم يبق منه الا بعض الخنادق الاسمنتية بعد ان تم تدمير التماثيل ورموز الاخوة الكبار الذين راقبوا الحياة وربضوا علي انفاس السكان. في ظل نظام خوجة انتج كاداريه معظم رواياته، ففي الوقت الذي يستعصي فيه وصف ديكتاتورية خوجة، لم يكن كاداريه عضوا في الحزب الشيوعي مع انه كان مديرا لمعهد ثقافي تديره زوجة خوجا، نجمة. اصدر كاداريه اول رواية له بعنوان جنرال جيش الاموات ، والتي لم يذكر اسم الحزب فيها وتحكي قصة جنرال ايطالي يعود بعد نهاية الحرب ليدفن رفاقه الموتي، وتمثل الرواية رمزا عن الحياة في ظل الديكتاتور. كان خوجة في اواخر ايامه، يخشي علي حكمه الطويل، مريض شبه اعمي من اثار مرض السكري، وكان وريثه وخلفه محمد شيحو علي حافة تسلم الحكم لولا موته الذي لا زال لغزا الي اليوم، هل قتل ام انتحرـ وبعد موته اعلن النظام حربه علي عائلة شيحو، حيث تم تعذيبها بل ابادتها في محاكم الحزب او الثأر. يستخدم كاداريه عددا من شهادات شهود عيان علي الحقبة خاصة ابن شيحو، باشكيم، والملفات الاخري التي توفرت من التحقيقات السرية، ويعيد كادريه اعادة خلق الجو العام، الخانق والمرعب في فصل شتائي في تيرانا، خاصة في ليلة 13 كانون الاول (ديسمبر). حكاية مقتل الوريث، تربط حلقات السرد في الرواية، وبتطور الاحداث يظهر ان مسؤولا كبيرا في الحزب الحاكم مر قرب بيت الوريث ليلة انتحاره او مقتله. مثلما يثير شكنا الباب في بيت الوريث الجديد، ويحاول المعماري الذي اعاد تصميم البيت بانه القاتل، وفي مرة اخري يلمح كاداريه الي ان القاتل هو ابنته. وهنا يستخدم الكاتب الكثير من الرموز الشعبية، عن فكرة الانتقام والثأر المعروفة في المجتمع الالباني (القانون)، والذي لا يعتبر غريبا علي تصرفات خوجة.كاداريه يمزج بين السياسة او بيروقراطية النظام الحاكم، والحكمة القديمة في البانيا، مع حس الاثارة البوليسية، ويستعيد زمان الخوف والتشتت، وكيف تتم التضحية بالقبيلة، والابن والبنت من اجل الحزب الذي يمثله الان خوجة، نشعر في البداية ان البنت مطالبة بالتضحية بمشاعرها وعلاقة الحب التي اقامتها بمعرفة من الام مع شاب شيوعي ويعمل في الاذاعة للتخلي عنها مقابل زواج مرتب، يحمي الاب ومنصبه، وتشعر الفتاة بالتوزع هنا بين حبها وبين سلطة الاب الذي لم يكن مستعدا لتقبل فكرة الحب التي تتعارض مع طموحاته، كما ان الابن والبنت يشعران انهما نتاج علاقة تمت بين والديهما جاءت علي حساب الولاء للحزب وليس الاسرة.تحوم الرواية حول مصير الرقم اثنين، القتل او الانتحار او انتحار تم بمساعدة داخلية ـ عملية قامت بها المخابرات السرية. يعمد كاداريه الي اكثر من استراتيجية في السرد حيث يحاول تقديم حكاية الانتحار او الاغتيال عبر ابنة الوريث التي اضطرت للتضحية بحبها وحياتها الخاصة علي مذبح رغبات والدها ووالدتها، ويستدعي الكاتب محورا اخر، وهو المعماري الذي قام هو الاخر بالتضحية بخبرته المعمارية من اجل تعمير بيت الرجل رقم 2، ووزير الداخلية هاسيبيو الذي يقع في المرتبة رقم 3 في الاطار التنظيمي للدولة والمتهم هو الاخر بمقتل او اغتيال الرجل الثاني، ويخشي من نفس المصير الذي وصل اليه الاخير. مصائر الكبار المتعاونين او العاملين مع النظام الاوحد معروفة، فالنهاية تتم بطريقة ملغزة، وفي اجواء قوطية، برصاصة وحيدة لا ينفع فيها التشريح للبحث عن اسباب الموت او بالسجن الذي ينهي حياة الرجل رقم 3 ادريان هاسبيو، الذي يقطع لسانه حتي لا يكشف اسرار المرشد، اما العائلة فتحاكم في العلن ويكشف عن اسرارها ويتم قولبة وتزوير الحقائق لخدمة اغراض النظام. ولكن كاداري، يتحكم في السرد، وهو ان قدم الكثير من المفاصل لفك اللغز، يبقي علي زخم الاسئلة، فنهاية الاب، الوريث، قد تكون لان ابنته اقامت علاقة مع برجوازي، وقصة الباب الذي لا يعرف سره في البيت الجديد، الا عدد من الاشخاص منهم المعماري فيها اضاءة ايضا عن تورط المرشد، والبوليس السري، ووزير الداخلية الذي يطلب منه المرشد بلغة غامضة للذهاب الي بيت الوريث ليلة الحادث، وكعادة كاداريه الذي يحب وصف الخريف والشتاء، والسقوط يرسم صورة قاتمة عن تيرانا التي تؤكد جو العزلة والخوف والرهاب، وفي جلسات الاعتراف والحزب، يعرف المجتمعون بالقادم ليس من رائحة الثياب ولكن العرق المنداح من الاجساد. وحتي الوريث ومصيره يتراوح بين العفو والموت كـ شهيد و خائن وهي معادلة معروفة في ظل انظمة القمع، فالشهيد يتحول لخائن والعكس. في عالم كاداريه ازمنة واجواء كافكاوية، بل فيها شبه بعالم راشمون الذي رسمه اكيرا كيراساو في الفيلم الشهير. ولكن ما يجعل كاداريه متفردا في توصيفه للحالة الالبانية انه كان قادرا علي الامساك بالواقع واللحظة في زمن لاواقعي لا انساني يتسيده القمع والخوف. تيرانا، مدينة اشباح سكانها يعيشون علي الشائعات ويحتفل المرشد بتقارير الحرس السري عن حركاتهم وسكناتهم، فالكل يعرف ان مصيره سينتهي للتجميد والتصفية، الطبيب الشرعي يعرف مصيره، وكذلك المعماري التي تصر زوجته علي اغلاق اذنيها عن اعترافاته، وفي داخل هذا الجو، يتم قمع الانسان والارادة، فكل شيء يفسر ضمن اطار العنف والقمع، الحب، والعلاقات الجسدية تتحول الي معادلات للسياسة. وفي مساءلة المعماري الذي اوكلت اليه مهمة اعادة تصميم البيت الكثير مما يقال او يريد ان يقوله كاداريه عن مصير الابداع في ظل القمع، فالجمال الحقيقي لا معني، والجمال الحقيقي هو بوابة للقتل والاغتيال، وكلما اراد المعماري اطلاق الشيطان في داخله وحرق المعبد علي اهله، كلما تأكدت وجودية الجمال والذي سيقود في النهاية للموت، والاغتيال، وهجر البيت. ويتساءل المعماري اكثر عن فكرة الابداع، وفي الغالب يفض همومه مع زوجته في عزلتهما الليلية التي تحاول دائما اعادة الثقة له، وانه يجب ان لا يكون مثلهم.في نهاية الفصل الاخير من الرواية، يعود الوريث من القبر، شارحا رحلته منذ الموت، مع التشريع، ونبش قبره، وتحلل جثثته، وعلاقته مع المرشد الذي كان يجمعهما الحب والبغض، الولاء والخيانة، والصفاء والتلون. فهو يعذر المرشد علي كل ما قام به، لانه لم يكن سوي نسخة طبق الاصل عنه، ولو قدر له واستلم السلطة لتصرف مثلما تصرف المرشد، فالاخير كان يخشي اكثر ما يخشاه هو الاخلاص والصدق، وعندما يتعلق الامر بهذا المفهوم كان الشخص يكتب شهادة وفاته بنفسه. وعندما يعود الوريث الي ما آل اليه الوضع في البانيا وميراث خوجة، لا يشعر بالحسرة او الندم بل ولا الحزن، فهو يعتقد ان تصرفاته لم تكن الا جزءا من فوضوية هذا العالم، وما قام به مع مرشده كان فعلا قدريا لا تنفع معه الصلوات او الشموع. كاداريه، يريد من قارئه ان يفهم ما حدث ولكنه لا يريده مواصلة التساؤل عن مكمن الخطأ، فابطاله كانوا نتاجا لفوضي العالم، لا يعرفون الصلاة ولا الندم. في تداعيات الميت من قبره، وان اشار الي ان القاتل ربما كانت زوجته، التي انتظر ان تقدم له فنجانا من شراب البابونج، وبدلا من ذلك اقتربت منه بفوهة جهاز اسود مع حارسه الذي عاش معه طوال العقود الماضية، واطلقت عليه الرصاص، الذي كان رصاص رحمة، انهي معاناته الطويلة … وهو هنا في مساره الابدي لا يريد لنا العودة الي ما كان عليه والمرشد، لان عودته تعني الكارثة وسوء الحظ والنكسات. تكمن قوة رواية كاداريه، في كونها تستعيد اشباح الماضي، فهي تتحدث عن ظل القمع وهواجسه، ولانها كذلك، فقد نجحت باعادة تشكيل مشهدا عن عبثية القتل والاغتيال، ورهابية القتلة.. هي رواية رموز، تلعب علي حس الخوف، تماما مثلما فعل في روايته الاخري قصر الاحلام ، وهذا ما يجعل كاداريه قاصا آنيا، معاصرا رغم انتفاء الحقبة التي يكتب عنها من ناحية تاريخية، كما ان خصوصية التجربة الالبانية، في تقاليدها غير المكتوبة عن الثأر والانتقام تعطي لفترة حكم انور خوجة بعدها المتجذر، عن ديمومة الانتقام باعتباره نظاما اجتماعيا وطقسيا.ولد كاداريه عام 1936 في جنوب البانيا، كان والده يعمل في سلك الخدمة المدنية، ونشأ الطفل في ظل الحرب العالمية الثانية، ودرس الفلسفة والتاريخ في جامعة تيرانا، كما تلقي دروسا في معهد غوركي في موسكو. وبعد عام 1961 عندما انعزلت البانيا عن فضائها الشيوعي، السوفييتي والصيني، ولد جيل من الكتاب، وبدأ كاداريه حياته الابداعية كشاعر، حيث ظل يتحرك بحذر في ظل الوضع الخانق، وكان عضوا في مجلس الشعب في عام 1970 حيث كان بامكانه السفر ونشر اعماله في الخارج، وفي عام 1971 اصدر روايته تاريخ الحجر ، وقبلها نشر رواية القلعة (1970)، و الشتاء العظيم (1975). وفي عام 1982 قصر الاحلام ، الكونسيرت (1988). ومن اعماله الاخري الملف عن هـ ، الهرم ، مرثيو لكوسوفو ربيع الازهار، ربيع الغابات ، جسر الاقواس الثلاثة .علاقة كاداريه بالنظام السابق تظل محلا للكثير من الجدل والاخذ والرد وهو، خاصة انه كتب معظم انتاجه الروائي في ظل ولم يخرج الا في بداية التسعينات من بلده، حيث يتنقل الان بين باريس وتيرانا. في العام الماضي، 2005، فاز كاداريه بجائزة بوكر الدولية، وهي ارفع جائزة ادبية بريطانية، وتنافست اسماء معروفة علي الجائزة البريطانية المعروفة، مثل نجيب محفوظ وغونتر غراس، وغابرييل غارسيا ماركيز، كينبارو اوي، ودوريس ليسينغ، وماغريت اتوود.ناقد من اسرة القدس العربي The SucceorIsmail KadareTranslated from the French of Tedi Papavrmi by David BellosCanongateEdinburgh, New York, Mellbourne/20060

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية