اسرائيل فكت ارتباطها عن غزة إلا أنها لم تصل بعد الي القناعة بضرورة قطع السلسلة الفوقية التي تربطها بالقطاع
اسرائيل فكت ارتباطها عن غزة إلا أنها لم تصل بعد الي القناعة بضرورة قطع السلسلة الفوقية التي تربطها بالقطاع في آب (اغسطس) الأخير قامت حكومة اسرائيل بخطوة عملية ـ اخلاء المستوطنات اليهودية في قطاع غزة. الخطاب الذي رافق تلك العملية تحدث عن فك ارتباط اسرائيل عن الشعب الفلسطيني. هذا الخطاب راق لآذان ملايين السامعين من مواطني اسرائيل، ووسائل الاعلام قامت بتقمصه بدفء وحرارة. اخلاء المستوطنات في غزة يُسمي الآن فك الارتباط بصورة اجماعية لا تقبل التشكيك والتأويل.ولكن العلاقة بين قطع صلة اسرائيل بالفلسطينيين وبين فك الارتباط ـ تلك العملية الاستعراضية البطولية الأخيرة التي أقدم عليها رئيس حكومة اسرائيل في تلك الآونة ـ تشبه العلاقة بين الكوكاكولا و طعم الحياة . دولة اسرائيل السياسية والحزبية لم تبدأ بعد في استيعاب الحاجة لقطع السلسلة التي تربطها بالشعب الفلسطيني. هذا ما يظهر بوضوح من البرامج والاعلانات التي تتبناها كل الاحزاب المسماة صهيونية، ومن تصريحات عدد من قادتها الرسميين. هناك ثلة قليلة من السياسيين الذين يمكن استثناءهم من هذه الظاهرة من اولئك الذين اجتازوا عملية الانتقال السيكولوجية المطلوبة لفك الارتباط، إلا أن صوتهم غير مسموع في داخل الاجماع الوطني العريض الذي يهيمن الآن علي الساحة السياسية الاسرائيلية. ردود الأفعال الاسرائيلية علي انتصار حماس في الانتخابات الأخيرة في فلسطين، ومثلها التصريحات السياسية العلنية لقادة الاحزاب، تبرهن بوضوح علي أن عملية فك الارتباط لم تبدأ، وأن المؤسسة السياسية كلها لا تنوي تجسيد ذلك فعلا. من عبّر عن ذلك بصورة جيدة كانت وزيرة الخارجية تسيبي لفني التي قالت قبل ايام بلغة بسيطة وعبرت عن حيرتها الشخصية وحيرة رفاقها في الحكومة والحزب في كيفية رد اسرائيل علي انتصار حماس. الوزيرة أوردت حقيقة أن كتب التعليم في شبكة حماس التعليمية حافلة بكراهية اسرائيل كذريعة لعدم تحويل العوائد الجمركية والضريبية الفلسطينية. الوزيرة تساءلت كيف يمكن لاسرائيل أن تحول أموالا لسلطة تسيطر عليها حركة تقوم بتعليم أسس غير مقبولة علي اسرائيل.اذا صدقنا وسائل الاعلام، فان التعليم الحمساوي مقيت فعلا ـ خصوصا اذا كان يُربي علي ظاهرة تشجيع الاولاد علي تفجير انفسهم في المدن الاسرائيلية بينما يستمتع الذين يقومون بالاغراء بِنِعم الحكم والشهرة. ولكن ما كُتب في الكتب الدراسية الفلسطينية لا يمكن أن يكون تحت سيطرة دولة اسرائيل. الاعتقاد بأن اسرائيل تراقب مضمون كتب التعليم في فلسطين هو حماقة فوقية. لقد بدا تقريبا وكأن الوزيرة كانت قريبة من أن تطالب حماس بتعيين شخصية اسرائيلية معروفة كوزير للتعليم في الحكومة الفلسطينية.برامج اغلبية الاحزاب اليهودية في اسرائيل تظهر المفاوضات مع الفلسطينيين كخطة سياسية ـ أمنية. هذا مؤشر صارخ آخر علي أن أي واحد من هذه الاحزاب لم يستوعب بعد مغزي فك القيود. اقتراح خطة سياسية تقوم علي المفاوضات مدحوض من أساسه تماما مثل اقتراح خطة قطرية هيدرولوجية تقوم علي ارتفاع مستوي طبريا الي الخط الاحمر الأعلي من الآن فصاعدا وفي كل سنة في المستقبل. البرامج السياسية الحزبية تقترح عملية يعتمد قيامها بصورة مطلقة علي أطراف ليست ضمن سيطرة الدولة. الوعد بتنفيذ شيء ما يعتمد تماما علي ما سيفعله الفلسطينيون يمكن أن يُعتبر في دولة اسرائيل خطة سياسية فقط لأن السلسلة التي تربطنا بالفلسطينيين أقوي من أي وقت مضي. سر قوة هذه السلسلة يكمن في الاعتقاد الذي اكتوي به الوعي الاسرائيلي عميقا في أن دولة اسرائيل تستطيع السيطرة علي تعاليم وعقيدة وارادة الشعب الفلسطيني. قطع الصلة التي تربطنا بالفلسطينيين هي حاجة وجودية لدولة اليهود. ولكن فك الارتباط يجب أن لا يبدأ باقتلاع المستوطنين من منازلهم التي بُنيت خلف الخط الاخضر خلال جيل ونصف جيل، وانما باقتلاع الرؤية المدحوضة التي بُنيت خلال جيل ونصف جيل في أدمغة الاسرائيليين بما يتجاوز العقل والمنطق السليم.اليا ليفوفيتشكاتب في الصحيفة(هآرتس) 26/2/2006